ترجمة وتحرير نون بوست
صرح ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 20 سبتمبر/أيلول، أن “الأردن حققت تقدما ملحوظاً في تغلبها على الأزمة التي كانت ستقودها إلى الانحدار”. وقد جاء هذا التصريح في إطار محاولة الملك التباهي بالانتخابات التي شهد الأردن في نفس هذا التاريخ. ولكن تجدر الإشارة إلى أن مجموعة كبيرة من الشعب الأردني تقول عكس ذلك ولم تبدي أي تفاؤل حول هذه الانتخابات.
على الرغم من الحملة الإعلامية الضخمة التي تشهدها الأردن، وخاصةً مع مشاركة المناصرين لجماعة الإخوان المسلمين لأول مرة في الانتخابات بعد مقاطعتها لمدة تقارب 10 سنوات؛ عرفت مكاتب الاقتراع ترجعا في الإقبال على التصويت بنسبة 37 بالمائة، بعد أن كانت هذه النسبة تقدر ب 56 بالمائة في الانتخابات التي سبقتها. وبعيداً عن العاصمة عمان، بالكاد وصلت نسبة التصويت إلى 25 بالمائة.
ويعتبر تراجع نسبة الإقبال والتصويت علامة واضحة على غياب ثقة نسبة كبيرة من الشعب الأردني في الانتخابات الحالية، حيث أنهم يعتبرونها مضيعة للوقت. كما أن سياسة الملك الأردني التي عمدت إلى إعادة تعيين المرشحين غير المنتخبين بعد وقت قصير من الانتخابات الماضية، مع بعض التعديلات البسيطة، هي السبب في انعدام ثقة الشعب في الانتخابات.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمد الملك عبد الله الثاني جملة من القرارات كانت من وجهة نظره حكيمة ولكنها لم تحظى بموافقة شعبية، كقرار توريد الغاز من إسرائيل وقرار إعادة النظر بشأن مناهج التعليم التي تفرض محو بعض الآيات القرآنية من الكتب المدرسية.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد احتلالها من قبل المملكة المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، عمدت الأردن إلى أن تكون موالية للدول الغربية ومنطقة عازلة لحفظ استقلاليتها عن بقية دول الخليج. وقد بدأت بوادر التوتر تظهر بعد التقدم الذي شهدته هذه الدولة، التي تحولت من صحراء قاحلة إلى دولة متطورة.
كما تعيش هذه الدولة اضطرابات وتحديات من أجل إرساء الديمقراطية، وهو ما أكده بعض النقاد. ولكن في المقابل تسعى الأردن اليوم إلى اكتساب بعض السمات التي تميز الأنظمة الاستبدادية التي تحيط بها من كل جهة.
ومن جهته سعى الشعب الأردني، في غياب معارضة ذات مصداقية، إلى إيجاد طرق بديلة وفعالة لإيصال صوتهم. كما حاولت مجموعة كبيرة من المواطنين التنديد بالقرارات التي اتخذتها الحكومة الأردنية، من بينها صفقة الغاز والإصلاحات التعليمية، وذلك عبر التظاهر في الشوارع، على الرغم من التواجد المكثف لعناصر الأمن هناك.
وقد شهدت منطقة القويسمة، التابعة للعاصمة، انطلاقا من 9 أكتوبر/تشرين الأول، عاما من أعمال الشغب احتجاجا على سلسلة من المداهمات التي نفذتها عناصر من الأمن في هذه المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تواجد المناصرين للإخوان المسلمين في الانتخابات الأردنية الحالية ينبئ بمزيد الانقسامات في الدولة.
كما أن عديد المؤشرات تبين أن الفئة المضطهدة من الشعب ستبحث عن وسائل أكثر تطرفاً مع تقدم الوقت، وقد رصدت العناصر الأمنية محاولات لرفع أعلام تنظيم الدولة وسط محافظة السلط، غرب العاصمة عمان.
كما شهدت الأردن توترات تسببت في زعزعة استقرارها، هذا إضافة إلى تنامي وتصاعد الجرائم فيها. ومع نهاية شهر سبتمبر/أيلول، لقي ناهض حتر، الكاتب والصحافي الأردني المعروف، مصرعه على اثر طلقة نارية على بعد خطوات من قاعة المحكمة في العاصمة عمان، قبل بدء جلسة الاستماع التي كان سيحضرها بخصوص الاتهامات الموجهة ضده آن ذاك. وقد كان القاتل مسؤولاً في وزارة التعليم.
علاوة على ذلك، تعيش المناطق الريفية، التي تشهد فيها الحملات الانتخابية تنازعاً شديداً، عديد التوترات والاضطرابات الأمنية، فقد عمد المناصرون للمرشحين المنهزمين في الانتخابات إلى قطع الطريق والتورط في اشتباكات مع عناصر الشرطة. بالإضافة إلى ذلك، أفادت المرشحة هند فايز، التي اتهمت وزارة الداخلية بالفساد أن “صناديق الاقتراع قد تعرضت للسرقة..” .
كما توجهت السيدة فايز إلى المحكمة مدعية أن الانتخابات لم تكن نزيهة وأفادت أنها “لن تأخذ مقعدها في الحكومة حتى وإن كانت الانتخابات عكس ذلك”. وأضافت أن “إرادة الشارع ستتغلب على نفوذ الحكومة، لأنها أكثر قوة”.
ومن جهتهم، دخل السياسيون الآخرون الرافضون للنظام في تحدي ضده. ومن بين هذه التحديات سعى عضو برلماني سابق، في محاولة جديدة منه، إلى تكوين حزب جديد يكالب بإقامة دولة دستورية حقيقية وأطلق حملة لحماية حقوق الإنسان. كما يتساءل العديد من الأطراف السياسية عن سبب هذه الاضطرابات والتذبذب الذي تعيشه الدولة، بعد نجاحها في المحافظة على الأمن وإدارة انتفاضة الربيع العربي لمدة أربع سنوات.
ومن الواضح أن اقتصاد الأردن قد شهد تغيرات كبيرة، جراء الاضطرابات السياسية التي أثرت عليه. وكنتيجة لذلك، انخفض النمو الاقتصادي إلى ما يقل عن 2 بالمائة وعرفت نسبة الدين العام ارتفاعا وصل إلى 93 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. بالإضافة إلى ذلك، شهدت نسبة الضرائب وأسعار السلع الضرورية ارتفاعا، وذلك على اثر القرض الذي اتفقت بشأنه الأردن مع صندوق النقد الدولي.
كما ساهم التدفق الهائل للاجئين القادمين من سوريا في زيادة الصراع من أجل الحصول على الوظائف والموارد. كما أن المشاكل الاقتصادية التي تعيشها دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، تنبئ بكارثة أعمق من الكارثة الحالية. وبالإضافة إلى ذلك، شهد كل من قطاع السياحة والاستثمار انخفاضا حادا. وأفاد وزير الاقتصاد السابق، سامر الطويل، حول هذا الموضوع أن “الاقتصاد يقوم على المساعدات الخارجية ولا يمكن لاقتصادنا أن يزدهر دون ذلك”.
المصدر: إيكونوميست