ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
عاد هذا الموضوع الحساس بقوة في الفترة السابقة نتيجة للجدل الذي أثير حول مكافحة الإرهاب والتطرف. كما تمت مناقشة هذا الموضوع بمناسبة إصدار كتاب “السجون في فرنسا” للكاتب فرهاد خسروخاور.
وعموما يعتبر الحديث عن معدل اللاجئين في السجون الفرنسية من المحظورات، إلا أنه لا يمكن إنكار أن ذلك المعدل مرتفع نسبيا. وعلى الرغم من غياب إحصائيات عرقية، إلا أنه من المؤكد أنه لو لا استعمال هذا الموضوع كأداة لخدمة مصالح معينة لما خرج هذا الموضوع إلى النور.
لا أحد يجادل في هذه الظاهرة القديمة التي لا تختص بها فرنسا فقط، كما أن دراستها والبحث في أسبابها يعتبر مهمة صعبة وشبه مستحيلة للباحثين، الذين يحاولون البحث حول السود في السجون الأمريكية ومعاينة ظروف اعتقالهم.
وقد عاد هذا الموضوع إلى النقاش في سياق مكافحة الإرهاب، إذ أصبحت الخطابات الدينية داخل السجون مثيرة لعديد المخاوف. وحول هذا الموضوع، صرح رئيس الوزراء، مانويل فالس، في 6 أكتوبر/ تشرين الثاني في آجا الفرنسية، أن “الوضع يحتم علينا القيام بالتغييرات اللازمة خاصة فيما يتعلق بالحرب ضد التطرف”.
“قرارات المحاكم تزداد شدة”
تسبب عديد الإرهابيين في مجازر دامية في فرنسا منذ كانون الثاني/ يناير 2015، الأمر الذي أدى إلى اعتقال مجموعة جديدة في السجون الفرنسية، كما أن العديد من أعمال العنف التي شهدتها فرنسا في الفترة الأخيرة ترد دائما وأبدا إلى أسباب تتعلق بالتطرف والإرهاب.
ومن هنا أصبحت الخطب المتطرفة “والجهادية” تردد في السجون، نظرا لتواجد نسبة كبيرة من المهاجرين الذين تعود أصولهم إلى شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، والذين غالبيتهم من معتنقي الدين الإسلامي. وتجدر الإشارة إلى أن الزيادة المستمرة في عدد السجناء ليست مرتبطة بتطور أو تزايد الجرائم، وإنما بسبب “إلغاء قوانين العفو”. وأيضا بسبب “تصلب القانون الجنائي لسنوات عديدة” الذي “يرافقه زيادة في شدة الأحكام وحدتها”.
“الازدواجية في القرارات الفرنسية والتضارب فيها”
تتراوح نسبة السجناء المسلمين من جملة السجناء بين 40 بالمائة و60 بالمائة؛ وقد أكدت هذه الإحصائية، المراقبة العامة للسجون الفرنسية “أديلين هازان”، التي صرحت أن “نسبة المعتقلين من أصول أجنبية خاصة المهاجرين تضاعفت مرتين خلال الثلاثين سنة الماضية”.
وتعليقا على هذه الأرقام، قالت آني كينسي رئيسة مكتب دراسات الإحصاءات لإدارة السجن أن “هذه الإحصائيات ليست دقيقة إذ أنها لا تستند على أسس موضوعية”. فيما اعتبر خسروخاور أن غياب الدقة في هذه الإحصائيات هو نوع من “التضارب في القرارات الفرنسية والانفصام فيها، إذ لا تسمح السلطات بالقيام بإحصائيات حول عدد المهاجرين في السجون الفرنسية”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أدلين حزان، المراقب العام لأحد السجون، لا تؤكد أيضا هذه الإحصائيات، وكشفت أن مدير مركز الاعتقال الذي تعمل به أكد لها في حديثه أنه في عام 2015 كان المسلمون يمثلون نسبة حوالي 60 بالمائة من جملة المعتقلين. وتضيف أنه “في سجن فلوري ميروجي، أكبر سجن في أوروبا، فإن الوضع مماثل”.
سياسة العقاب تعتمد على التمييز الاجتماعي
وفي الحديث عن الأرقام الرسمية حول السجون الفرنسية، فإن نسبة السجناء الأجانب، تصل إلى أكثر من 18 بالمائة، مقارنة ب 6.4 بالمائة بالنسبة للفرنسيين. كما أن الأشخاص الذين يصومون شهر رمضان داخل السجن، يبلغ عددهم في هذه السنة نسبة 27.5 بالمائة، وهو رقم مستقر منذ عدة سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من جملة المساجين المتواجدين في مراكز الاعتقال، بلغت نسبة القصّر منهم حوالي 29 بالمائة. أما في السجون فقد بلغت نسبة المساجين الذين يصومون شهر رمضان من جملة المساجين المهاجرين، 14 بالمائة فقط.
وتقدم عالمة الاجتماع في جامعة إيكس بمرسيليا، لوران موتشيلي، تفسيرا سياسيا لهذه الظاهرة، وتقول إن “الانحراف المتواجد في الشوارع وخاصة الذي يرتكبه أشخاص من الطبقة الفقيرة، يقود إلى السجن؛ أما الانحراف الذي يقوم به الأغنياء، مثل التهرب الضريبي والاحتيال، فلا تشمله العقوبات”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أبرز مثال على ذلك هو التهرب الضريبي في الخارج الذي يخضع بدرجة أولى إلى سياسة التمييز الاجتماعي.
الجرائم الصغيرة هي التي تتكرر دائما
إن تطبيق العقاب ضد الجرائم البسيطة التي لا تتطلب تحقيقا طويلا أدى إلى تصلب العدالة. ومع ذلك، غالبا ما تؤدي هذه الإجراءات إلى عقوبة السجن، ومن هنا يتزايد عدد السجناء من الفئات الفقيرة.
وحول الأحكام التعسفية ضد المهاجرين وحالات الجرائم الصغيرة، أكد كريم، وهو أحد الشباب المغاربة، أنه اقتيد إلى سيارة الشرطة بعد اتهامه بسرقة ساعتين واحدة بـ35 يورو والثانية بـ20 يورو من أحد المحلات وهو في حالة سكر، وأصدر القاضي حكما مباشرا في حقه بشهرين من السجن مع النفاذ العاجل بتهمة السرقة وتعاطي مادة مخدرة.
“فقير ومن المهاجرين”
كذلك فإن هذا الرجل البالغ من العمر 35 سنة كان من أصحاب السوابق في العنف والسرقة وتعاطي المخدرات، كما سبق له وأن مثل أمام القضاء خمسة عشر مرة بسبب سلسلة من أعمال العنف التي قام بها وهو في حالة سكر والتي هي في غالبها جنح بسيطة. وجدير بالذكر أن هذا الرجل يعيش بلا مسكن قار ويتحصل على إعانة تقدر بـ430 يورو من إحدى المنظمات الفرنسية.
وأكدت الصحيفة أن القضاء الفرنسي يمارس سياسة التمييز في قضايا تعاطي المخدرات على سبيل المثال، حيث تدخل مروان محمد أحد المغاربة المقيمين في فرنسا معلقا على هذه السياسة قائلا: “لو فرضنا وجود كاميرات للمراقبة، الأولى تراقب مجموعة من الشباب المغاربة وهم يتعاطون المخدرات والثانية تراقب مجموعة من الطلبة البيض وهم بصدد فعل نفس الجرم، فأي واحدة من الكاميرات سيركز عليها رجال الشرطة؟”.
الفشل في الدراسة والأحياء الشعبية
بينت دراسة أجريت على 600 شخص من بين الذين ارتكبوا جنحة، أن الأصل لا يلعب دورا كبيرا في التمييز، إلا أن ثلاثة عوامل رئيسية هي التي تتحكم في ذلك، على رأسها المحيط الأسري، والفشل في المدرسة والسكن في الأحياء الشعبية.
وعموما فإن الفقر وعدم الاندماج في المجتمع، يضطر العديد من الأطفال إلى العيش في الشوارع بسبب عدم وجود سكن لائق، والفشل في الدراسة.
“السجن، مرحلة من الحياة”
وأضافت الصحيفة أن إمكانية إصدار حكم مباشر لمتهم من أصول مغاربية وهو مازال قيد التحقيقات مرتفعة ثلاث مرات أكثر مقارنة بمواطن من أصول فرنسية.
هذه السياسة التي يمارسها القضاء الفرنسي ساهمت في اكتظاظ السجون في مدن الجنوب الفرنسي، وتحديدا مدينتي مرسيليا وتولوز، مما يرفع نسبة اختلاط السجناء بالمتطرفين. وقد أكدت أديلين هازان أن “السجن أصبح مرحلة عمرية لا بد من المرور بها بالنسبة لهؤلاء الشباب”.
محاكمة بدون محام
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المتهمين لا يملكون محاميا، حيث أكد عمر، أحد المساجين الذين مروا بهذه التجربة، قائلا: “لا أعلم لماذا تغيّب المحامي خلال استجوابي”. وقد استنكر عمر ذلك لأنه لا يعلم أنه خلال التحفظ عليه من قبل الشرطة أو خلال إصدار تهمة مباشرة مع سير التحقيقات، لا فائدة من حضور المحامي وعليه انتظار المثول أمام القضاء ليتقدم بتوكيل لمن يدافع عنه.
ونقلت الصحيفة على لسان قاضي تنفيذ العقوبة جان كلود بوفيي قوله: “في الغالب لا يمتثل المتهمون لواجب المثول أمام القاضي”. ومن دون مفاجآت فإن الغائبين عن الحضور هم في العادة المتهمون بارتكاب جرائم لا تتعدى عقوبتها الستة أشهر أو السنة ومعظمهم يعانون من مشاكل اجتماعية أو فاقدين للسند العائلي.
حلقة مفرغة
تتمثل المشكلة بالنسبة لأولئك الذين يقضون فترات اعتقال قصيرة، في عدم تمكنهم من التمتع بتكوين أو تأطير من شأنه أن يدمجهم في المجتمع وحمايتهم من خطر التطرف داخل السجن وفي مرحلة ما بعد الاعتقال. وانطلاقا من هذا السبب فيمكن القول بأن ارتفاع نسبة المساجين المهاجرين ظاهرة لا تختص بها السجون الفرنسية فقط. وعموما، فإن “نسبة الأجانب في السجون الأوروبية هو تقريبا ثلاثة أضعاف نسبة السكان الأوروبيين في الاعتقال”. كما أنه في ألمانيا، على سبيل المثال، بلغ معدل الأجانب في السجون حوالي 30 بالمائة، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن المجلس الأوروبي، ووصلت هذه النسبة إلى 41 بالمائة في بلجيكا.
“الإسلام، عنصر التنشئة الاجتماعية”
وأضافت الصحيفة أن هنالك رابط بين ارتفاع نسبة المغاربة في السجون الفرنسية والإسلام، حيث يقبع الكثير من المغاربة في السجون بسبب معتقداتهم الدينية إذ يعتبر البعض منهم أنفسهم بأنهم ليسوا عربا ولا فرنسيين، لكن الهوية الإسلامية هي التي تمثل أساس نشأتهم الاجتماعية باعتبار انتمائهم لهذا الدين.
وتختلف الاعتقادات الدينية للمعتقلين في السجون عن من هم خارجها وهذا ما أثبتته دراسة قامت بها الباحثة في علم الأديان “كلار كالومبار” والتي توصلت إلى أن “الدين سيملأ الفراغ الذي يعيشه المعتقل داخل السجن وسيساعده على تخطي العنف الذي يولد بين القضبان”، وبالإضافة إلى ذلك، جاء على لسان هذه الباحثة أن “السجين المتدين يمكنه النجاح في جمع عددا كبيرا من السجناء حوله”.
المصدر: لوموند