في عام 1984، شهدت تركيا تأسيس أول بنك يعمل وفقًا لشروط الصيرفة الإسلامية، وتوالت عمليات تأسيس البنوك الإسلامية حتى باتت تركيا تحتضن سبعة بنوك إسلامية تقدم خدماتها للمواطنين الأتراك والأجانب طبقًا لأسس التعامل الإسلامي كالمشاركة والمرابحة والمضاربة وغيره.
يعمل نظام الصيرفة في تركيا من خلال 40 بنكًا تقليديًا و7 إسلامية، ويُرجع الخبراء الاقتصاديون الأتراك تنامي نظام الصيرفة الإسلامية في تركيا منذ 1984 وحتى يومنا هذا إلى الانفتاح التركي على الشرق، بالإضافة إلى إثبات النظام الإسلامي نجاعته وفائدته للمصارف التي تعمل بأصوله وللمستثمر سواء الفردي أو التجاري.
وفي إطار تاريخي، سادت في ظل الدولة العثمانية الصيرفة الإسلامية، خاصة المرابحة، وذلك حتى عام 1847 حيث تم تأسيس بنك دار السعادة أو كما عُرف بالفرنسية “بنك دا قسطانطينوبول”، واحتوى البنك على رأس المال الفرنسي والبريطاني، وبدأ بمنح القروض التقليدية للمواطنين العثمانيين، وأُغلق عام 1852 لعدم قدرته على استرجاع طيفًا كبيرًا من القروض، وأسس محله البنك العثماني، وتوالت عملية تأسيس المصارف الرأسمالية ليصبح هناك بنك الشهانة العثمانية وبنك الزراعة وبنك الاعتبار الملي العثماني.
عقب تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 تم اعتماد نظام الصيرفة التقليدية كنظام أساسي للتعاملات المالية، وانفرد النظام التقليدي بالسيطرة على نظام الصيرفة في تركيا حتى عام تأسيس بنك البركة ترك كأول بنك إسلامي تشاركي.
البركة ترك
يقدم بنك البركة ترك خدماته للعملاء منذ عام 1984، ولعل الانفتاح التركي على العالم العربي بشكل خاص إبان حكم حزب الوطن الأم هو المؤثر الأول في فتح هذا البنك، لا سيما بعد قدوم عدد كبير من مواطنين دول الوطن العربي للاستثمار في تركيا التي عملت على استقدامهم من خلال عدة تسهيلات قانونية واقتصادية قدمتها آنذاك في إطار خطة الانفتاح الذي هندسها رئيس الوزراء وزعيم حزب الوطن الأم حينذاك “تورجوت أوزال”.
تُقدر سيولة بنك البركة ترك بـ 900 مليون ليرة، 300 مليون دولار، يستخدمها البنك في تمويل المشاريع الفردية والتجارية والمؤسساتية، وتعتبر المشاريع التجارية من أهم الأمثلة على المشاريع التي يساهم بنك البرك في تمويلها، ومن الأمثلة عليها مشاريع إنشاء المباني السكنية والتجارية، وقد تم إنشاء هذه المشاريع وفقًا لمعيار المشاركة.
يمنح البركة ترك خدماته لعملائه في 210 فروع، أحد هذه الفروع في مدينة إربيل، ويبلغ عدد الموظفين العاملين في البنك 2763 موظفًا، وحاز البنك على المرتبة الأولى بين البنوك الإسلامية التشاركية من حيث معدل الربح لعام 2015، حيث بلغت أرباحه الصافية 302.9 ملايين ليرة، 100 مليون دولار تقريبًا، وبذلك استطاع رفع معدل ربحه بنسبة 19.8% مقارنة بالعام الماضي، وتساهم الوتيرة المتتالية في ارتفاع نسبة الأرباح في رفع ثقة كل من المستثمر والمواطن العادي بالبنك، وركونًا لذلك حاز بنك البركة على المرتبة الأولى في استقطاب المستثمر الراغب بالاستثمار وفقًا للمعايير الإسلامية.
تعد مجموعة البركة المصرفية المساهم الأساسي في بنك البركة، حيث تستحوذ إلى جانب بنك التنمية الإسلامي على ما نسبته 66.10% من السيولة الخاصة بالبنك، وبينما تمتلك بعض المؤسسات والمصارف التركية نسبة 10.82% من حصص البنك التساهمية، يمنح البنك العامة ما نسبته 23.08% للاستثمار من خلال شراء حصص أو أوراق مساهمة.
الكويت ترك
أعقب تأسيس بنك البركة ترك افتتاح بنك الكويت ترك عام 1989، وذلك كفرع لبنك الكويت الوطني الذي يُعتبر أول بنك مصرفي في الكويت.
بلغ مجموع سيولة الكويت ترك الفاعلة ملياري و530 مليون ليرة، 0.6 مليار و176 مليون دولار، وتساهم مؤسسة الكويت التمويلية في سيولة البنك الفاعلة بنسبة 62% في السيولة الفاعلة، أما مؤسسة التأمين الاجتماعي الحكومية الكويتية فتملك 9 %، ويساويها بنك التنمية الإسلامية بنفس النسبة، وتشارك مديرية الأوقاف العامة التركية الحكومية بنسبة 18%، ويحظى الشركاء الآخرين بنسبة 2%.
وعلى العكس من بنك البركة لا يمنح بنك الكويت ترك المستثمرين والمواطنين فرصة المساهمة الاستثمارية في سيولته وأصوله النشطة، يقدم الكويت ترك خدماته للعملاء من خلال 290 فرعًا منتشرًا على مستوى تركيا، ببالغ 5500 موظف.
تشترك البنوك التشاركية الخاصة بشكل عام في خاصية تمويل المشاريع الفردية والتجارية الاستثمارية كتمويل مشاريع الإعمار والصناعة والزراعة والخدمات، بالإضافة إلى مشاريع المضاربة والمرابحة وعقود السلف والحسابات الجارية مع حسابات الودائع والبطاقات الائتمانية الشرائية وغيرها.
ويتميز بنك كويت ترك عن البنوك التشاركية الإسلامية الأخرى بحصوله على المرتبة الأولى في مجال صرافة الذهب، حيث يقبل الذهب من العملاء ويحاول استخدامها في مشاريع استثمارية يكون العميل على دراية بها ويدخلها بموافقة على الربح والخسارة، وبينما يحظى الكويت ترك بنسبة 55% بين البنوك الإسلامية من حيث صرافة الذهب، يستحوذ على نسبة 11% من مجموع صرافة الذهب التي تضم جميع البنوك المصرفية سواء التقليدية أو الإسلامية، كما ينشط الكويت ترك في عقود المضاربة والمرابحة، خاصة تلك المتعلقة بشراء المسكن أو السيارة، بشكل أكبر من البنوك الإسلامية الأخرى.
بنك آسيا
تم افتتاح مؤسسة آسيا التمويلية في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1996، وقد تم تغيير اسمها إلى بنك آسيا التشاركي بتاريخ 20 ديسمبر 2005، تعرض البنك لعدة إجراءات حكومية بدعوى تأسيسه من قبل جماعة غولن كمؤسسة تمويلية لأنشطتها في تركيا وخارجها، وقد تم إصدار قرار إيقاف مؤقت للبنك بتاريخ 18 يوليو 2016، أي بعيد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا بتاريخ 15 يوليو 2016.
بلغت أصول البنك قبل إغلاقه إلى 2.5 مليارات ليرة، 0.83 مليار دولار، ومع احتدام الصراع بين الحكومة وجماعة غولن، أعلنت عدد كبير من المؤسسات الحكومية، كوزارة التجارة والجمارك ومؤسسة التأمين الاجتماعي وإدارة الدخل وبنك زراعات وبورصة إسطنبول، وغير حكومية، كبعض البنوك المصرفية الخاصة، قطع علاقاتها التعاونية مع بنك آسيا مع سحب مساهمتها من البنك، كما عمل عدد كبير من المواطنين الأتراك على سحب نقودهم وبيع أوراقهم التساهمية خوفًا من الضرر المالي الذي قد يعود عليهم نتيجة تدهور الحالة الاقتصادية والإدارية للبنك.
قُدرت خسائر بنك آسيا جراء انقطاع تعاونه مع المؤسسات التمويلية الأخرى إلى جانب سحب العملاء أموالهم بـ 301 مليون ليرة، 100 مليون دولار، الأمر الذي أضر بالمشاريع التي كان يقوم بها.
قدرت فروع بنك آسيا بـ 201 فرع يعمل بها 2935 موظفًا، وتميز بمنحه فرصة استثمارية كبيرة للعملاء، حيث جعل 54.87% من مجموع أصوله مفتوحة أمام الراغبين في الأسهم الاستثمارية الخاصة بأصول البنك.
تركيا فينانس
تم تأسيس بنك تركيا فينانس التشاركي بتاريخ 28 ديسمبر 2005، وذلك بالتشارك بين مجموعتي بويداك ويلديز التجاريتين، ويختلف بنك تركيا فينانس عن بنك فينانس الذي يعمل وفقًا لنظام الفائدة، اشترى بنك ذا ناشونال كوميرشال السعودي 61% من حصة البنك بتاريخ 31 مارس 2008، وقد أصبحت حصة بنك ذا ناشونال به 67.03% بحلول عام 2015، وإلى جانب ذلك، ما زالت تمتلك بويداك ما قيمته 21.56%، بيد أن شركة أولكار أصبحت تمتلك ما نسبته 21.56%.
ينتشر تركيا فينانس على مستوى تركيا بشكل أكبر من البنوك الأخرى، حيث تبلغ أفرعه 285 فرعًا يعمل بها أكثر من 4000 موظف، وتبلغ سيولة البنك ما يقارب ملياري و600 مليون ليرة، 0.6 مليار و200 مليون دولار، وقد حاز البنك على مرتبة عالية بين الخمسة بنوك التركية الأكثر ثقة وفقًا للتصنيف الائتماني الخاص بوكالة فيتش، وقُدرت أرباح البنك لعام 2015 بـ 224 مليون ليرة، 76 مليون دولار أمريكي تقريبًا بسعر صرف يناير 2016.
بنك زراعات
لقد شكل افتتاح الحكومة التركية فرع تشاركي لبنك زراعات، بنك الدولة الرئيسي، بتاريخ 15 أكتوبر 2014 نقطة تحول محورية في سوق الأموال التركي، إذ اُعتبر أنه انعكاس واضح لقناعة حكومة حزب العدالة والتنمية بنجاعة الصيرفة الإسلامية وقدرتها الأكبر في تشجيع المواطنين على الاستثمار دون التعرض لخطر الفائدة المتنامية التي قد تظهر نتيجة التعامل مع المصارف الغير تشاركية.
تُقدر سيولة بنك زراعات بـ 747 مليون ليرة تركية، 249 مليون دولار أمريكي، وأسهمت الخزينة التركية بشكل شبه كامل بتمويل بنك زراعات، ويخصص بنك زراعات أعماله في التأمين الاجتماعي والتقاعد ومشاريع الأبحاث التكنولوجية والاستثمارات الحكومية والخاصة، وهذا ما يجعل المجال الاستثماري لبنك زراعات أوسع وأكثر ضمانًا من البنوك التشاركية الأخرى، وقد يعود ذلك إلى كونه البنك الرئيس للدولة التركية، ما زالت تبلغ أفرع البنك 21 فرعًا فقط، ولا تتوفر معلومات أكيدة حول عدد الموظفين بالبنك.
وقف بنك
وكخطوة تعزز اعتبار تأسيس بنك زراعات التشاركي انعكاس لقناعة الحكومة بنجاعة النظام التشاركي، عملت الحكومة التركية بتاريخ 27 فبراير 2015 على نشر قرار تأسيس بنك وقف التشاركي وفي يوم 17 فبراير 2016، ومنحت مؤسسة التنظيم والتدقيق المصرفي الحكومية الإذن لبنك وقف لفتح شعبه التشاركية.
تُقدر سيولته بـ 805 مليون ليرة، 268 مليون دولار، ويبلغ عدد أفرعه 30 فرعًا يعمل بها ما ينيف 500 موظف، يقاسم وقف بنك زراعات بنك في عدد من المجالات الاستثمارية ولكن يبقى زراعات بنك هو البنك الرئيس في ذلك.
هلق “خلق” بنك
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال حفل افتتاح وقف بنك، أن بلاده عازمة على افتتاح فرع تشاركي لبنك هلق بنك الحكومي، دون تحديد تاريخ محدد لموعد افتتاحه.
وأفادت مصادر مطلعة أن الحكومة تسعى لعرض مسودة افتتاحه على البرلمان، ومن المتوقع أن يتم افتتاحه قبل نهاية العام الحالي.
في الواقع تكتسب المؤسسات المصرفية ثقة أكبر في حين كانت مدعومة أو ممولة من قبل الدولة، ولكن في الحالة التركية يختلف الأمر، حيث إن الدستور التركي يمنع بمادته الرابعة والعشرين أي شكل من أشكال الأنظمة الاجتماعية أو الحقوقية أو السياسية أو الاجتماعية السائرة وفقًا للمعايير الدينية، الأمر الذي يترك توجسًا لدى المستثمرين المحلي والأجنبي حول إمكانية انهيار قطاع الصيرفة التشاركي أو الإسلامي التابع للدولة في حين لم يتغيّر الدستور الحالي أو في حين انتهت مدة حكم حكومة حزب العدالة والتنمية.
ربما نجاعة عقود الصيرفة الإسلامية التي تكفل الفائدة للبنك والمقترض أو المتعامل مع الشروط المرنة لهذه العقود ربما هما العاملان الأساسيان اللذان دفعا طيفًا من الدول الغربية وتركيا وعددِ من الدول لتطبيق النظام الإسلامي التشاركي.
تستحوذ البنوك التشاركية على ما نسبته 5% تقريبًا من مجموع السيولة المصرفية في تركيا، والتي بلغت 1 تريليون وملياري و272.5 مليون ليرة، 0.3 تريليون و0.6 مليار و90.8 مليون دولار تقريبًا، ويُتوقع أن تحول الحكومة التركية كمًا كبيرًا من معاملاتها الحكومية إلى البنوك التشاركية الحكومية، مما ينذر باحتمال تنامي الاستحواذ التشاركي على السيولة المصرفية في تركيا، وإلى جانب ذلك، افتتحت الحكومة التركية مركز إسطنبول التمويلي الذي تسعى تركيا من خلاله لتكون الأولى إقليميًا وفي قائمة الدول الثلاث والعشرين عالميًا من حيث الاستثمار التمويلي، ولعل تقسيم تركيا المعاملات التمويلية والمصرفية في المركز إلى تقليدية وتشاركية إسلامية، يساهم بشكل كبير في استقطاب السيولة الخليجية التي تبحث عن بديل لأمريكا غداة صدور قانون جاستا.