بدأت الازمة بتهديد رئيس الوزراء العراقي بإنهاء الاعتصام ورفع الخيام في محافظة الأنبار بالقوة وبهذا التهديد بدأت الأزمة السياسية في المحافظة وتوترت حدتها بين القادة والسياسيين في الحراك الشعبي والحكومة العراقية، ومع هذا الوعيد الذي تلاه اعتقال النائب في البرلمان العراقي أحمد العلواني بعملية عسكرية كبيرة قتل على إثرها أخاه علي العلواني، أثناء دفاعه عن أخيه في الاشتباكات التي حصلت بين الجيش العراقي وحماية العلواني، والذي كانت حصيلته ما يقارب خمسة عشر شخصا بين شهيد وجريح من أبناء محافظة الأنبار والذين كانوا يعملون ضمن أفراد حماية احمد العلواني أحد أبرز شيوخ عشيرة “البوعلوان” بمحافظة الأنبار .
و بعد كل هذه التطورات المتأزمة وبدعوى من شيوخ العشائر وعلماء الدين في العراق والمحافظة لأهالي الأنبار بأن ينتفضوا للدفاع عن محافظتهم، وعن ارواحهم وممتلكاتهم! كانت المحافظة قد تحولت وبغضون ساعات فقط الى ساحة معركة بين ابناء العشائر والجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية التي أرسلها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للأنبار في عملية عسكرية في الصحراء لمقاتلة الجماعات المسلحة فيها، والتي تحولت بعد هذه العملية لرفع خيام الاعتصام وإنهاء اعماله التي استمرت عاما كامل، عملية عسكرية جاءت بعد اتهام المالكي للمعتصمين باحتوائهم لجماعات مسلحة وايوائهم ضمن الخيام، اتهام ينفيه المعتصمين والمسؤولين عنه وتؤكده الحكومة العراقية، قوات المالكي والتي جاءت من مناطق ومحافظات العراق الجنوبية موكلا إليها رئيس الوزراء العراقي مهمة القضاء على المسلحين في الصحراء الواسعة في الأنبار، سرعان ما تحول الأمر إلى قتال بينهم وبين العشائر على خلفية اعتقال النائب أحمد العلواني و الذي ولد توترات كبيرة بين العشائر العراقية والحكومة .
ميدانيا وتزامنا مع التطورات الجارية على الأرض في الأنبار دعت العشائر العراقية أبناءها للتطوع في جيش العشائر ممن هم بعمر أربعة عشر عاما فما فوق وللانخراط في صفوفه دفاعا عن مدنهم ومحافظتهم! يذكر ان أكثر من سبعين عشيرة من العشائر تنضوي تحت مجلس العشائر المؤسسة لهذا الجيش. وخلال الأيام الماضية وما شهدته من معارك جاريه بين العشائر والجيش العراقي تكبد فيها الجيش العراقي خسائر كبيرة بحسب ما تقوله العشائر مستندة على أقوالها ببث صورا وأفلام عن المعارك التي دارت بينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة الى أسر عدد كبير من عناصر الجيش الحكومي وإكرامهم في مضايف العشائر وإطلاق سراحهم للرجوع على أهاليهم بملابس مدنية تاركين سلاحهم ومهمتهم الموكلة إليهم، من جانب آخر تعد الخسائر في جيش العشائر محدودة وقليلة مقارنة مع الجيش الحكومي حسب ما تقوله ذات المصادر عبر مواقعها وبيانتها .
أحداث وتطورات كثيرة، وسريعة أعقبت أعمال العنف والمواجهة بين الجيش والعشائر العراقية في الأنبار أبرزها؛ استقالة أربعة وأربعين نائبا من البرلمان العراقي، وكان هذا بعد فض اعتصام الأنبار، وإزالة خيم المعتصمين في ساحة العزة والكرامة بمدينة الرمادي، واصفين العملية السياسية في البلد بانها وصلت الى طريق مسدود في ضل هذا التصعيد العسكري ضد أبناء محافظة الأنبار .
قتاليا؛ مسلحي العشائر يخوضون معارك ضد ما يسمونهم بمليشيات الحكومة وقطاعات الجيش ويرفضون مساندة تنظيم داعش لهم، ويقولون في بياناتهم على أن ما يقومون به هو امتداد لثورة استمرت سنة كاملة ويرفضون أن تستخدم مسيرتهم الثورية لفصائل وتنظيمات اخرى، ويصل الأمر بين العشائر وتنظيم داعش أحيانا إلى أن تدور بينهم اشتباكات عنيفة في مناطق متفرقة بمدينة الرمادي لكي يمنعونهم من التدخل في مسار الثورة والانتفاضة حسب ما يقولون!. والجيش العراقي يقاتل داعش في كل مكان سواء كان خارج المدن أو داخلها، وبنفس الوقت يقاتل ويقصف المدن وحيث ما وجدت مقاومة له، حتى وإن كان القصف على بيوت سكنية ومدنين !
تدور المعارك في الأنبار بين قوات مختلفة التوجه، والانتماء، بل ومختلفة الغاية التي تجعل مصير الأيام القادمة مجهولة التفاصيل غريبة التصورات، وتشتد المعارك ضراوة مع استمرارها داخل الأحياء السكنية والمدن وما يزيد المعارك حدة وقساوة هو استخدام الجيش الحكومي للطائرات المروحية للقصف، إضافة إلى استخدام المدفعية للهدف ذاته في مناطق سكنية مبررا عمله بوجود عناصر من المقاتلين! ويكون نتاج القصف خسائر في أرواح المدنيين وجرح العديد من أهالي تلك المناطق !
انسانيا تولد المعارك وضعا مأساويا بسبب القصف الجوي لمدينة الفلوجة والرمادي، وهو ما اضطرت بسببه مئات العوائل للنزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى أكثر أمنا، وليس القصف هو السبب الوحيد للنزوح، فاستمرار الاشتباكات والمعارك في الأحياء السكنية بين جيش العشائر و الجيش العراقي مستمرة وتطورت إلى معارك أكثر ضراوة بين الجيشين ومسلحين من دولة العراق والشام الإسلامية والمعروفة باسم “داعش” وخصوصا في مدينة الفلوجة .
حصيلة المعارك من القتلى والجرحى في صفوف المقاتلين والمواطنين تتضارب ولا توجد إحصائية تفصل نتائج المعارك بصورة دقيقة فالمعارك ماتزال مستمرة وعلى أشدها بين ثلاثة أطراف؛ جيش العشائر، القوات الحكومية، ودولة العراق والشام الإسلامية. وسائل الإعلام التابعة لكل جهة من هؤلاء تنشر أعداد ونتائج المعارك الجارية دون نشر التفاصيل الكاملة لكل جهة ويكتفي البعض بإحصاء المدنيين ممن استشهدوا خلال الأيام الماضية وتبلغ اعدادهم العشرات من رجال، ونساء، وأطفال .
وعلى هامش الاحداث أثارت هذه التطورات ردود فعل محلية ودولية، وتبدي أكثر هذه الردود وتعبر عن قلقها إزاء الأحداث الجارية في المحافظة، وفي ذات الوقت يحملون الحكومة العراقية مسؤولية ما جرى وما يجري من تدهور خطير وكبير .
تاريخيا وفي السنين القليلة الماضية وللتعريف لمن لا يعرف الانبار، تعتبر محافظة الأنبار منطقة عشائرية وذات نخوة عربية اصيلة، وكانت في الأعوام الماضية معقل للمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وقد كبدت وبقوة أبناءها وخصوصا أبناء مدينة الفلوجة القوات الأمريكية خسائر فادحة، ناهيك عن مدن المحافظة الأخرى التي لا تقل شأنا عن الفلوجة، وتعرف بطيبة وكرم أهلها من العشائر المنتشرة في عموم مدنها وقرها .
وتأتي معارك الانبار بعد سنتين من الانسحاب الامريكي من العراق، ويبدوا المشهد العراقي وكأنه يسير نحو ما يتخوف منه الجميع وهو ما ابتدأ عليه قبل أعوام وتحديدا في عام 2006 ، وهو ما يطلق عليه هنا “بالعودة للمربع الأول” من الفوضى والعنف وسفك الدماء حيث مر العراق حينها بمنعطف طائفي كبير، ففي ذلك العام تدهورت العلاقات بين الطائفتين سنة وشيعة إلى حد كبير وشهد الوضع القائم عليه حينذاك حربا ساخنة بين رجال الدين والسياسة والتي تمثلت بالقتل والعنف بين أبناء البلد الواحد!
سنتين مرت بكل ما فيها من محطات مختلفة مؤثرة سلبا وإيجابا على حياة المواطن العراقي، كانت هاتين السنتين قد خلت بسياسة تعاني من مشاكل في أغلب محطاتها، فمرت بمنعطفات ومجازفات كثيرة على حساب الشعب العراقي، وأدخلته في أحلك الظروف، وأصعب المواقف منذ عقد من الزمن!، وبعد سنتين على انسحاب القوات الأمريكية من العراق والتي خسرت فيها ثلث قواتها قتلا في الأنبار حسب ما تقوله صحيفة الواشنطن بوست. الأنبار المحافظة العراقية ذات المساحة الأكبر على مستوى العراق والتي تضم في جنبات مدنها عشائر عربية أصيلة يعود تاريخها إلى آلاف السنين بعمق الزمن، مرت بتجارب عسكرية وقتالية كبيرة قبل وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فمدينة الفلوجة أو مدينة المساجد كما يحلو لأهالي الأنبار تسميتها نسبة لما تمتلكه من مساجد وجوامع منتشرة في أنحاء المدينة يصل تعدادها إلى أكثر من خمسمائة وخمسين مسجدا موزعة في الأحياء والأزقة والشوارع، هذه المدينة التي شهدت معارك قوية ضد المحتل الأمريكي، وكان أبرزها معركتين قويتين استمرت لأشهر وكان هدفها إخماد المقاومة فيها دونما فائدة، فبقيت هذه المدينة عصية على القوات الأمريكية وتكبد فيها المحتل أقسى الخسائر وأكثرها .
وفي الذكرى الثانية لانسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وهو ما يطلق عليه هنا رسميا في العراق؛ “يوم العراق” والذي يمثل يوما للاحتفال بسيادة الوطن وتحريره! تعيش الفلوجة ومدينة الرمادي ومنذ قرابة الأسبوع حربا ومعارك واسعة بين مقاتلين من جهات عدة! تتمركز المعارك وتتمحور على مناحي عدة ولكل جيش أو تنظيم غايته وهدفه! فجيش العشائر في غايته طرد المليشيات الحكومية وقوات سوات، إضافة الى قطاعات الجيش العراقي من المناطق السكنية بسبب الاعتداء الأخير على عشيرة البو علوان، واعتقال أبرز شيوخها أحمد العلواني النائب في البرلمان العراقي وإعدام أخيه، إضافة إلى احتجاجهم وغضبهم المتولد من فض وإزالة خيام ساحة الاعتصام في الرمادي غرب العراق فلهذا السبب ومن هذا المنطلق تشكل جيش العشائر وبدأت معاركه منذ أيام، أما عن مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” فغايتهم وحسب ما يرى محللون هي السيطرة والنفوذ في مناطق الأنبار وأبرزها مدينتي الفلوجة والرمادي ذات الأغلبية السنية من ساكنيها ولما تحمله من قوة استراتيجية ودينية. وبخصوص القوات الحكومية من الجيش العراقي، إضافة إلى ما يطلق عليه بتسمية تعرف هنا “مليشيات الحكومة العراقية” من قوات سوات، والشرطة الاتحادية القادمة من جنوب العراق لمقاتلة المسلحين في صحراء الأنبار المعروفين بتنظيم “داعش”!، والتي سرعان ما تحولت الأوامر لها للقتال داخل المدن مصطحبة معها أنواع الأسلحة والمعدات الحربية وصولا إلى الطائرات والقصف الجوي والمدفعي، وتقاتل هذه القوات مسلحي العشائر، وتدور بينها وبين “داعش” معارك في وسط المدن أحيانا .
الوضع وبصورة عامة في المحافظة يتطور بسرعة كبيرة مخلفا احتمالات كبيرة وكثيرة في ذات الوقت، تختلف الاحتمالات والتوقعات من شخصية سياسية لأخرى، ومن شيخ عشيرة الى آخر، ومن نظرة عالم دين لأخر، فهناك من ينظر الى الوضع نظرة تشاؤم كبيرة ويبني على نظرته أدلة ووقائع من ما تقوم به الحكومة العراقية من اعمال تجاه المدن العراقية، وهناك من ينظر على أنها محنة اخرى من محن الشعب العراقي قد يشيب وليدها من سفك الدماء وأعمال العنف، إلا أنها ستحل على تفاهم بين الأطراف ولو بصورة سياسية وخصوصا أن العراق يعيش أيام مقبلة على فترة انتخابية حاسمة بين الساسة والأحزاب، وهو الوقت الذي يستعرض فيه الساسة قوتهم وبأي صورة كانت غير مبالين بثمن ما يقدمونه تجاهها، حتى ولو كان ذلك الثمن أبناء بلدهم وأهليهم !