تشكل معركة المصطلحات اليوم جزءًا من المعركة الثقافية التي يخوضها الإسلام في مواجهة الإعلام العالمي المغذّي لروح التعصّب والحقد المقدس نحو الإسلام دينًا وحضارةً ومنهجًا في الحياة.
وإذ ساهمت بعض الجماعات الإسلامية في تغذية صورة الإسلام الغاضب عبر ملامح أفرادها وتصريحات قياداتها وفتاوى شيوخها، فإنها وفرت صورة نمطية للإعلام الغربي، ووسمت الإسلام بميسم الإرهاب والعنف والقوة، وفي المقابل لم تنجح الجماعات الإسلامية العاملة في المجال الخيري والسياسي السلمي والنشاط التنموي في ترويج صورة للإسلام الرحيم الذي يبشر بقيم العدالة والتنمية والتضامن والأخوّة.
إن مفهوم الإسلام الرّحيم يقتضي منا الوقوف عند مقولات مركزية أساسها:
1- العلاقات التراحمية
يمثل هذا المفهوم الذي اقترحه الدكتور عبد الوهاب المسيري بديلاً عن العلاقات التعاقدية التي تنسج خيوطها حول الميثاق الإداري الرسمي والتراتبية التفاضلية سواء كانت علمية أو عمرية أو مؤسساتية، ففي العلاقات التراحمية ينصهر الجميع تحت راية الأخوة الإسلامية والإنسانية تفاعلاً بين الصغير والكبير والزعيم السياسي والديني والعضو القاعدي على مبدأ التناصح والترابط الوجداني والعائلي والأخوي.
2- التدافع الرحيم
يمثل منطق التدافع قاعدة للفاعلية الإنسانية وموجهًا أساسيًا لنشاط الجماعة الإسلامية الرحيمة، إذ يحكمها منطق التشارك والتواصل مع الآخر دون الانصهار في الآخر أو إلغاء الذات وذوبانها، إذ يقتضي منطق العلاقات الإنسانية المشاركة في الحكم والتناصح في المجال الاقتصادي والتخطيط الاستراتيجي الواعي بمتغيرات الخارطة السياسية، بما يحقق مبدأ التعارف الإنساني والاعتراف السياسي والتعرّف الفكري “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”.
المناشط التراحمية
خلافًا للإسلام الغاضب الذي يختزل فعالياته في المنشط الجهادي والأفعال القتالية الحربية، فإنّ الإسلام الرحيم يدور في فلك الأنشطة الإنسانية والسياسية والاقتصادية ذات المردود الاجتماعي المباشر بما يعود على المجتمع بمختلف فئاته بالخير والنفع، إذ تمثل قيم الرحمة والتضامن والتعاون رافدًا أساسيًا تنبع منه الأعمال التراحمية، بما هي مساعدة للمحتاجين وإغاثة للمنكوبين ومشاركة في برامج التنمية والعدالة الاجتماعية الناجعة.
التراحم السياسي
تمثل المشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع سبيلاً ونموذجًا لترسيخ قيم الإسلام السمحاء ومبادئه، عبر مسلك التشريعات والمشاريع الاقتصادية الكبرى التي تستمد نجاعتها من قيم الإسلام وقوانينه الرحيمة، إحياءً لمناشط الزكاة والأوقاف والاقتصاد التضامني، وتمتين الترابط بين الدولة والمجتمع، حيث يساهم المجتمع بمختلف فئاته في التنمية والمشاريع المدنية في السلم والحرب وعند الرخاء والأزمات.
التراحم الاجتماعي
يمثل منطق العيش المشترك والقبول بالآخر الفكري والديني والسياسي في سياق قيم المواطنة والأخوة والكونية ضمانًا للاعتراف بالاختلاف، ومحاصرة الممارسة العنصرية والاستعمارية والاستغلال الطبقي والتناحر الطائفي والصراع العرقي، ذلك أنّ عالمية الإسلام مدخل للانفتاح على شعوب العالم والتفاعل مع عاداتها والاستجابة لحاجاتها بمراعاة خصوصياتها الحضارية وتمايزها الأيديولوجي، بقدر ما يكون ذلك التفاعل مع المغاير داخليًا من العلمانيين والملحدين واللادينيين.
إن خلاصة الإسلام الرحيم أنّه تصوّر متفاعل مع مقاصد الإسلام العامة رحمة ومحبة وقيمًا أخلاقية عامة لا تلغي منطق التدافع والتناصح من أجل نصرة المظلومين والدفاع عن حق الشعوب في الحرية والاستقلال، وحق المسلمين في الكرامة وممارسة شعائرهم ومبادئ دينهم منهجًا في الحياة والمجتمع، والوجود بكل حرية واستقلالية وعدالة.
هذا المقال جاء ردًا على مقال نُشر أمس بعنوان: الإسلام الغاضب