الطلاق في تونس.. ناقوس الخطر يدوي فهل من مجيب

hlt-tlq-gryb

ارتفعت أصوات الجميع و هم يتحدثون بصخب عن الإحصائيات المتعلقة بنسب الطلاق المرتفعة في تونس و التي باتت تدق ناقوس الخطر حيث تصدرت طليعة الدول العربية في نسب الطلاق و المركز الرابع عالميا  و هو ما يعكس جانب من أسلوب عيش و تفكير يشوبه شيء من الإنحراف فيما يتعلق باختيار شريك الحياة و فهم الأفراد للمسؤوليات المنوطة بعهدتهم داخل المؤسسة الزوجية و غياب المرونة و الحنكة  في التعامل مع الظغوطات التي أرخت بسدولها على مختلف جوانب الحياة

كثيرا ما يؤسفني ارتباط بعض الأشخاص بمن هم أقل منهم فكريا و تعليميا و خصوصا عندما لا تتجانس الإهتمامات فنجد رجل مثقف متعلم و كادر مرموق متزوج من امرأة لم يرفعها سوى كعبها العالي و ليس لها هدف غير تمثيل دور امرأة المجتمع الراقي فتراهى تنفق وقتها في التبضع و اقتناء ما تتباهى به أمام المجتمع و لو لم تتعثر يوما بأحد الكتب الملقات أرضا لَمَا أدركت  أن بيتها يحوي كنوز من المعارف التي استبدلتها بصالونات القيافة و التجميل و أروقة المتاجر و المحال الفخمة.

جميل أن تهتم الأنثى بأمور الجمال و الصحة و آخر صيحات الموضة و الديكور لكن دون هوس و دون افراط و دون أن يكون على حساب جوانب أخرى مثل الفكر و الثقافة و تنمية الوعي بالرهانات المستحدثة و عدم التماهي في دوامة الإستهلاك و المظاهاة.

لست أدري على الإطلاق لما يفضل هؤولاء الإرتباط بمن لا يشاركونهم اهتماماتهم و انشغالاتهم و انفعالاتهم لست أدري ماذا سيكون محتوى الحوارات الدائرة بين الطرفين و كم من خيبة أمل حدثت عندما لم يعبأ أحدهما بقلق الطرف الأخر بشأن مسألة تؤرقه, لست أعلم كم تصادمت اختياراتهم و من كان مجبر على التنازل عندما لم يكن بد إلا من اختيار واحد قد تتعدد الأسئلة حول التأقلم و الإنسجام في هذه الحال ومدى استمرار و نجاح مثل هكذا علاقة بين شخصين على طرفي نقيض أُعجب أحدهما بالمكانة الإجتماعية و العلمية للأخر بينما بحث الثاني عن عنصر الأُبهة و الجمال و التباهي قد لا أبالغ عندما أقول أن من الصواب تذليل الفوارق أيا كان نوعها تمهيدا لحياة لا تسودها المشاحنات و الإستماتة في  الدفاع عن أشياء لا تُعتبر ذات أهمية لدى النصف الثاني إذ لا يوليها أي إهتمام بإعتبارها تطوف خارج فلك أولوياته.

و من الأسباب المفسرة لفشل الزواج عدم الإلتزام بالإتفاقات و الوعود التي ابرمت فترة الخطوبة و قد تحمل كلمة أُبرمت معنى رسمي بيد أن الميثاق الغليظ الذي يربط المرأة بالرجل هو من أوثق و أغلظ المواثيق و أشدها إحكاما فلا شك أن تقاعس الرجل عن مساعدة زوجته في أعمال المنزل و هي التي تعمل خارجه كامل اليوم  سيثقل كاهلها و يدفعها إلى التذمر و الإشمئزاز خاصة إذا ما عوتبت أو وجهت إليها أصابع الإتهام فيما يتعلق بالتقصير تجاه أسرتها

و الأمثلة على ما يمكن أن يهدد العلاقة الزوجية من توتر و ربما يدفعها نحو طريق مسدود هو كأن يقضي الزوج أو الزوجة قسط كبير من اليوم خارج البيت إما بدافع العمل أو مع الأصدقاء ثم يرجع إلى البيت طلبا للراحة فيصطدم بالطرف الأخر الذي يطالبه بالإهتمام به و مشاركته بعض من مشاغله و عندما تكون صيغة المطالبة عنيفة أو يشوبها الكثير من الإزدراء أو عندما يُشعر أحدهما الأخر أنه الأفضل يسقطان تدريجيا  في متاهة التنافر و النكد و تتبع زلات الأخر و المراء عبر الطعن في كلام الطرف الأخر قصد الإستهزاء به و كي لا يصبح العش الزوجي باليا يعاني الوهن كان من الأجدى التحري في اختيار شريك الحياة على أساس القيم التي يتبناها أحدنا و درجة النضج التي يتحلى بها الأخر.

ونقاط الإشتراك التي تجمع القادمين على الزواج و جدير بالذكر ما أقدم عليه زعيم النهضة الماليزية مهاتير محمد و الذي أحدث قفزة عملاقة حتى أضحت بلاده في مصاف الدول المتحضرة فقد عالج ظاهرة الطلاق التي تفشت بشكل واسع النطاق آن ذاك و التي كانت تمثل نسبة 32 بالمائة و هو ما يعني اثنين و ثلاثين حالة طلاق لكل مائة زواج فآلاها اهتمام كبير حيث فُرض نظام لكل مقبل و مقبلة على الزواج يُمنحون بموجبه إجازة لمدة شهر يعفون فيها من العمل ليأخذوا فيها دورات عن كيفية التعامل مع الشريك و كيفية التصرف مع المشاكل التي قد تنشب و تعتبر رخصة الزواج ملزمة لكل مقبل عليه مثلها مثل رخصة القيادة حيث يحصل عليه الطرفين حين يجتازان الإمتحانات بنجاح عقب التدريب في مراكز الإصلاح الأسري التي كُرست لإعداد العازمين على دخول القفص الذهبي لمعترك الحياة الزوجية  

تعد هذه المقاربة جد عملية و ذات نتائج باهرة و هي ما ساعد ماليزيا على أن يكون لها أخفض نسبة طلاق في العالم 7 بالمائة و هو يعتبر تبني مثل هكذا نظام مساهمة في تحقيق السلم الإجتماعي و التوازن الأُسري مما سيدفع مما لا شك فيه بعجلة التنمية و يحمي المجتمع من الوقوع تحت أنقاض الخلافات الأسرية والتشتت العائلي لذلك ندعو كافة الأطراف المعنية من مجتمع مدني و حكومة للتحرك بشأن هذا الغرض عبر الحض على بناء و استحداث استراتيجيا تحمي الأُسرة من قبل تكونها حرصا على تفادي النتائج الوخيمة الناجمة عن أخطاء كان بالإمكان تلافيها لو وجدت توصيات و سياسة واضحة لحماية ووقاية اللبنة الأولى للمجتمع من أبغض الحلال عند الله.