سياسي مصلحي لا أخلاقي لا حدود لما يمكن أن يفعله ليحقق نجاحه الشخصي، وزوجته ذات الوجوه المتعددة التي تدير أعمالًا خيرية لخدمة مصالحها ومصالح زوجها ليصعد في السلم السياسي وصولًا إلى البيت الأبيض. هذه هي الصورة الأمثل للسياسات الأمريكية في أعين الإيرانيين، تمامًا كما يصورها مسلسل بيت من ورق House of Cards، الذي بدأ عرضه مؤخرًا يوميًا على محطة تلفزيونية إيرانية حكومية. يبدو توقيت عرض المسلسل مدروسًا وموجهًا من قبل القيادة الإيرانية العليا كما ترى روبن رايت الكاتبة في مجلة نيويوركر، بالنظر إلى أن إيران تُخضع البرامج الأمريكية لرقابة شديدة وإلى أن إدارة “إذاعة جمهورية إيران الإسلامية” IRIB معينة مباشرة من المرشد الأعلى.
أثار المسلسل ابتهاج المتشددين الإيرانيين حسب رايت، فهو يوافق تمامًا نظرتهم إلى الولايات المتحدة الشيطان الأكبر. ووصف موقع مشرق الإخباري المرتبط بالحرس الثوري الإيراني المسلسل بأنه “يُصور بمهارة خداع المشهد السياسي المعقد للحضارة الأمريكية الليبرالية، كما يظهر الخيانة ونهم السلطة والرذيلة والجريمة التي تحدث بين النخبة الحاكمة في البلاد”.
يرى فؤاد إزادي المحلل السياسي الأستاذ في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران أن مشاهدة العملية الانتخابية الأمريكية وسلوكات السياسيين الأمريكان تجاه بعضهم ونظرتهم إلى إيران والشرق الأوسط هو أمر يهم الإيرانيين. ويضيف أن من يحمل وجهة نظر سلبية من مشاهدي مسلسل بيت من ورق تجاه السياسيين الأمريكان ستتعزز لديه هذه النظرة التي يقدمها المسلسل، وبالتالي يُدرك المشاهدون أن العملية السياسية الأمريكية هي على الأقل بنفس القدر من تعقيد العملية السياسية في إيران.
متابعة انتخابات الرئاسة الأمريكية فاقت متابعة السباق الرئاسي الإيراني القادم
سادت حالة من الهوس بالانتخابات الأمريكية الحالية الإعلام الإيراني، وصفتها رايت بأنها فاقت متابعة انتخابات الرئاسة الإيرانية ذاتها التي ستعقد في 19 مايو المُقبل، وقد خصص موقع مشرق صفحة كاملة لها. ولأول مرة في التاريخ، عرض التلفزيون الإيراني في ٩ أكتوبر الجاري المناظرة الرئاسية الأمريكية في بث حي ومباشر، التي أنكر فيها دونالد ترامب اتهامات التحرش الجنسي الموجهة له وهدّد فيها بحبس هيلاري كلينتون إذا فاز بالرئاسة.
ووصلت متابعة الانتخابات إلى ذروتها بتعليق المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي عليها في تغريدة له قال فيها: “إن السباق الرئاسي الأمريكي والمسائل التي يطرحها المرشحان تُظهر نتيجة نموذجية لقلة الروحانية والإيمان بين هذه القوى”.
US presidential race & issues two candidates raised is a typical result of lack of spirituality & faith among those in power. #debate
— Khamenei.ir (@khamenei_ir) October 19, 2016
يرى إزادي أن السلطات الإيرانية سمحت ببث المناظرة الرئاسية للسبب نفسه الذي سمحت فيه ببث مسلسل بيت من ورق وهو أن الإيرانيين يرون أن كلًا من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون مخادعان وفاسدان ومتلاعبان ومتورطان في سلوكات غير أخلاقية في حياتهما الشخصية والسياسية. تمتلئ الصفحات الأولى للصحف الإيرانية في هذه الأيام بالرسومات الساخرة من هيلاري وترامب التي تتناول اتهاماتهما الدونية لبعضهما. وقد ملأت قصة فضيحة الفيديو المسرب لترامب الصفحات الأولى لتسع عشرة صحيفة إيرانية.
ترامب محق وهيلاري لن تغير شيئًا
لاقى ادّعاء ترامب مؤخرًا بأن الانتخابات الأمريكية ستتعرض للتزوير آذانًا صاغية لدى بعض وسائل الإعلام الإيرانية، وقد جاءت هذه التغطية في سياق انتقامي لدى هذه الوسائل. ففي عام 2009، شابت الانتخابات التي أعيد فيها انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسًا للجمهورية مزاعم واسعة بوجود حالات تزوير. شكّلت مظاهرات الحركة الخضراء في ذلك العام التحدي الأكبر والأكثر إثارة للجدل للنظام الإيراني منذ الثورة في عام 1979. خرج الملايين إلى الشوارع في أنحاء البلاد، في ثورة دامت ست شهور لعبت فيها شبكات التواصل الاجتماعي دورًا أساسًا.
أنكر المرشد الأعلى تزوير الانتخابات في ذلك الحين، واتّهم عملاء أجانب بإطلاق ثورة مخملية للإطاحة بالنظام، مستشهدًا بتصريح لهيلاري كلينتون التي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية في حينها، دعت فيه إلى مساعدة الناشطين في الوصول إلى الإنترنت ومشاركة المعلومات من خلال الهواتف المحمولة ليتمكنوا من التواصل والتنسيق فيما بينهم. قالت كلينتون: “نشر الآلاف من المتظاهرين الإيرانيين من خلال كاميرات الهاتف المحمول وموقع فيسبوك مطالبهم وحقوقهم المهضومة، وأحدثوا سابقة للعالم كله سيراها العالم كله بما في ذلك قادة إيران”. وأعلنت كلينتون في ذلك الحين إنشاء وحدة خاصة في وزارة الخارجية لاستخدام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين في تسيير أمور الوزارة.
تُصوَّر كلينتون في طهران اليوم على أنها خيار مطمئن ومربك في الوقت نفسه. فانتخابها سيؤكد استمرارية الاتفاق النووي، خاصة بعد تصريحها في جامعة جورج تاون “عرضنا التفاوض المباشر مع الحكومة حول القضايا النووية”، لكنها عبرت كذلك عن تضامنها مع المكافحين من أجل التغيير الديمقراطي بداخل إيران، الأمر الذي يخيف النظام الإيراني ويغضبه في الوقت نفسه. أما ترامب، فقد اتفقت منصات الإعلام الإصلاحية والمتشددة على إظهاره بصورة مهرج، وامتلأت شاشاتها وصفحاتها بالرسوم الساخرة من بشرته البرتقالية تماما كما هو الأمر في الإعلام الليبرالي الأمريكي.
الاتفاق النووي هو الأهم
تهتم إيران في الواقع بمصير خطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بالاتفاق النووي بعد الانتخابات الأمريكية. يقول إزادي إن الرئيس الأمريكي هو الذي يقرر إلغاء العقوبات الإيرانية الآن وفي المستقبل، مشيرًا إلى أن سياسيين إيرانيين في الحكومة من الوسطيين والمتشددين يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تفي بشروط خطة العمل المشتركة، وهم لذلك لا يتوقعون أي فوائد اقتصادية للاتفاقية، الأمر الذي يصفونه بأنه خدعة أخرى للسياسيين الأمريكان.
نشرت وكالة تسنيم المرتبطة بالحرس الثوري رسمًا ساخرًا يصور كلينتون فاغرة فمها، كُتِب تحته “كلينتون تقول إن الولايات المتحدة سترد بشدة إذا خرقت إيران الاتفاق النووي”، كان تحت فمها ورق تنظيف يدل على أن ما تتكلمه ليس أكثر من هراء. ولم يلق تعهد ترامب المبدئي بإعادة التفاوض مع إيران بشأن الصفقة النووية دعمًا بين المتشددين الذين عارضوا المسعى الدبلوماسي والتسويات مع العالم الخارجي وخاصة الولايات المتحدة. وأثناء الانتخابات التمهيدية في ربيع العام الجاري، صرح رئيس تحرير صحيفة كايهان الإيرانية لوكالة محلية بأن “الخطة الأكثر حكمة لترامب المجنون هي تمزيق الاتفاق النووي”.