تماشيًا مع القفزة النوعية الهائلة التي تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة أطوارها التصاعدية منذ بدايات القرن الـ 21، لا يبدو غريبًا أن نجد الرياضة الإماراتية وقد نالت حظها من الارتقاء والتطور، في البلد الذي يتبوأ أعلى المراتب العالمية في مؤشرات النمو الاقتصادي، وما الفعاليات الرياضية القارية والعالمية التي دأبت ربوع الإمارات العربية الـ 7 على احتضانها، إلا دليلًا على امتلاكها البنى التحتية اللازمة لتطور أي رياضة، من ملاعب التنس والاسكواش والجولف والكريكيت، إلى مضامير الفروسية وألعاب القوى وسباقات السيارات، إلى حلبات الألعاب القتالية وأحواض الرياضات المائية، إلى صالات وملاعب ألعاب الكرات بمختلف أنواعها، وصولًا إلى كرة القدم، التي لطالما أولتها السلطات في البلاد اهتمامًا يليق بمكانتها كرياضةٍ شعبيةٍ عالميةٍ أولى، فشيدت أفضل الملاعب، وهيأت أحدث المعدات، وأحضرت أمهر المدربين والفنيين، في سبيل دعم كرة القدم الإماراتية، التي – وإن كانت استجابتها بطيئةً نسبيًا – إلا أنها ماضيةٌ بثباتٍ في مسيرتها التصاعدية، سعيًا نحو بلوغ آفاقٍ جديدةٍ تتناسب مع الدعم المطلق الذي تحظى به.
وفي مقالنا التالي، سنسلط الضوء على أبرز مراحل تطور الكرة الإماراتية، التي سجلت قفزاتٍ نوعيةً على مدى السنوات القليلة الماضية، سواءً على صعيد أنديتها التي أصبحت رقمًا صعبًا ومنافسًا دائمًا في البطولات القارية، أو منتخبها الذي أصبح ضمن صفوة منتخبات القارة الصفراء، أو لاعبيها الذين أصبح تواجدهم معتادًا ضمن جوائز أفضل لاعبي القارة.
نادي العين حامل لقب دوري أبطال آسيا لعام 2003
ونبدأ حديثنا من أندية الدوري الإماراتي، والذي انطلق لأول مرةٍ عام 1973، ويحمل نادي العين الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بلقبه برصيد 12 مرة، يليه كل من الوصل وأهلي دبي برصيد 7 ألقابٍ لكل منهما، علمًا بأن السنوات الـ 5 الماضية، شهدت سيطرةً مطلقةً لناديي العين والأهلي على ألقاب الدوري الإماراتي، حيث أحرز العين ثلاثةً منها، مقابل اثنين للأهلي، الذي أحرز لقب الموسم الماضي.
ولم يكن للأندية الإماراتية أية إنجازاتٍ تُذكر على الصعيد القاري قبل عام 2003، فبلوغ نصف نهائي دوري أبطال آسيا بشكله القديم، أقصى طموحات الأندية الإمارتية، وقد نجحت بذلك أندية: الشباب عام 1992، والوصل عام 1993، والعين عام 1999، إضافةً لبلوغ نادي الشعب نهائي بطولة الأندية أبطال الكؤوس عام 1995، حيث خسر أمام يوكوهاما الياباني، علمًا بأن البطولة المذكورة توقفت تمامًا عام 2002، بعد دمجها مع بطولة دوري أبطال آسيا.
وفي العام المذكور، استطاع نادي العين تسجيل اسم الإمارات ضمن سجلات الفائزين بلقب دوري أبطال آسيا، وذلك في نسخته الأولى بالشكل الجديد موسم 2002-2003، بعد فوزه على نادي تيروساسانا التايلندي بنتيجة 2-1في مجموع لقائي النهائي، ليبقى ذلك اللقب الغالي، هو الإنجاز الوحيد للأندية الإماراتية على الصعيد القاري حتى الآن، رغم المحاولات الدؤوبة لتكراره خلال السنوات التالية، حيث بلغ العين نهائي المسابقة ذاتها عام 2005، ولكنه خسر أمام شقيقه الاتحاد السعودي، كما بلغ الوحدة نصف نهائي المسابقة عام 2007، وعاد العين لبلوغ نصف النهائي عام 2014، قبل أن ينجح أهلي دبي في بلوغ نهائي العام الماضي، الذي خسره بصعوبةٍ أمام نادي جوانجزو إيفرغراند الصيني.
وفي نسخة العام الحالي من دوري أبطال آسيا، تابعت الأندية الإمارتية تألقها، حيث استطاع ناديا العين والنصر بلوغ ربع نهائي المسابقة، وتابع العين طريقه نحو النهائي بكل جدارة، بعد أن أقصى كلا من لوكموتيف طشقند الأوزبكي والجيش القطري، ليضرب موعدًا مع جيونبوك هيونداي الكوري الجنوبي في النهائي، الذي ستقام مباراة ذهابه في مدينة جيونجو الكورية يوم 19 نوفمبر القادم، فيما يستضيف استاد بن زايد بالعين مباراة الإياب يوم 26 نوفمبر، على أمل تحقيق انتصارٍ إماراتي طال انتظاره.
المنتخب الإماراتي في مونديال إيطاليا 1990
وننتقل للحديث عن المنتخب الإماراتي الأول، والذي يذكر التاريخ بأنه خاض أول مباراةٍ دوليةٍ له يوم 17 مارس عام 1972 في الرياض، وانتهت بفوزه على شقيقه القطري بهدفٍ نظيف، وذلك ضمن فعاليات بطولة كأس الخليج، التي واظب الأبيض على المشاركة في جميع نسخها التالية، فيما لم تسنح له فرصة المشاركة في البطولات الكبرى حتى عام 1980، حيث كان تأهله الأول إلى بطولة أمم آسيا بالكويت، وبعدها شارك لأول مرةٍ في تصفيات كؤوس العالم، حيث خاض تصفيات مونديال عام 1986 دون أن يتمكن من تجاوزها.
وفي مشاركتهم الثانية ضمن تصفيات كؤوس العالم، نجح أبناء الإمارات تحت قيادة المدرب البرازيلي ماريو زاغالو، في تحقيق إنجازهم العالمي الأول والأخير، ببلوغهم نهائيات كأس العالم التي أقيمت في إيطاليا عام 1990، والتي أثر عليهم خلالها بشدةٍ استقالة زاغالو قبيل بدء البطولة، رغم الاستعانة بخدمات مواطنه كارلوس ألبيرتو بيريرا، الذي فشل في إيجاد التوليفة الملائمة للصمود في وجه منتخبات مجموعته القوية، فخسر أمام كولومبيا بهدفين نظيفين، ثم أمام ألمانيا بنتيجة 1-5، قبل أن يودع المونديال بخسارة ثالثةٍ أمام يوغسلافيا بنتيجة 1-4.
وشهدت سنوات التسعينات استمرار تطور المنتخب الأبيض، حيث بلغ نصف نهائي بطولة أمم آسيا التي أقيمت عام 1992 في اليابان، وخسر أمام شقيقه السعودي بنتيجة 0-2، قبل أن يلامس (عيال زايد) أطراف المجد الآسيوي، في البطولة التالية التي استضافتها ربوع الإمارات عام 1996، وذلك ببلوغهم المباراة النهائية للمرة الأولى والوحيدة في تاريخهم، ولكن هزيمتهم أمام الشقيق السعودي بركلات الحظ الترجيحية، حالت دون تحقيق حلم التتويج، ولكنها فتحت الباب لهم من أجل مشاركةٍ تاريخيةٍ في بطولة كأس القارات، التي استضافتها السعودية عام 1997، حين سجل الأبيض حضوره بفوزٍ معنوي ثمينٍ جاء على حساب منتخب جنوب أفريقيا، ولكنه لم يكن كافيًا لعبور دور المجموعات، لأنه جاء بعد خسارتين أمام كل من الأورغواي والتشيك.
الإماراتيون يحتفلون بفوزهم بكأس الخليج العربي عام 2013
وكان الأبيض الإماراتي على أعتاب إنجازٍ جديدٍ خلال تصفيات كأس العالم 2002، عندما اقترب بشدّةٍ من بلوغ المونديال العالمي للمرّة الثانية في تاريخه، ولكنّ خسارته مواجهتي الملحق المؤهّل أمام نظيره الإيراني، حالت دون اكتمال الإنجاز، ليتابع (عيال زايد) محاولاتهم الحثيثة في سبيل إحراز الألقاب، حيث كان لهم ما أرادوا عام 2007، حين تمكّنوا من إحراز لقب كأس الخليج العربيّ، في النسخة التي استضافتها ربوع الإمارات، وفازوا في نهائيّها على شقيقهم العُماني بهدفٍ نظيف.
وشهدت السنوات التالية تحقيق بعض النجاحات على صعيد منتخبات الفئات السّنيّة، حيث تُوّج المنتخب الإماراتي الشّاب عام 2008، بلقب بطولة آسيا للشّباب (دون 21 عامًا)، ونجح المنتخب الأولمبي (دون 23 عامًا) في إحراز فضّية دورة الألعاب الآسيويّة في بكين عام 2010، قبل أن يتمكّن المنتخب ذاته من بلوغ الأولمبياد للمرّة الأولى في تاريخ البلاد، وذلك خلال دورة لندن عام 2012.
المنتخب الإماراتي ثالث أمم آسيا 2015
ويبدو أنّ الاهتمام بقطّاعات الشّباب والناشئين في الكرة الإماراتيّة قد آتى أكله، حيث استطاع الجيل الصاعد نقل النّجاح إلى المنتخب الإماراتيّ الأوّل، بتتويجه بلقب كأس الخليج للمرّة الثانيّة في تاريخه، وذلك عام 2013 في البحرين، بعد فوزه في النهائي على العراق بنتيجة 2-1 بعد التمديد، قبل أن يأتي موعد التألّق القارّي في كأس أمم آسيا الماضية، التي أقيمت في أستراليا عام 2015، حيث استطاع (عيال زايد) بلوغ الدّور نصف النّهائي، بعد أن عطّلوا الكومبيوتر اليابانيّ في ربع النهائي، قبل أن يخسروا أمام المضيف الأسترالي بهدفين نظيفين، ويختتموا مبارياتهم بالفوز على الشقيق العراقي، ليظفروا بالمركز الثالث، ويظفروا معه بإشادة وتصفيق كلّ من تابع أداءهم المتطوّر الجذّاب خلال البطولة.
وخلال التصفيات الحاليّة لبطولة كأس العالم القادمة في روسيا 2018، بلغ المنتخب الأبيض كعادته الدّور الثالث الحاسم من التصفيات، حيث يحتلّ حاليًا المركز الرابع في مجموعته برصيد 6 نقاط، بعد تحقيقه فوزين على كلٍّ من اليابان وتايلند، وتلقّيه هزيمتين على يد كلٍّ من أستراليا والسعوديّة، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج المباريات ال6 المتبقيّة، التي يأمل أبناء الإمارات بأن تحمل معها حلم الظهور العالميّ الثاني لمنتخبهم، بعد 28 عامًا من الغياب.
عدنان الطلياني الهدّاف التاريخي للمنتخب الإماراتي
وأخيرًا، نتحدّث عن نجوم الكرة الإماراتيّة، الذين أصبح ظهورهم معتادًا في حفلات توزيع جوائز الاتّحاد الآسيوي خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن كان مقتصرًا على لاعبٍ واحدٍ فقط طيلة العقود ال3 المنصرمة، ألا وهو أسطورة الكرة الإماراتيّة والهدّاف التاريخي للمنتخب عدنان الطلياني، الذي اختير كثالث أفضل لاعبٍ آسيويٍّ عام 1990.
وابتعد النجوم الإماراتيّون عن ترشيحات الجائزة الآسيويّة الرفيعة حتّى عام 2008، حين أحرز النجم اسماعيل مطر المركز الثاني خلف الأوزبكي سيرفر جيباروف، واختير المدافع اسماعيل أحمد كثاني أفضل لاعبٍ لعام 2014، خلف شقيقه السعوديّ ناصر الشّمراني، قبل أن تشهد نسخة العام الماضي، تواجد اسمي النجمين الإماراتيين أحمد خليل وعمر عبد الرحمن ضمن قائمة المرشّحين ال3 النهائيّة لحمل الجائزة، التي ظفر بها في النهاية مهاجم أهلي دبي المتألّق أحمد خليل، بعد نجاحه في قيادة فريقه إلى نهائي دوري أبطال آسيا العام الماضي.
أحمد خليل أفضل لاعبٍ آسيويٍّ العام الماضي
وفي العام الحالي، يبدو المتألق عمر عبد الرحمن، الملقب بـ (عموري)، واحدًا من أبرز المرشحين للظفر بالجائزة القارية، وخاصةً بعد نجاحه في قيادة فريقه العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا، من خلال توهجه الاستثنائي الذي أجبر المراقبين على اختياره كأفضل لاعبٍ خلال 8 مبارياتٍ في البطولة الآسيوية!
ليمثل عموري ونادي العين، ومن قبلهما أحمد خليل وأهلي دبي، أحدث مظاهر النهضة الكروية الحالية، التي تعيش أطوارها كرة القدم الإماراتية.