بالرغم من عدم الإفصاح عن الجهات التي دعت إليها، فضلاً عن التقليل مما يمكن أن تؤثر به في المشهد العام، إلا أن تظاهرات 11/11 باتت الوجبة اليومية الدائمة على موائد الفضائيات والصحف والمواقع الإخبارية، لا سيما في ظل التشابه الكبير بين أجواء هذه الدعوات وما كانت عليه البلاد قبيل 25 يناير 2011.
العديد من التأويلات والتحليلات السياسية تطرقت لسيناريوهات هذا اليوم، وما يمكن أن يضيف للمشهد الثوري خاصة بعد حالة الخمول التي دامت شهورًا عديدة، إلا أن السؤال الأكبر الذي فرض نفسه وبقوة يتعلق باستراتيجية الجيش والمنظومة الأمنية في التعامل مع هذه الدعوات، وما هي الخطة المعدة إما لإفشاله أو توظيفه بما يخدم النظام الحالي، هذا ما نسعى إلى الإجابة عنه في هذه الجولة السريعة.
حالة من الترقب والقلق
حالة من الارتباك والقلق انتابت القائمين على أمور النظام في مصر عقب زيادة وتيرة دعوات التظاهر في 11/11 خاصة بعد ارتفاع منسوب السخط الشعبي جرّاء حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ونتج عنها قفزات جنونية في الأسعار، فضلاً عن غياب العدالة، والشعور بالظلم والقهر وفقدان الأمل والإحباط لدى شريحة كبيرة من الشعب معظمهم من الشباب، وهو ما أكده التقرير الذي قدمه اللواء أحمد جمال الدين، المستشار الأمني للسيسي، والذي حذر فيه من أي إجراءات تزيد من الأعباء المفروضة على كاهل المواطنين، حسبما نشرت جريدة الأخبار اللبنانية الأسبوع الماضي.
جمال الدين طالب السيسي وحكومته بإرجاء أي قرارات من شأنها زيادة الأسعار وفي مقدمتها تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن الطاقة، إلى ما بعد 11/11، بل وصل الأمر إلى الحث على تجنب أي استفزاز للمواطنين حتى 25 يناير المقبل، خاصة في ظل تراجع شعبية السيسي إلى ما دون 50% حسبما ورد في التقرير.
كما تسببت الصرخات التي أطلقها عدد من المصريين ما بين الحين والآخر ولاقت تفاعلاً كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، في إرباك النظام وآلته الإعلامية، وهو ما جسدته تصريحات سائق التوك توك الشهير، وعجوز بورسعيد، وغيرها من الصرخات المدوية التي جسدت واقع الملايين من المصريين مهما حاول المتنطعون تشويهها عبر سهام التآمر والعمالة والخيانة والانتماء لفصيل هنا أو جماعة هناك، وهو ما دفع بعض أهالي مدينة بورسعيد إلى التظاهر في سابقة هي الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة، وبالرغم من فض هذه التظاهرة إلا أنها أعطت مؤشرات ودلالات تستدعي التوقف حيالها كثيرًا، ومن ثم باتت تظاهرات يوم 11 نوفمبر القادم مسألة حياة أو موت لكثير من عناصر دولة السيسي، لذا كان لا بد وأن يكون الاستعداد على قدر الحدث.
حالة من الغليان تنتاب الشارع بسبب تدني مستوى المعيشة
هدف واحد وسيناريوهات ثلاثة
اهتمام غير مسبوق توليه أجهزة الأمن المصرية لهذه الدعوات على عكس العادة، ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية التي تسعى تلك الأجهزة لتحقيقها من وراء هذا اليوم، وهو ما يتكشف بشكل كبير من خلال الخطط والسيناريوهات المعدة للتعامل معها.
مصادر مطلعة داخل المؤسسة العسكرية أكدت في تصريحات لـ “نون بوست” أن هناك 3 محاور رئيسية في مواجهة 3 سيناريوهات متوقعة لتأمين التظاهرات حال اندلاعها، بحيث يتولى كل محور من المحاور الثلاثة التعامل مع كل سيناريو على حدة، مع الوضع في الاعتبار تحالف المحاور الثلاثة في حال حدوث السيناريو الثالث كما سيأتي تفصيلاً.
المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها أشارت إلى أن القيادة المركزية للجيش أصدرت أوامرها لما يقرب من 30% من القوات الموجودة في الإسماعيلية والسويس وسيناء بالاستعداد للانتقال إلى القاهرة خلال الأيام القادمة، خاصة فرق الصاعقة والمشاة، من فئتي الجنود وضباط الاحتياط بصفة خاصة.
مصادر مطلعة داخل المؤسسة العسكرية أكدت في تصريحات لـ “نون بوست” أن هناك 3 محاور رئيسية في مواجهة 3 سيناريوهات متوقعة لتأمين التظاهرات حال اندلاعها، بحيث يتولى كل محور من المحاور الثلاثة التعامل مع كل سيناريو على حدة، مع الوضع في الاعتبار تحالف المحاور الثلاثة في حال حدوث السيناريو الثالث.
الهدف المعلن إذن هو تأمين التظاهرات والخروج بها إلى بر الأمان، والحيلولة دون وقوع أي مناوشات بين المتظاهرين، أو إحداث أي عمليات تخريب للمنشآت العامة والخاصة، لكن هناك أهداف ونوايا أخرى تتضح بشكل جلي من خلال التشكيلات الثلاثة التي كشفت عنها المصادر والتي تنقسم إلى:
المحور الأول: انضمام مجموعة من الجنود إلى صفوف المتظاهرين بالزي المدني، والمشاركة في بعض المسيرات، والاقتراب من قيادات هذه التظاهرات، للوقوف على ما يدور بينهم من خطط واستراتيجيات، وما هي نواياهم بشأن استمرار تلك الفعاليات، بحيث يتم التناوب بين بعض المجموعات على مدار اليوم.
الهدف: تقديم معلومات كافية وكاملة عن قيادات التظاهرات، وأبرز المشاركين فيها، مع الوقوف على الخطوط العريضة لما ينتون القيام به خلال الفترة القادمة، بمعنى آخر فإن وظيفة هذا المحور تتمثل في البعد المخابراتي المعلوماتي.
المحور الثاني: تطويق مجموعة من الجنود للتظاهرات من خلال دوائر متقاربة بصورة هندسية متفق عليها، باستخدام العصي فقط، دون حمل أي أسلحة أخرى، وهنا يتم تصوير هذا المشهد بوصفه احترام المؤسسة العسكرية لحرية التظاهر، والعمل على تأمينها بما يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، دون تدخل أي من الجنود في مسيرة التظاهرات أو التأثير عليها أو الاحتكاك بالمتظاهرين.
الهدف: حال استمرار التظاهرات بصورة مطمئنة وبأعداد قليلة، وشعارات لا تقبل التصعيد، فهنا تسعى المؤسسة العسكرية إلى تصحيح الصورة الخاطئة التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية بشأن عدم احترامها لحقوق المواطنين في التظاهر والتعبير عن الرأي من خلال تصدير صورة إيجابية لتأمين جنودها لهذه الفعاليات.
أما في حال التصعيد وتزايد الأعداد، فعلى الفور يتدخل جنود التأمين لفض التظاهرة والاشتباك مع المتظاهرين بالعصي، بالاشتراك مع فرق أخرى تنضم إليهم.
المحور الثالث: انتشار مجموعة من الرماة والقناصة في المناطق المحيطة بالتظاهرات، سواء على الأرصفة أو في البنايات والعقارات المحيطة، بزي مدني متخفي، لا يمكن تتبعهم أو معرفة الأماكن المتمركزين بها.
الهدف: في حال استمرار الأمور بصورة هادئة، يكون دور هذه المجموعة هو التأمين فقط، أما في حالة التصعيد، وزيادة وتيرة المشاركين في التظاهرات، وارتفاع سقف المطالب، والشعور بالقلق، حينها يبدأ القناصة والرماة في إطلاق الرصاص الحي والخرطوش على المتظاهرين، لإثارة الفوضى وإنهاء التظاهرة بأي ثمن، مع الوضع في الاعتبار عدم تحديد سقف معين للتدخل بالرصاص الحي، فضلاً عن محاولة بث الفتنة بين المتظاهرين من خلال الذخيرة المستخدمة كما سيرد ذكره لاحقًا.
انتشار الجيش في الشوارع استعدادا لـ 11/11
توريط الإخوان والمعارضة
من المؤشرات التي تكشف مخطط المنظومة الأمنية في توريط فصائل المعارضة وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، ما كشف عنه أحد المصادر داخل جهاز الأمن المركزي، والذي أكد أن هناك تعليمات صدرت لقيادات الجهاز وأفراده بسحب كافة الذخيرة الموجودة معهم، والتي تحمل اسم جهة الصنع ومصدرها، واستبدالها بذخيرة مجهولة المصدر.
تعليمات صدرت لجهاز الأمن المركزي وأفراده بسحب كافة الذخيرة الموجودة معهم، والتي تحمل اسم جهة الصنع ومصدرها، واستبدالها بذخيرة مجهولة المصدر.
الخبر الذي أكدته المصادر التابعة للأمن المركزي لـ “نون بوست” يتوافق مع ما جاء من داخل المؤسسة العسكرية بشأن سيناريوهات التعامل مع التظاهرات، ومن ثم يمكن التعويل عليه في أن هناك مخطط لتوريط جماعة الإخوان عبر بحار من الدم حال خروج اليوم عن السيطرة، بحيث يتم إطلاق النار العشوائي على المتظاهرين بذخيرة مجهولة المصدر، وعلى الفور يتم تبادل الاتهامات بعدها لتخرج المؤسسة العسكرية لتبرئ ساحتها بأن الذخيرة المستخدمة غير تابعة للجيش وقوات الأمن المصرية، وأن جنودها كانوا للتأمين بالعصي فقط حسبما هو مصور، وعلى الفور تبدأ أجهزة الإعلام الموالية عزفها المنفرد على توجيه أصابع الاتهام نحو الإخوان، ومحاولة تصدير صورة محاولة استغلالهم لهذه التظاهرات لإثارة الفوضى وإحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، وهنا تفقد التظاهرات قوتها، ويتحول الصدام بدلاً من مواجهات المتظاهرين بشتى فصائلهم مع الدولة، إلى الصدام ضد الإخوان، خاصة وأن للإعلام تاريخًا بارعًا في إحداث مثل هذه الوقيعة طيلة السنوات الماضية، وهذا يقودنا لما يسعى إليه نظام السيسي من البحث عن “القشة” التي تنقذه من الفشل المحقق الذي يحياه منذ توليه قيادة الأمور.
مجزرة رابعة العدوية.. أكثر الجرائم وحشية في العصر الحديث
الإرهاب وقبلة الحياة
على مدار 28 شهرًا هي مدة تولي السيسي رئاسة مصر حتى الآن، والفشل هو العنوان الرئيسي لهذه الفترة، على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والحقوقية والفكرية، حتى والرياضية، وهو ما تسبب في تراجع شعبيته بصورة غير متوقعة.
منذ تولي السيسي مقاليد الأمور والعزف على وتر الإرهاب ومكافحته هو المدخل الوحيد الذي استطاع من خلاله فرض نفسه منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وباتت فزّاعة الإخوان المسلمين هي الشماعة الرئيسية لتعليق الأخطاء والفشل الذريع في شتى المجالات، فضلاً عن كونها في الوقت نفسه العصا السحرية التي من خلالها يوجه دفة الرأي العام إلى حيث يريد بعيدًا عن ساحات النقد والتوبيخ والسخط بسبب تردي الأوضاع المعيشية.
ماذا لو أعلن الإخوان وفصائل المعارضة قبيل هذا الموعد بيوم أو يومين عدم المشاركة والدعوة لتأجيلها إلى أجل غير مسمى؟ فالثورة معلومة المكان والزمان انتحار بكل المقاييس، هذا ما كشفت عنه خبرات السنوات الثلاث الأخيرة.
ومع الوقت تكشف للشعب أن هذه الشماعة ما عادت تجدي نفعها، وأن تأثيراتها لم تعد بالصورة التي كانت عليها في السابق، في ظل ما يحياه المواطن ليل نهار من مظاهر الفشل والتدني، لذا فإن تظاهرات 11/11 من الممكن إن لم يتم دراستها بشكل جيد، والتنسيق لها بما يجهض مخططات النظام، أن تتحول إلى “رابعة” جديدة من حيث القتل والتدمير، وليس من المستبعد أن يطلب السيسي حينها تفويضًا جديدًا لمحاربة الإرهاب يعطيه الأمل في ثلاث سنوات قادمة.
أمام هذا المخطط الأمني والسياسي نحو توظيف 11/11 بما يعطي للنظام الحالي قبلة جديدة للحياة، ماذا لو أعلن الإخوان وفصائل المعارضة قبيل هذا الموعد بيوم أو يومين عدم المشاركة والدعوة لتأجيلها إلى أجل غير مسمى؟ فالثورة معلومة المكان والزمان انتحار بكل المقاييس، هذا ما كشفت عنه خبرات السنوات الثلاث الأخيرة.
ويبقى السؤال: هل تم الإعداد ليوم 11/11 بشكل جيد؟ وهل وضع المشاركون في هذه التظاهرات والداعون لها سيناريوهات للتعامل مع الأمن وأجهزة الدولة الأخرى؟ وهل يتبع المتظاهرون الطرق التقليدية في الخروج والمسيرات بما يسمح للأمن بتطويقهم وفرض طوق أمني عليهم فيكون مصيرهم إما السجن أو القتل؟ لا بد أولا من الإجابة عن هذه الأسئلة قبل التفكير في التظاهرات حتى لا تضاف إلى قائمة الشهداء مئات الأسماء الجديدة من خيرة شباب الوطن.