ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أعلن زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي في 29 يونيو/ حزيران 2014، عن حدود دولة خلافته، كانت إيران تبعد في ذلك الوقت 20 ميلا فقط عنها. ولكن امتدت الأراضي التي يسيطر عليها هذا التنظيم لتصل إلى المحافظة الحدودية العراقية ديالى، مما جعله يشكل تهديدا خطيرا جدا على الأمن القومي الإيراني.
وتجدر الإشارة إلى أن طهران لطالما أرادت حماية حدودها من مخاطر هذا التنظيم، حيث أنها أرسلت العديد من قوات الحرس الثوري الإيراني إلى العراق لمحاربته في أوّل معركة له في جلولاء، جنبا إلى جنب مع القوات الكردية العراقية وقوات منظمة بدر العراقية، التي تُعرف بعلاقتها الوثيقة التي تربطها مع هذه الجمهورية الإسلامية.
تواصلت الجهود الإيرانية من أجل القضاء على تنظيم الدولة في العراق على مرّ السنين الماضية، ولكن على ما يبدو أن هذا التنظيم استطاع أن يجد طريقه إلى إيران. فقد أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية في هذه السنة، أنها قد استطاعت إحباط العديد من المؤامرات الإرهابية التي كانت تهدف إلى اختراق حدود البلاد، آخرها إحباط محاولتين في شهري أغسطس/ آب ويونيو/ حزيران، كانتا ستستهدفان طهران ومدن أخرى.
وذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية نقلا عن مصادر لم يتمّ الكشف عنها، أن قوات الأمن قتلت الزعيم الجديد لتنظيم الدولة في إيران، الذي كان يطلق عليه اسم “أبو عائشة الكردي”. وكتب موقع إخباري آخر أنه قد تمّ القبض في كرمنشاه، أحد المدن الحدودية، على الشخص الذي كان من المفترض أن يكون أمير تنظيم الدولة في إيران وقتله في عملية معقدة وضخمة، نفّذها وكلاء وزارة الاستخبارات الإيرانية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تمّ فيها الإعلان عن مقتل أبو عائشة الكردي في إيران. فقد قال وزير الاستخبارات، محمود علوي، في برنامج مباشر على التلفزيون الحكومي الإيراني يوم 24 أغسطس/ آب إنه، “بالتعاون مع القوات الخاصة، تمكنا من قتل أبو عائشة الكردي، قائد لواء تنظيم الدولة في الموصل واعتقال تسعة من شركائه”، مشيرا إلى أن العملية قد وقعت في محافظة كرمنشاه. وقبل ذلك بأسبوع، أعلنت قوات الأمن الإيرانية أنها تمكنت من تفكيك خلية إرهابية في اشتباكات منفصلة جدّت في غرب محافظة كرمنشاه، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص واعتقال أكثر من ست آخرين”.
وقد أخبر مصدر أمني إيراني رفض الكشف عن اسمه، أن تنظيم الدولة كان يخطط إلى التسلل إلى إيران عن طريق العراق في شهر يونيو/ حزيران. وأضاف أن “أحد المجموعات نجحت في دخول إقليم كرمنشاه، في حين تم نصب كمين لمجموعة ثانية من قبل قوات النجف الأشرف للحرس الثوري.
كما أشار إلى أن “أبو عائشة الذي يشغل منصب نائب ضابط العمليات في تنظيم الدولة، قد تم إرساله إلى إيران بهدف التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية وتكوين هياكل تابعة له. وقد تمكّن بالفعل من دخول المجال الإيراني إلا أنه لطالما كان مراقبا ولطالما كانت السلطات قادرة تماما على تتبع تحركاته، مما سهّل عملية قتله وإلقاء القبض على أشخاص آخرين كانوا برفقته”.
والجدير بالذكر أنه تم الإعلان عن قتل أبو عائشة الكردي جنوب شرق الموصل، في أبريل/ نيسان، في بيان أصدره تنظيم الدولة، أفاد فيه أن الكردي قُتل خلال هجوم انتحاري استهدف مواقع الجيش العراقي.
وذكر تقرير صادر عن شبكة أخبار الأكراد، أن الاسم الحقيقي لأبو عائشة كان “فاضل بدر” حيث كان مسؤولا عن شؤون الأمن في تنظيم الدولة. وقد نقلت نفس هذه الأخبار قناة العالم الإخبارية الإيرانية الناطقة بالعربية والتي وصفته أيضا “بالجزار”. ولكن لم تُورد أي معلومات تُبين ما إذا كان كلا أبو عائشة المذكورين، هما نفس الشخص.
كما أفاد مصدر أمني إيراني في حوار أجراه مع موقع المونيتور أن إيران تواجه تهديدا إرهابيا خطيرا وأن كل الأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة في البلاد تُنسق جهودها لمواجهة هذا التحدي، قائلا: “إن الجمهورية الإسلامية تبذل جهودا حثيثة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والمحلي”. وأضاف أن “الاستراتيجيات والخطط الوقائية التي اتخذناها قد أثبتت فعاليتها وذلك بفضل تعاون جميع السلطات”.
كما أشار هذا المصدر إلى وضع السلطات الإيرانية استراتيجيات تعيق انضمام الشباب الإيراني لهذا التنظيم، التي استطاعت رصد وإحباط أكثر من 1500 شاب، كانوا يعتزمون الانضمام إلى تنظيم الدولة. ولكن هذا المصدر لم ينف التحاق آخرين بهذا التنظيم والتي ربما ستصبح قريبا التحدي الأمني الكبير المقبل لإيران.
وأضاف أن “هذه الجماعات الإرهابية تُستخدم من قبل بعض الحكومات الإقليمية اليائسة، التي تريد زعزعة الاستقرار في إيران. وفي حين أن الأجندة الرئيسية لإيران في الوقت الراهن أصبحت مكافحة الإرهاب إلا أن الهدف الرئيسي لبعض البلدان الأخرى هو نشر الإرهاب في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، أصبح من الواضح أن هذه المجموعات تعمل لخدمة أجندات سياسية”.
وأكّد المصدر أيضا أن “السلطات الإيرانية تملك ما يكفي من الخبرة لمكافحة الإرهاب التي اكتسبتها في كل من سوريا والعراق، ولبنان. ولكنها تحتاج أيضا إلى مساعدة المجتمعات المحلية للتغلب على مثل هذه التهديدات”.
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة لم يتمكّن من استقطاب إلا أعدادا قليلة من الشباب الإيراني، أحدهم يُدعى أبو محمد الإيراني الذي قُتل في هجوم انتحاري وآخر قام بتفجير نفسه في رمادي، حيث كان يلقّب “برضا نيكنجاد”. كما تشير بعض التقارير التي إلى أن شابا أمريكيا من أصل إيراني سافر إلى سوريا سنة 2015 بعد تجنيده من قبل طالب زميل له في مدرسة للثانوية في ولاية فرجينيا. لكن السلطات لم تتمكن من معرفة أي معلومات عنه حتى الآن.
وفي ظلّ تنامي التهديد الإرهابي لتنظيم الدولة، إلا أن إيران تواجه تهديدات أمنية أخرى من قبل جيش العدل، الذي يمثل جماعة سنية معارضة للمنظومة الإيرانية والتي تنشط على الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد، في محافظتي سيستان وبلوشستان. وقد تم السيطرة على قوة هذه الجماعة خلال السنوات القليلة الماضية عن طريق قتل واعتقال قادتها.
كما تواجه إيران أيضا تهديدا وشيكا من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي استأنف نشاطه بعد عقود من الهدنة مثيرا العديد من المناوشات والفوضى بالقرب من حدودها العراقية. وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الإيرانيين يزعمون أن هذه المجموعات تحظى بالدعم السعودي.
وفي هذا السياق، نفى المتحدث باسم حزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، لقمان أحمدي، في حوار أجراه مع موقع المونيتور أي علاقة مع المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أن هذه الاتهامات التي تلقيها الحكومة الإيرانية تحاول فقط من خلالها تشويه صورة الصراع الكردي الذي يهدف بالأساس إلى الحصول على الحرية. ومع ذلك، أكّد أحمدي أن حزبه يملك الحق مثل كل دول العالم، في أن تكون له علاقة مع أي بلد يدعم قضيته ومسيرة نضاله”.
المصدر: المونيتور