الالتزام، والتعهد، والشراكة الموثوقة، هكذا بدأ مؤسس “إسطنبول وأنا” الحديث معنا عن حلمه الذي ترك من أجله حفل تخرجه في واحد من أعظم معاهد العلوم الاقتصادية والسياسية في لندن “London School of Economics and Political Science” حيث أتم هناك دراسة الماجيستير، بالإضافة إلى دراسته لبرنامج دراسات عليا آخر في العلوم السياسية من جامعة SOAS في لندن، ليقرر السفر إلى إسطنبول من أجل اللاجئين.
يقول “تيمور آشكان” أمريكي من أصول إيرانية بأنه قرر السفر إلى تركيا لسببين، الأول لأنها تحتوي على عدد كبير من اللاجئين من مختلف البلاد مقارنة بأية دولة من دول العالم، وأيضًا لعدم تواجد الشباب التركي في محافل الأعمال الخيرية، حيث يقول تيمور بأن نسبة مشاركة الشباب التركي في الأعمال الخيرية لا تتعدى 9%، وهي من أقل نسب مشاركة الشباب في العمل الخيري من بين أغلب دول العالم المهتمة بالعمل الخيري.
وُلد تيمور لأم وأب إيرانيين، قاموا باللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليولد تيمور هناك، ويكون ذلك الطفل الذكي الذي انتهى به الأمر بدراسة برنامجين للدراسات العليا في الوقت ذاته في أعلى الجامعات الخاصة بالعلوم السياسية والاقتصادية ترتيبًا بالنسبة لنظيرتها على المستوى الدولي، ليبدأ بعدها رحلة جديدة من التطبيق العملي، ليختار العمل في مجال المنظمات الخيرية.
في البداية قام تيمور بالتدريب في مقر الأمم المتحدة في إسطنبول على القضايا التي تخص اللاجئين، ومن هنا كانت البداية بعرضه لفكرة “إسطنبول وأنا” والتي تميل في تكوينها إلى تأسيس مجتمع خيري أكثر منه مؤسسة خيرية.
“تيمور آشكان” مؤسس “إسطنبول وأنا”
تابع تيمور بأن “إسطنبول وأنا” يهدف إلى تكوين مجتمع يسعى للالتزام بالعمل الخيري، كما أنه لا يهدف لجعل المجتمع رأسي الهيكلة، أي أنه لا يريد لرأس المنظمة ألا وهي المؤسس والمدير والمنظم أن يتحكم في القاعدة التي تتكون من 150 فردًا من 50 دولة مختلفة، يغلب عليهم السوريون والفلسطينيون، لذا قرر تيمور أن يعد الهيكلة بشكل أفقي، فالكل متساوٍ في الأهمية، ويتشارك الجميع في صنع القرار والتنظيم والهيكلة.
عندما سألنا تيمور ما الذي يجعل “إسطنبول وأنا” مختلفة عن بقية المنظمات الخيرية، قال بأن ما يجعلها مختلفة كونها مجتمعًا أكثر منه مؤسسة خيرية، فهو يهدف إلى جعل فكرة التطوع للعمل الخيري فكرة أساسية يبنى عليها مجتمع كامل، لذا فهو يرى بأنه يعمل على تكوين مجتمع أساسه التطوع، يحاول فيه بناء روابط قوية بين أعضائه وبعضهم، ولكن أهم ما يميز هذا المجتمع هو الالتزام، لا يرى تيمور فائدة من حضور أحد الأعضاء لـ “إسطنبول وأنا” مرة كل شهر، حيث طبق نظام النقاط، أي أن لكل عضو حد أدنى من النقاط لكي يظل عضوًا في هذا المجتمع.
مجموعة من أعضاء “إسطنبول وأنا” من 50 دولة حول العالم
لا يقوم تيمور بتطبيق نظام الغياب والحضور الصارم في الجامعات أو المدارس، إلا أنه يجب على كل عضو الالتزام بحضور عدد معين من الفعاليات الخاصة بإسطنبول وأنا والتي يقومون على تنظيمها يوميًا تقريبًا، حيث يمثل حضور كل فعالية ثلاث نقط توضع في حساب العضو، ليكمل العضو الحد الأدني من النقاط شهريًا وهو ثماني نقاط لكي يظل عضوًا فعالًا في هذا المجتمع.
تقوم “إسطنبول وأنا” بتنمية مجتمع الشباب إلى حد كبير، ليقوم بتأدية دوره على أكمل وجه في المجتمع، كما تقوم بتدريبه جيدًا على كيفية الاندماج في مختلف الفعاليات التطوعية وبالأخص تلك المتعلقة باللاجئين، حيث تقوم “إسطنبول وأنا” على تنظيم العديد من الفعاليات مع الأطفال السوريين، من ضمنها دروس تقوية في اللغات المختلفة وأهما الإنجليزية والتركية، بالإضافة إلى تعليمهم مبادئ تعاليم استخدام الأجهزة الإلكترونية، فهم يحاولون بقدر الإمكان مساعدة الأطفال على مواكبة من بسنهم في المجتمع، فكل طفل الآن لديه خبرة جيدة في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية ومعرفة باللغات الأجنبية، وترى “إسطنبول وأنا” أنه لا فرق بين الطفل اللاجئ وبين غيره من الأطفال.
حفل شواء نظمته “إسطنبول وأنا” للأطفال السوريين
تتبع “إسطنبول وأنا” سياسة عدم إظهار وجوه الأطفال في صورهم المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، حيث علق تيمور على ذلك في أثناء حديثنا معه قائلًا بأنه من الممكن ألا يتضايق الطفل الآن من تصويره، إلا أنه بالتأكيد بعد أن ينضج ويندمج في المجتمع ويبدأ في العمل، لن يحب أن يرى صوره منشورة أمام الجميع وقت كان لاجئًا، حيث يقول تيمور بأنه لا يظهر وجوههم إلا إذا سمح أهلهم بذلك.
بحسب كلام تيمور لا تتلقى “إسطنبول وأنا” أي دعم مالي خارجي من جهة معينة، بل تقوم على التبرعات التي تُمنح مباشرة لشراء ما يلزم الأطفال اللاجئين داخل تركيا، كما أنهم يعتمدون على المصادر المتوفرة مع الأعضاء أنفسهم، فبالنسبة لدروس التقوية الخاصة باستخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية، قال تيموز إن الأعضاء أنفسهم يجلبون أجهزتهم الخاصة، لا يجد تيمور حرجًا في ذلك، فهذا يدعم فكرته، في بناء مجتمع متكامل قائم على الفكر التطوعي.
لا يتلقي تيمور أي اشتراك شهري من الأعضاء، ولا يحتاجهم للتوقيع على أية أوراق رسمية، كل ما يطلبه أن يكون العضو شديد الالتزام بما يفعله، ويمنح شغفه للفكرة، ليقوم على تطويرها وتنميتها، لتستمر وتنضج، وتنتشر بين الجميع.
معرض للتصوير الفوتوغرافي الخاص بالأطفال بأحد المطاعم في إسطنبول
تعمل “إسطنبول وأنا” على الحصول على شهادة تعتمدها منظمة غير حكومية وغير ربحية “NGO”، كما تستعد من الآن على تنظيم قمة خاصة بها في شهر ديسمبر القادم “Istanbul&I Summit” والتي ستقوم السفارة الأمريكية على تدعيمها لهم، حيث سيتم دعوة العديد من المنظمات الخيرية، والعديد من المنظمات الخاصة بالعمل التطوعي والخيري للاجئين، بالإضافة إلى ممثلين من السفارة الأمريكية، حيث سيتم التعريف بمجتمع “إسطنبول وأنا” في تلك القمة، ليتم إدراجه ضمن تلك الشبكات، من أجل التعاون المثمر بينه وبينها، ومن أجل الحصول على مزيد من الدعم المادي لـ “إسطنبول وأنا” ولمزيد من نشر الفكرة عبر الأوساط المختلفة.
يمكنك زيارة صفحة “إسطنبول وأنا” على الفيس بوك لمتابعة مزيد من الأخبار
في الصورة شاب سوري يدعى “عبد الرحمن” متطوع في “إسطنبول وأنا”، يقول بأنه يعيش لأول مرة تجربة تعليم الأطفال بعض من الدروس التي من الممكن أن يستفيدوا بها طوال حياتهم، وهذا يشعره بالسعادة البالغة وبالانتماء الشديد لـ “إسطنبول وأنا”.
على المستوى الشخصي، يحلم تيمور بالسفر عبر بلاد الشرق الأوسط المختلفة، والتعاون مع مختلف شباب العمل التطوعي فيها، لبناء المجتمع الذي يحلم به على مستوى دولي، وخصوصًا في تلك البلاد التي تحتوي على نسب عالية من اللاجئين، حيث يركز اهتمامه في خططه المستقبلية على كل من الأردن ولبنان.
وفي النهاية، ينصح تيمور كل من يحب الاشتراك معه في الفكرة، أو في انشاء مشروع مماثل أن يركز على التضحية بالكثير من أجل منح تلك الفكرة كل الشغف الذي يملكه الإنسان، فيقول بأن هكذا تبقى الأفكار ولا تموت، وهكذا تكبر يومًا بعد يوم، كما أنهى حديثه بقوله بأنه لا يصف نفسه بالقائد، لأن القائد لا يمكنه أن ينجح إلا بدون أن يسمع من الناس أكثر مما يسمع من نفسه، لذا فهو يقوم بالتنظيم، ويترك المهمة للأعضاء، ليقوموا بعمل أكثر من رائع بالنسبة لمجتمع مر على مولده بضعة شهور فحسب.