ترجمة من الإسبانية وتحرير نون بوست
سجلت في الفترة الأخيرة تعاملات تجارية بين مافيا مدينة كالابريا الإيطالية وتنظيم الدولة، التي تتركز أساسا على تبادل القطع الأثرية المسروقة من سرت الليبية مقابل الأسلحة الإيطالية. كما تم اكتشاف أن هذه “السلع” تمر بميناء جويا تاورو الإيطالي.
من الواضح أن مافيا “ندرانجيتا”، المتمركزة في مدينة ريو كالابريا في جنوب إيطاليا، مهووسة بالمشاريع التي تدر كثيرا من الأموال، كما أنها لا تكترث للجهة التي تتعامل معها، حتى لو كانت هذه الجهة تنظيم الدولة. وقبل بضعة أشهر، وصلت لدومينيكو كيريكو، الصحفي والمراسل الخاص لصحيفة “لا ستامبا” في منطقة الشرق الأوسط، معلومات بالغة الأهمية، مفادها أن “مافيا كالابريا القوية تقدم الأسلحة لتنظيم الدولة مقابل القطع الأثرية المسروقة من سرت في ليبيا، ويسهل هذه العملية ميناء جويا تاورو الإيطالي”.
ونظرا لأهمية هذه المعلومة التي وصلت بين يدي كيريكو، قرر الصحفي المغامر، التحقيق في هذا الأمر وعلى عين المكان. وبفضل خبرته، تمكن الصحفي من لقاء أحد أعضاء مافيا “ندرانجيتا” في قلعة فيتري سول ماري الواقعة على ضفاف ساحل أمالفي الإيطالي.
وقد جرت هذه المقابلة على أساس أنها بين الحريف (الصحفي) والتاجر (أحد عناصر المافيا)، الذي عرض على الصحفي سلعه التي تجعل من عناصر المافيا من أغنياء العالم. ومن بين هذه السلع، شاهد الصحفي التماثيل والجرار والمزهريات وغيرها من الآثار، حيث أن معظمها من التراث الأثري للمدن الرومانية في ليبيا مثل لبدة وصبراتة وشحات.
وقال كيريكو في حديثه إلى الصحيفة إن “المافيا تحصلت على كل هذه القطع الأثرية من تنظيم الدولة خلال عمليات تبادل الآثار مقابل السلاح. كما أن رشاشات كلاشينكوف وقاذفات الصواريخ المحمولة المضادة للدبابات هي التي تسيطر على نوعية هذه الأسلحة”.
وأضاف كيريكو “لقد علمت أنه “كحريف افتراضي” بإمكاني شراء قطع أخرى، أكثر قيمة ومتأتية من بلدان أخرى في الشرق الأوسط، إلا أنه عليّ الذهاب إلى مدينة جويا تورو التي تعتبر أكثر خطورة”.
ويواصل قائلا؛ “كان ثمن أحد التماثيل يقدر بحوالي 60 ألف يورو، كما أن قطعة أخرى تعود إلى حضارة اليونان القديمة تقدر بحوالي مليون يورو، إلا أنه يمكن خفض هذا المبلغ إلى 800 ألف يورو. كما أكد له رجل المافيا أنه خلال عملية البيع أو الشراء، يمكن الاستعانة بخبير آثار للتثبت من صحة القطعة الأثرية”.
وتبعا لذلك، فتحت النيابة العمومية في مدينة ساليرنو التابعة لإقليم كامبانيا، في 17 من أكتوبر/ تشرين الأول، تحقيقا بخصوص “الاتجار بالبشر لأغراض إرهابية ووساطة المافيا في ذلك”.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم فتح هذا التحقيق الذي يشرف عليه رجال الشرطة ووكلاء متخصصين في التراث والتابعين لشرطة نابولي، إثر ردة فعل وزير الداخلية الإيطالي انجلينو ألفانو، تجاه هذه القضية. وقد قال ألفانو إنه “يجري التحقيق في دور المنظمات الإجرامية الإيطالية من قبل وحدات مكافحة الإرهاب والاستخبارات كذلك”.
وأضاف ألفانو “لقد علمنا مؤخر أن هذه المنظمات تشتري القطع الأثرية المسروقة، والتي تغذي خزائن المنظمات الإرهابية”. وأكد في حديثه على أنه هذه هي المرة الأولى التي يعلم فيها القضاء أن المافيا الإيطالية تتعامل مع تنظيم الدولة”.
وفي حقيقة الأمر أكد المدعي العام لمدينة ريو كالابريا، فيديريكو كافييرو دي راهو، للصحيفة أنه منذ سنة تقريبا؛ هناك أبحاث تجرى حول حقيقة تواجد بعض الأجانب في إيطاليا الذين ينفذون عمليات شراء التراث المسروق من تنظيم الدولة. وفي هذا الإطار صرّح أنه “من المؤكد أن عمليات التحقيق ستنطلق الآن من ميناء جويا تورو، خاصة بعد المعلومات الجديدة التي وصلتنا”.
ووفقاً لماوريتسيو سيمونسيلي، مؤسس إحدى الوكالات المتخصصة في تجارة الأسلحة في إيطاليا، فإن “ندرانجيتا هي منظمة لديها قدرة لوجستية لتنفيذ مثل هذه العمليات، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها وضع ميناء جويا تورو في قفص الاتهام في مثل هذه القضايا”.
كما أشار ماوريتسيو إلى “عملية اختطاف شحنات من الأسلحة في ميناء جويا تورو، والتي انتهى بها المطاف في أيدي الجماعات المسلحة في ليبيا. ولكن بعد ذلك، فرضت إيطاليا أن تكون هذه المسألة سرا من أسرار الدولة”.
وأضاف أنه “إضافة إلى ذلك، يجب أن لا ننسى أنه في السنوات الأخيرة قد اختفى ثلث الترسانة العسكرية الأوكرانية ولم يحدد بعد الجهات المنتفعة بهذه الأسلحة”. أما عن الدول التي تمتلك أكبر شركات تصنيع الأسلحة نذكر، على التوالي، الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وأوكرانيا، وإسبانيا ثم إيطاليا. ووفقاً للمعهد الدولي لبحوث السلام في ستوكهولم، فقد توصلت الأبحاث إلى أن قضية السيطرة على موانئ البحر الأبيض المتوسط لا تزال حساسة جدا، بسبب صعوبة الكشف على الكميات الكبيرة من السلع التي تصل يوميا.
كم عدد الأسلحة التي تسلمها تنظيم الدولة؟
لم تتمكن الشرطة أو حتى المراقبين بعد من التوصل إلى أرقام حول عدد الأسلحة التي تسلمها تنظيم الدولة من المافيا الإيطالية مقابل القطع الأثرية الليبية. كما أنه لم يتم التأكد بعد من حقيقة تعامل المافيا الإيطالية مع بقية الجماعات المتطرفة والمليشيات المتدخلة في ليبيا في هذا المجال، أو تلك الجماعات الأخرى والمرتزقة المتدخلة في الحروب مثل التي تشهدها سوريا أو العراق.
وفي هذا السياق قال سيمونسيلي العامل بمركز البحوث حول الجرائم العابرة للحدود، الذي يجهز بحثا حول هذه التعاملات بين تنظيم الدولة والمافيا الإيطالية، إنه “من الصعب الحصول على معلومات حول هذا الموضوع، فحتى المنظمات التي تحقق في الاتجار غير المشروع بالأسلحة تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على بيانات رسمية”.
ويضيف كيريكو “مما لا شك فيه هو أن تحقيقا معقدا حول مثل هذا الموضوع، يتطلب شهادات من عدد كبير من عناصر ندرانجيتا، فشخص واحد ليس كاف في هذه العملية”.
وعموما، يمثل بيع القطع الأثرية القديمة من أكثر الأعمال التي تدر أرباحا طائلة، وهو الأمر الذي جعل مافيا مثل ندرانجيتا، التي لديها تكوين مشابه للشركات الحديثة، تهتم بهذه التجارة. ووفقا لتقديرات الانتربول ووكالة اليونسكو، فإن تجارة الآثار المسروقة تدر أرباحا تعادل التي يمكن أن تجنيها المافيا من تجارة الأسلحة أو المخدرات.
وعلاوة على ذلك، أفادت العديد من التقارير في الفترة السابقة أن تنظيم الدولة قد لجأ إلى بيع القطع الأثرية كمصدر للتمويل وتغذية خزائنه. كما أكدت العديد من الصحف الأمريكية أو البريطانية في العام الفارط أنه وقع بيع قطع أثرية سرقها تنظيم الدولة في لندن ونيويورك.
ووفقا لممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، فإن “مائة ألف قطعة أثرية ذات أهمية ثقافية كبيرة بالنسبة للعالم كله، تتواجد في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة”. كما يقدر نفس المسؤول أن جملة هذه الآثار يمكن أن تجلب لتنظيم الدولة أرباحا تقدر بين 150 و200 مليون دولار في السنة.
وقال عالم الآثار فرشخ جوان فيسك إن “هناك قطع أثرية سورية وعراقية مسروقة من قبل تنظيم الدولة، وهي الآن في أوروبا… وقد تم الاستيلاء عليها بعد أن دمر التنظيم المعابد في تلك المناطق”.
وحسب تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، فقد تبين أن الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت أيضا إلى جانب روسيا وآسيا؛ من بين وجهات هذه القطع الأثرية. كما حذر مكتب التحقيق الفيدرالي من أن الأموال المتأتية من هذه العمليات، تنتهي في حوزة تنظيم الدولة، وغيرها من الجماعات التي تشارك في الصراعات في الشرق الأوسط.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك معلومات تقول أنه يتم نقل بعض القطع الأثرية عبر البحر في قوارب صينية، البلد الذي ازداد تواجده في البحر الأبيض المتوسط في الآونة الأخيرة. لكن إلى حد الآن، لا توجد معلومات مؤكدة حول هذه القضية والتي يمكن أن تغير مجرى التحقيقات التي فتحتها السلطات الإيطالية في هذا الشأن.
المصدر: إل كونفدنسيال