يرتبك الإقليم حاليًا في ظل سياسية أمريكية شبه منسحبة، قد لا يعول عليها في المستقبل القريب، ولكن إلى أن تتغير ثمة فراغات وجدت تحاول أن تملأها روسيا بتحالفاتها التقليدية مع إيران وبعض دول المنطقة، وهو ما يعقد الأزمات التي تمر بها المنطقة.
خير مثال على ذلك هو القضية السورية التي دخلت هذا المنعطف بعد التململ الأمريكي، والحسم الروسي، حيث كان بالإمكان أن تطيح الولايات المتحدة بالأسد كما أطاحت بمعمر القذافي الديكتاتور الليبي، لكنها رفضت أن تنتهج نفس النهج في سوريا، وهو ما استغلته روسيا لفرض تصورها على الصراع، في ظل ما يشبه التغافل الأمريكي.
يبدو أن هذه السياسة الأمريكية أغرت موسكو كثيرًا، وهو ما يظهر جليًا في تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، أمس الثلاثاء، التي أعلن فيها استعداد روسيا لدراسة طلبات من العراق وليبيا بالمشاركة في العمليات ضد ما أسماهم “الإرهابيين” في أراضيهما، في حال وردت مثل هذه الطلبات.
جاء ذلك في بيان صدر عن منتدى “فالداي” الدولي للحوار بنسخته الثالثة عشرة، والذي تستضيفه مدينة سوتشي الروسية، والذي شارك فيه بوغدانوف، حسبما ذكرت الثلاثاء وكالة سبوتنيك الروسية.
وأشير في البيان إلى أن ميخائيل بوغدانوف أعلن كذلك أنه في حال ورود طلبات من سلطات العراق وليبيا بمشاركة روسيا في العمليات ضد “الإرهابيين في أراضي الدولتين، فإن القيادة الروسية ستدرس مثل هذه الطلبات باهتمام.
ذرائع روسية واحدة
تتدخل روسيا وحليفتها إيران في سوريا بنفس الذريعة التي يرددها بوغدانوف، وهي محاربة “الإرهاب” بطلب من الحكومات الرسمية الموالية لها، فربما تنتظر روسيا أن يكون للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا دور رسمي في المرحلة المقبلة تستطيع من خلاله التدخل في ليبيا تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو التطرف هناك وفقًا للمعايير الروسية.
وفي ليبيا تعرب موسكو عن ندمها بشكل أو بآخر على عدم تدخلها إلى جانب القذافي كما حدث في سوريا مع نظام الأسد، وهي تلوح الآن باستعلال الفشل الغربي في ليبيا -في وجهة نظرها- بعد إسقاط نظام القذافي بضربة عسكرية نفذها الناتو بعد اندلاع الثورة الليبية، واستخدام القذافي للقوة في محاولة لوأدها.
أما على الجانب العراقي فالحليف الإيراني يملك وصاية شبه كاملة على الحكومة المركزية في بغداد، وأي استدعاء من هذه الحكومة سيكون مرحبًا به من جانب موسكو، وسيلتقطه الروس بالتأكيد لوضع قدم في العراق أمام الولايات المتحدة، خاصة مع اشتعال معارك الموصل حاليًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والترقب الواضح للروس في هذه المعارك.
مدى جدية التلويحات الروسية
تكرار ما يحدث في سوريا بالنسبة إلى ليبيا أو العراق يتوقف عند ما ستجنيه موسكو من هذا التدخل، فلا يمكن مقارنة المصالح الاستراتيجية المتفهمة -بالنسبة لأمريكا- للروس في سوريا بأي تدخل آخر سواء في العراق أو ليبيا.
فالولايات المتحدة وإن كانت انسحبت من العراق وحل محلها نفوذ إيراني واحد إلا أنه لا يمكن أن تترك العراق كفريسة سهلة لروسيا، خاصة وأنه لا يوجد مصالح روسية متفهمة في العراق كما هو الحال في سوريا بالنسبة للقاعدة العسكرية في طرطوس، والتواجد التاريخي من خلال سوريا في البحر المتوسط.
وكذلك على مستوى ليبيا فإن دول أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا لن تقبل بتواجد روسي على الأراضي الليبية، أو أي تدخل عسكري كما هو الحال في سوريا، إذ تعتبر ليبيا بالنسبة لهذه الدول خط دفاع أولي لا يمكن التنازل عنه لروسيا بهذه السهولة.
وفي النهاية لا يمكن التنبؤ بتدخل عسكري روسي في المنطقة خارج سوريا إلا في إطار مصالح أكبر تغري لخوض هذا الغمار، وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قد نقلت حديثًا في هذا الاتجاه عبر المحلل العسكري الإسرائيلي ” عاموس هارئيل “، والذي توقع خلال حديثه أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس إلا بداية لبسط سيطرة موسكو على عدة مناطق في الشرق الأوسط، والتي ربما سوف تمتد إلى ليبيا واليمن بعد سوريا، بحسب توقعه.
ويمكن القول بشكل عام أن روسيا لا يمكن أن تتدخل سواء في ليبيا أو العراق قريبًا، إذا لم يتم التوصل إلى حل مع الغرب لتقاسم النفوذ في مسألة ما يُعرف بـ “مكافحة الإرهاب”، وسيكون التدخل مفاجئا من حيث التوقيت والنتائج، إلا أنه يجب أن يحظى على قبول غربي أو على الأقل غض الطرف مع معارضة شكلية مثلما حدث في سوريا.