بعد التسرب الغازي الصادر من كيماويات المغرب، أي المجمع الشريف للفوسفات، الذي عرفته مدينة أسفي جنوب المغرب على بعد 150 كيلومترًا من مراكش محتضنة الكوب 22، وذلك ليلة الجمعة 21 أكتوبر 2016، حوالي الساعة الثامنة مساءً، والذي امتد إلى حدود جماعة سيدي تيجي على بعد حوالي 40 كيلومترًا في اتجاه مراكش شرقًا، حيث عاشت عاصمة عبدة – أسفي – ومعها مستشفى محمد الخامس توافد العديد من مرضى الحساسية والربو على وقع الهلع بين ذويهم وأهاليهم، لتلقي الإسعافات الأولية، حيث تعتبر هذه الفئة في طليعة المتضررات والمتضررين الذي يزورون ردهات المشفى.
للتذكير تأتي هذه الواقعة على بعد أيام فقط من انطلاق العرس البيئي العالمي والذي رصدت له المليارات بعاصمة الجهة مراكش، أي ما بات يطلق عليه بالكوب 22، فصارت الجمعيات تتغنى هذه الأيام بمشاركتها هنا أو هناك في القمة العالمية للمناخ، وأحاديث عن زيارة قطار المناخ لمدن مغربية الأسبوع المقبل، إذ سيحط الرحال بمدينة أسفي يوم الرابع من نوفمبر 2016، بحسب ما صرح به المدير الجهوي للمكتب الوطني للسكك الحديدية.
ورسالتنا واضحة لرؤساء جمعيات أسفي الذين يشاركون هنا وهناك باسم المجتمع المدني الذي يموت في صمت بفعل التلوث القاتل والتهميش الفاضح: ماذا أحضرتم؟ وما القيمة المضافة التي تشاركون بها؟ وما التوصيات التي أعددتم غير صور الفيسبوك التي لا أشك أنكم ستتحفوننا بها؟ وهل ستكابدون الأمرين من أجل إدراج ولو جملة بسيطة، أو مفيدة حتى، ولو في مسودة القمة، غير وجودكم الجسدي وتأثيثكم لفضاء عمومي وغيركم كثيرين؟ وماذا بعد صوركم التي ستمثلوننا بها وأنتم تعانقون لافتات الكوب 22 بمراكش وكأنكم قد حققتم إنجاز المغرب بمكسيكو؟ وهل فعلاً ستمثلوننا بالرغم من أننا لم ننتخبكم يومًا للحديث باسمنا؟
لذلك رجاء لا تتكلموا باسمنا، فقط تحدثوا باسم المجتمع الجمعوي الذي تمثلونه، ولا تتحدثوا باسم مجتمعنا المحني الذي يئن حسرة و”حكرة ” من تظاهراتكم الكونية تلك، رجاء لا تزروا أوزارنا ولا تشهدوا شهادة زور في حقنا.
أما المجتمع المدني فهو العربي، والمعطي، ومنانة، وبهيجة المريضة بالسرطان، غير “رانيا ” التي أقيمت لها الدنيا وأقعدت من أجل أن تتكلف وزارة الوردي بحالتها، والتي يجب أن يلقى كل مريض أو مريضة بمرض السرطان حجم احتضانها والتعاطف معها وتسفيرهم جميعًا لباريس للعلاج ما دامت مدينتنا تنتج فوسفاتًا وبدوره يستخلص منه أورانيوم وغيره كثير من السماد…، بهيجة وغيرها كثيرون والتي ليست سوى أمة لله في أرض المغرب والتي تكابد في صمت، في هذه اللحظات في جناح 40 والذي أشك في كونكم تعرفونه بـ “موريزكو” أي مستشفى ابن رشد بمدينة البيضاء، والتي رفضت حتى عائلتها احتضانها والمبيت لديها بعدما أصبحت رائحة نتنة تصدر من الأنابيب التي تؤثث كليتيها في انتظار أن تجري عملية إضافية بعدما خربت حصص “الليزر” جهازها التناسلي وأمعاءها، كما خرب مرض السرطان خلاياها من قبل، وستضيف “ساشيات” المعي الغليظ امتدادًا لسابقتها، ومؤسسة محمد السادس التي يرفض موظفوها أن تبيت لديهم خلال الأيام التي يبعد فيها موعد إجراء التحاليل أو موعد الطبيب، ولو تعلق الأمر بيومين أوثلاثة وتضطر للرجوع إلى أسفي على بعد 300 كيلو، وتحمل مرضها بين أحشائها وتهتز معها باهتزاز الحافلة التي تقلها من محطة “بن الجدية” إلى المحطة الطرقية بأسفي.
اللائحة عريضة وطويلة من المجتمع المقهور التي لا تنشد رفاهًا وإنما تمني النفس بعيش كريم، وتطبيب يليق ببني البشر، أما أولئك الذين يستفيدون من دعم الأوسيبي من زباينة الأولمبيك، نقول لهم لا نريد أندية كروية عنوانها إهدار للمال العام وتكسير لنوافذ دور السكان وترويع للآمنين وزجاج متناثر لواجهات السيارات، باسم الرياضة التي أصبحت مرادفة للبلطجة في الكثير من المناسبات، أموال رياضة تضخ بالمليارات والملايين لتحرير صفقات أو تمرير أخرى، نوادٍ على غرار أولمبيك أسفي والتي لا تقدم حتى تقاريرها المالية والأدبية خلال دوراتها العادية لرجال الإعلام وفي دورة غير بعيد تاريخها، والتي اعتبرناها مهزلة وانسحبنا منها لأنه لا تشرفنا الطريقة التي تسير بها، ولا ننتظر ظرفًا ماليًا على غرار ما صرح به أحد المستصحفين سابقًا في حقنا لا لشيء سوى ضغينة عن تغطية روتينية لجمعية محلية أقامت “الشواية” بشاطئ أسفي واستدعتنا فلبينا.
أما أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فقصة أخرى والجمعيات التي تستفيد من دعم المجلسين البلدي والقروي بمنطق القبيلة والولاء الحزبي وبسخاء حاتمي، لكل هؤلاء نقول لا نريد مشاريعكم، نريد فقط مستشفى يليق بحجم أمراضنا وأحزاننا، بمدينة عنوانها القهر والتهميش والحرمان ومقالع الرمال وتزوير للانتخابات وشراء للذمم وبرلمانيين من زمرة “الفنادقية” وتجار الريع.
ومن جهة أخرى من المقرر أن تصدر إحدى الجمعيات الحقوقية قريبًا بيانًا تدين فيه هذه التسربات وتأثيراتها البيئية على الإقليم الذي بات يشكل مقبرة للأحياء، بفعل تسرب هذه الغازات السامة التي انتشرت معها أمراض الربو والسرطانات المختلفة والتي صار مرضاها تتقاذفهم سيارات الإسعاف والحافلات والسيارات في اتجاه تلقيهم العلاجات اللازمة بمدينة البيضاء ومراكش والرباط، في حين ظلت هذه المدينة اليتيمة تعيش على كذبة إنجاز سوق استشفائية وبيع للأمراض، وعنوان مصحة نهار لا تسمن ولا تغني سكان المدينة من ضرورة التنقل إلى المدن المجاورة لإجراء العمليات والفحوصات الخطيرة.