يعتبر الفن السينمائي واحدًا من أكثر أنواع الفنون انتشارًا وشعبية، كما يُطلق عليه البعض مصطلح “الفن السابع”، مشيرين بذلك لفن استخدام الصوت والصورة معًا، من أجل إعادة بناء الأحداث على شريط خلوي.
وبالرغم من أن المسرح، يُعد أبو الفنون، إلا أن بعض النقاد والمؤرخيين الفنيين يرون أن السينما قد حققت تفوقًا ملحوظًا عليه، وذلك لأن السينما تمتلك سمة، يفتقر إليها المسرح، وهي قدرتها على تجاوز الزمان والمكان، أي يمكن القول بأن الفن السينمائي هو فن خالد، لا ينقضي عمره بانتهاء العرض على خشبة المسرح، بل تتوارثه الأجيال تباعًا.
وهناك أنواع من الفن السينمائي، فمنها ما هو أقرب للمسرح، ويشمل ذلك: أفلام الحركة والدراما وغيرها من الأفلام التي تصور أحداثًا خيالية، أو تعيد أحداثًا حدثت بالفعل في الماضي.
وهناك الفن السينمائي الوثائقي، الذي يحاول إيصال حقائق ووقائع، بشكل يهدف إلى جذب المشاهد، أو إيصال فكرة أو معلومة بشكل واضح وسلس، ومثير للإعجاب.
والسينما في حد ذاتها سحر، له عشاق ودراويش، أما أن تصنع فيلمًا سينمائيًا، يتحدث عن السينما، فهذا سحر لا يقاوم، فإن كنت واحدًا من مريدي السينما، إذن يجب عليك مشاهدة هذه الأفلام.
The Artist (2011)
ملصق فيلم The Artist
عندما بدأت السينما الناطقة، لم يتحمس لها المشاهدون، بل رأوا أنها موضة سخيفة، لكن هذا الإحساس ما لبث أن ذهب أدراج الرياح، بعدما سمع روّاد السينما أصوات الممثلين، والأصوات الخارجية، والموسيقى المصاحبة للأحداث؛ فشعروا كما لو أنهم عانوا من الصمم لفترة طويلة، ثم دبت فيهم الحياة، لتُصبح عودتهم لمشاهدة فيلم صامت مرة أخرى ضربًا من ضروب الخيال.
في عام 2011، تجرأ المخرج الفرنسي ميشال هازانفيشس Michel Hazanavicius وقدّم لعشاق السينما فيلمًا أحادي اللون أو مونوكروم، صامت، بعنوان “الفنان The Artist”.
يحكي قصة نجم الأفلام الصامتة في هوليوود عام 1927، “جورج فالنتاين”، الذي أصبح فجأة بلا قيمة – بنظر المنتجين السينمائيين – بعد ظهور الفيلم الناطق.
فنجم شباك التذاكر الأول، كغيره من نجوم السينما الصامتة، رفض فكرة العمل في السينما الناطقة، واصفًا إياها، بأنها نوع سهل بلا قيمة، وتخلو من كل أنواع الفن، ليحاول جورج فالنتاين عمل فيلم صامت مرة أخرى، فيفشل الفيلم فشلًا ذريعًا؛ تنهار على إثره إمبراطوريته، وشهرته، ويفقد ثروته، وزوجته.
وفي هذا الفيلم، تفوق ميشال هازانفيشس، على نفسه، واستطاع أن يقدم للمشاهد فيلمًا من عصور السينما الصامتة، يصعب على من يشاهده أن يصدق بأن هذا الفيلم تم تصويره وإنتاجه عام 2011، ليكون الفيلم الصامت الوحيد الذي ترشح لعشر جوائز أوسكار، وربح منها: أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل تصميم أزياء، أفضل موسيقى تصويرية، وأفضل ممثل عن دور رئيسي، كما ربح 156 جائزة أخرى، ليُصبح هذا الفيلم، أيقونة خالد في ذاكرة السينما العالمية.
Saving Mr. Banks (2013)
ملصق فيلم Saving Mr. Banks
هل تتذكر عزيزي القارئ فيلم الأطفال الشهير (Marry Poppins) من إنتاج والت ديزني؟ ذلك الفيلم الذي يحكي عن مربية رائعة، تهبط من السماء بواسطة مظلة، وينطبق عليها كل الشروط التي وضعها الطفلان اللذان ستقوم على رعايتهما.
هذا الفيلم دونًا عن باقي أفلام والت ديزني، وراؤه قصة كفاح، دوّنها فيلم “إنقاذ السيد بانكس” كاملة، فإقناع “باميلا ترافيرز” – كاتبة القصة – بالموافقة على تحويلها لفيلم من إنتاج ديزني، استغرق عشرين عامًا، فترافيز كانت متمسكة بماري بوببينز وترفض تحويلها لفيلم برّاق ساحر من إنتاج ديزني، يصور الحياة على أنها رائقة ووردية، مليئة بالسحر، على عكس الحقيقة الصادمة، لأنها آخر ما تبقى لها من عائلتها، حيث استلهمت الكاتبة، شخصية ماري بوببينز من خالتها، التي ظهرت فجأة أمام عتبة بيتهم، ومعها مظلتها وكل أنواع الأدوية المتوفرة، لتنقذهم بجديتها وصرامتها وتحملها الكامل للمسؤولية، بعدما أهلك الكحول، كبد “ترافيرز جوف” والد الكاتبة.
لترضخ الكاتبة – التي وضعت الكثير من العقبات والعراقيل أمام والت ديزني – في النهاية، بعدما أخبرها ديزني أن تحويل القصة إلى فيلم، وعد قطعه على نفسه لابنتيه، منذ عشرين سنة، والأب المثالي الحنون، يجب أن يفي بوعده.
ويمكن أن نقول إن فيلم “إنقاذ السيد بانكس”، قطعة فنية، مُغلفة بحُلة إنسانية رائعة، امتزج فيها جمال التصوير والأداء والموسيقى والأزياء، ليترشح عن جدارة للعديد من الجوائز منها الأوسكار والجولدن جلوب.
Close up (1990)
ملصق فيلم Close up
علّق المخرج الفرنسي الكبير “جان لوك جودار”، بعدما شاهد هذا الفيلم قائلاً: “السينما تبدأ عند دي دبليو جريفث، وتنتهني عند عباس كياروستامي”.
ففي صباح أحد الأيام عام 1990، قرأ “كياروستامي” خبرًا غريبًا في إحدى الجرائد، عن مواطن إيراني انتحل شخصية المخرج “محسن مخملباف” أمام إحدى الأسر الإيرانية الغنية، ليقرر كياروستامي الذهاب للمحكمة والتصوير مع الرجل الذي يدعى “حسين سابزيان”، ليكتشف كياروستامي أن وراء هذا الانتحال، قصة شغف مبهرة، جاء على إثرها هذا الفيلم بعدما صوّر عباس المحاكمة، والتقى بالمنتحل وأجرى لقاءً معه، ليقدم لنا هذا الفيلم الذي تم فيه دمج المادة الروائية بمادة وثائقية، بطريقة فريدة سرديًا.
هذا الفيلم الذي جعل سكورسيزي يقول إنه أعلى مراحل الفنية السينمائية، وصفق “تارنتينو” خمس دقائق بعد مشاهدته، وجعل “ناني موريتي” يصنع فيلمًا قصيرًا عن ليلة افتتاحه في روما، قطعة فنية، تحكي عن قصة الشغف بالسينما، والولع بها، فسابزيان انتحل شخصية “محسن مخملباف” لأن حلمه كان أن يصبح مخرجًا وصانعًا للأفلام، فتعاطف معه كياروستامي الذي رأى فيه كل مخرجي جيله، بيد أنهم مُنحوا الفرصة التي مكنتهم من صنع أفلام، على خلاف سابزيان.
لينقل لنا كياروستامي، نحن المشاهدين، هذا التعاطف والتفهم، فترانا نلتمس لسابزيان الأعذار، فما فعله لم يكن يقصد منه ضرر لأحد، كل ما في الأمر، أنه أراد أن يحقق حلمه، وأن يخوض تجربة كونه مخرجًا كبيرًا، تعامله عائلة ثرية، بقدر من الاحترام والتبجيل.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفيلم، صُنّف ضمن أفضل 50 فيلمًا في تاريخ السينما، في استفتاء نقدي أجرته مجلة “سايت أن ساوند” عام 2012.
Cinema Paradiso (1988)
ملصق فيلم Cinema Paradiso
هذا الفيلم، مقطوعة غزلية صريحة في حب السينما، أخرجه المخرج الإيطالي المتميز “جوسب تورنتوري”، في عام 1989، ويظهر فيه مدى روعة وجاذبية السينما التي لا تقاوم.
تبدأ أحداث الفيلم باتصال هاتفي من سيدة عجوز إلى ابنها، الذي لم تره منذ ثلاثين عامًا، تبلغه بوفاة صديقه العجوز، ليظهر للعيان تأثر سلفاتور أو توتو بهذا الخبر المحزن، ليأخذنا الفيلم، في رحلة طويلة مع مشاعر الحنين إلى الماضي (نوستالجيا)، والشوق إلى الذكريات الجميلة الباقية.
حيث ذكريات الطفولة، التي امتلأت بسحر السينما والأفلام التي كان يشاهدها “توتو”
في صالة السينما العتيقة (باراديسو)، تلك الصالة التي تعرّف من خلالها على الموظف العجوز (ألفريدو)، المسؤول عن متابعة آلة العرض السينمائي، فنشأت بينهما علاقة صداقة غريبة، وملفتة للنظر، فـتوتو طفل، وألفريدو كهل في منتصف الأربعينات، لم يكن يحب “توتو”، ويراه طفلاً مشاغبًا يفتقر إلى التهذيب، الأمر الذي لم يحاول توتو أن ينفيه عن نفسه، فهو بالفعل طفل مشاغب، لكنه يعشق السينما، ويصرف النقود التي أعطتها له والدته لشراء الحليب، كي يستمتع بمشاهدة فيلم ما، دون أن يبالي بما سيتعرض له من ضرب وعقاب.
هذا الفيلم المميز والحاصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 1989، والمرشح لسعفة كان الذهبية ، قطعة فنية خالصة، يجب على كل عشاق السينما ومريديها، مشاهدته.