فكل حضارة تحتاج للعنصر البشري الذي يخلقها ويستمر بها وهو جيل المستقبل لأي جيل حاضر وبالتالي هم الشباب لأي فترة زمنية ، ويحتاج هذا العنصر للغة يستطيع بها خلق عالم جديد يتميز عما قبله، وتنتقل اللغة والعلوم بها بالتعليم أيضا من خلال الجيل السابق للجيل المستقبلي فيتعلم ما هو موجود ويضيف عليه ، ما يُكتشف أو يتغير في بيئته التي يعيش فيها ، بيئته ومافيها من متغيرات عديدة اجتماعية ، علمية ، اقتصادية ، مناخية و غيرها من المتغيرات المؤثرة في حياة العنصر الأساسي الأول نفسه والذي يعد أهم العناصر ، و الذي عليه أن يعمل على تأريخ جميع الأحداث وتسجيلها لمن يأتي بعده .
دعوني أقدم نموذجا أعتبره عاما بالنسبة لفكرة الحضارة و النهضة البشرية – باعتبار أن أي نهضة تبدأ بنهضة بشرية – و ما يعقبها بالتالي من نهضة اقتصادية و اجتماعية و علمية وفكرية و ثقافية و أخرى .
المسلسل الأمريكي The Walking Dead أو الموتى الأحياء ، والذي تدور أحداثه حول مرض يتسبب في عودة الموتى الى الحياة وأن كل من يتعرض لعضة من المصابين بالمرض يتحول بنفس المرض ، المثير في الامر ليست هذه الجزئية الخاصة بالموتى الاحياء أنفسهم ولكن الاهم هو ما يحدث بين البشر أنفسهم في ظل ظروف اللعنة الجماعية عليهم ، بحيث يبدأ فعليا العمل بقوانين الغابة لدى البعض ويصبح الجميع قتلة فقط لكي يحصلوا على مكانة أكبر أو يحتفظوا به ، ما استوقفني في حلقات المسلسل هو مشهدين يتحدث فيه أحد أفراد المجموعة التي تدور حولها الأحداث فيما كان رأي أحد أفراد المجموعة و هو الأكبر عمرا بينهم : أن الفكرة ليست في كون الأمر قرار بالموت او الحياة و انما بفقد الانسان آدميته ، و أن سقوط العالم الذي نعيش فيه بتحضر لا يعني أن نفقد معها خصائص تحضرنا كمجتمع بشري ، و أنه دوما لدينا الاختيار بين أن ننساق للقانون الغابة أو أن نحتفظ بآدميتنا وتحضرنا .
خلاصة ..
إذا أردت بناء حضارة لابد أن تعي أن بناء الانسان الذي هو أساس أي حضارة فأنت تحتاج لأخلاقيات ترتقي بعلاقات البشر بينهم أولا ، وأنها الخطوة الأولى لأي نهضة تليها في المواد التي تملك والعناصر الأساسية الأخرى وكل ما تمر به المجموعة في زمن ما لينتقل لابد له من خلال تمريره لمن يليه بالتعليم والتدريب والتجربة .
و أن سقوط أي حضارة يبدأ بخلل أخلاقي وفساد إداري ومجتمعي ، وإذا ما نظرنا للحضارة الإسلامية باعتبارها أعظم الحضارات بما خلفته من علوم واختراعات ومناهج فكرية للعالم الحالي والذي قد تمثله الأندلس ، وأن سقوطها كما أي حضارة كان قد بدأ بتغييب عقول الشباب فيما لا يفيد من علم ومن أخلاقيات وقتل آدميتهم بسفك دمائهم بينهم .