واحد + واحد يساوي خمسة وربما ستة وربما أحيانًا تسعة، حسب ما يهوى الجنرال، لا مجال للرياضيات في هذا المقام، هذا ليس مقامًا للتعليم، ولا محاضرة عن أساسيات وقواعد الرياضيات البسيطة، هذا مجال الفهلوة، والضحك على الذقون الذي يحفظ السيسي لنفسه فيه مكانًا مرموقًا منذ يومه الأول في كرسي السلطة أو حتى قبل ذلك.
هي نفس العملية الحسابية، التي بنى عليها السيسي مشروعه الانتخابي، حيث حل مشاكل البطالة، بألف سيارة للتجارة في الخضراوات يعمل عليها ثلاثة شباب، دون النظر إلى أن الحسبة البسيطة لهذه المعادلة، إن توافقنا مع معطياتها، ستنتج حل مشكلة ثلاثة آلاف شاب فقط، ضاربًا بالبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عرض الحائط، والتي تقول إن عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 3.7 مليون، عام 2014!
هي بالمناسبة نفس القاعدة، التي بنى عليها السيسي، مشروعه الخاص بالطرق والكباري، التي “ستمسك مصر كده”، فيرد الحاضرون وهم إعلاميوه، كيف؟ فيجيب أنه يعلم ما يفعله وما يريد أن يفعله.
في أغسطس عام 2015 وقف السيسي، مهاجمًا التصريحات التي تشكك بحجم إيرادات تفريعة قناة السويس الجديدة، بعد افتتاحها بأيامٍ قليلة، مؤكدًا أن الحكومة قد استردت تكلفة إنشاء التفريعة والتي بلغت عشرين مليار جنيه، رغم أن بيانات حكومته تتعارض كثيرًا مع هذا الادعاء، حيث أظهرت خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي والتي صدرت قبل أيام من افتتاح التفريعة، استهداف الحكومة ارتفاع إيرادات قناة السويس بقيمة لا تزيد على 100 مليون دولار فقط في 2015- 2016 (عام افتتاح المشروع الجديد)، لتصل إلى 5.5 مليارات دولار، مقابل 5.4 مليارات، وبعد عام من افتتاح التفريعة، قال موقع أصوات مصرية التابع لوكالة رويترز إن إيرادات القناة، في عام 2015 تراجعت إلى 5.175 مليار دولار، مقابل 5.465 مليار دولار عام 2014، بتراجع 290 مليون دولار.
هذه الأحداث البسيطة، التي تعبر عن فهلوة النظام، لا يمكن حين تذكرها، نسيان الحل العبقري الذي أطلقه إبراهيم محلب حينما كان رئيسًا للوزراء، وطلب من الشباب العاطل، أن يعمل على التوكتوك، بينما تقوم حكومته أصلًا بحظر قيادة هذه المركبة، ويتم مصادرتها من سائقها في شوارع القاهرة والجيزة.
وحينما برزت أزمات المواد الغذائية، خرج علينا مسؤولون حكوميون، ليطالبوا المصريين، بعدم أكل “البانيه” لأن سعره أصبح غير معتاد، ويخرج علينا أحمد موسى، بمشهد كوميدي غير معتاد، ليطالب الزوجة المصرية، بتحضير إفطار في رمضان، يحتوي على “ماء وسكر في كوباية”، فقط، ومؤخرًا، بدأ المسؤولون بمطالبة المواطنين بالتحلية بالعسل بدلًا من السكر، والامتناع عن أكل المحشي توفيرًا للأرز.
حتى السيسي اليوم، يطالب المصريين، بعدم سماع أصواتهم من الشكوى من اختفاء المواد الغذائية، ليؤكد لهم، أن ثلاجته لم تحتو على مدار عشر سنوات سوى على المياه، وذلك في مؤتمر، تكلفة إقامة المشاركين فيه تقارب، الخمسة ملايين جنيه، حسب تقديرات بعض المواقع المحلية.
وبعيدًا عن البذخ الذي يتحلّى به نظام السيسي، من شراء طائرات خاصة فارهة، وتجديد أسطول السيارات الخاص بالوزراء من جيوب الشعب، وصولًا إلى الفعاليات التي تكبد الدولة ملايين الجنيهات، إلا أن المزعج هذه الأيام ما يطلبه الجنرال من الشعب بالتقشف، وذلك في الأيام التي يعلن فيها الجهاز المركزي للمحاسبات، أن نسبة الفقر المدقع في البلاد وصلت إلى 5.3 من إجمالي عدد السكان العام الماضي، وهم الذين يعيشون بحوالي 35 دولارًا شهريًا، بواقع دولار واحد يوميًا! وتقارب نسبة الفقر العام في البلاد إلى 28% من عدد السكان، في ظل تقارير دولية، تشير إلى تراجع نسبة الفقر في العالم، لكن، مصر غير بكل تأكيد.
والحق، أن مبارك الذي أفسد البلاد على مدار ثلاثين عامًا، لم يصل بالمصريين إلى ما أوصله السيسي لهم في عامين فقط، ويؤكد لنا اليوم، أنه من واقع منصبه لن يتخلى عن المسؤولية التي حملها إياه الشعب! أي شعب؟ إن الشعب الذي تتحدث عنه يا سيادة الزعيم، وتطالبه بالتقشف وسترفع عنه الدعم خلال الأيام القادمة، لم يعد يجد في عصر فخامتك، ما يقتات عليه، فأضحى يرسل أبناءه إلى المجهول، إلى البحر.
وبينما أنت جالس في منتجع شرم الشيخ بين شبابك الذين اخترتهم بعناية، يصرّح مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة إن هناك 1575 طفلًا مصريًا هاجر إلى إيطاليا وحده، دون أهله منذ بداية العام الحالي، وبذلك فإن مصر أصبحت في المرتبة الأولى بين البلدان المرسلة للأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم إلى روما، والسبب هو البحث عن فرص معيشية أفضل.
هذا هو الشعب الذي قلت سابقًا إنه لم يجد من يحنو عليه، ألا تزعجك هذه الأرقام؟ متى ستنغّص هذه الإحصائيات المرعبة، عليك عيشتك، فتقرر أن تترك الشعب ليحدد مصيره، فتترك الناس، ليعيشوا حياةً كريمة، بعد الذُل والظلم الذي أذقتهم إياه؟
نحِ فهلوتك جانبًا، وارحل: يتوسّل إليك ملايين المصريين.