ترجمة وتحرير نون بوست
يجتمع الزعيمان، التركي والروسي، من جديد بشأن اتفاق ثنائي وسط صمت الولايات المتحدة، حيث يهدف هذا الاتفاق إلى وقف المجازر، في المقابل ضمان المزيد من النفوذ.
يقوم الاتفاق المبرم على تخلي أردوغان عن مساندة المعارضة السورية المحاصرة في مدينة حلب، مقابل تخلي بوتين عن دعمه للقوات الكردية السورية، وفي ظل كل ذلك، لم تحرك الولايات المتحدة ساكنًا.
أثبتت القوات الكردية السورية التابعة لوحدات حماية الشعب جدارتها في تحرير مدينة عين العرب، إلى جانب العديد من المحافظات، من قبضة تنظيم الدولة، كما نجح هذا الإقليم في إقامة دستور يكرس مبادئ الديمقراطية والتعددية ويعزز مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع المناصب العامة، بما في ذلك المجال العسكري.
بالإضافة إلى الإناث، ضمت القوات الكردية العديد من المقاتلين المتطوعين الأجانب، من بينهم الإيطاليين والألمانيين والإسبانيين والأمريكيين، وذلك لمساعدتهم على محاربة تنظيم الدولة.
ومنذ ما يربو عن أسبوع، شنّت تركيا بالتعاون مع المعارضة السورية هجمات عنيفة بالقرب من مدينة مارع، حيث سقط على إثرها عشرات الضحايا من المدنيين والقوات الكردية، كما قادت هذه الأحداث الأخيرة كلاً من بوتين وأردوغان إلى التفكير في التوصل لاتفاق بهدف وقف المجازر أولًا ومنع الخطر المتأتي من الأكراد ثانيًا.
لقد أصبح خطر “الوحدة الوطنية” الذي يعمل لأجلها الأكراد السوريون اليوم وشيكًا وملموسًا بالنسبة لتركيا، وهو ما دفع أردوغان إلى تغيير توجهه الذي استهدف في البداية الرئيس الأسد وركز على ضرورة التصدي لخطر “الوحدة الكردية” المستقلة بدل القضاء على نظام الأسد.
وقد وجد أردوغان أن أهدافه تغيرت وأنه أصبح يستطيع التعامل مع بوتين والتعاون معه على هذا الأساس عن طريق إبرام اتفاق يقوم على إنهاء الدعم التركي للمعارضة السورية الموجودة في مدينة حلب مقابل تخلي روسيا عن دعمها للأكراد، وتهدف تركيا بالأساس إلى الاستفادة من موافقة روسيا حتى تتمكن من توجيه تركيزها على الأكراد.
اتهمت تركيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2015، روسيا بانتهاك المجال الجوي التي كانت تسيطر عليه سوريا في تلك الفترة، ذلك أن هذه السيطرة كانت بسبب خطأ تكتيكي من قبل تركيا، وكان رد روسيا قاسيًا إلى حد ما، حيث عمدت إلى إرسال أنظمة متقدمة مضادة لطائرات “إس 300″ و”إس 400” قادرة على ضمان سيطرة كلية على الحركة الجوية في المنطقة.
أثرت هذه التوترات كثيرًا على العلاقات بين هاتين القوتين ولم تعد تركيا قادرةً على التعامل في سوريا بطريقة مباشرة في ظل تواجد روسيا، مما سرع من بداية عملية “درع الفرات”.
اعتبر الاتفاق الذي قرره أردوغان خطوة جريئة وحكيمة من قبل العديد من المحللين وقد صنفوه بمثابة حل وسط بالنسبة لأردوغان سيساعده على تحقيق طموحه، مع ذلك، يرى الرئيس التركي أن التدخل الروسي في سنة 2015، إلى جانب حصيلة الهزائم المتكررة التي تعرضت لها المعارضة السورية، جعله مضطرًا إلى إعادة إدارة وضع أصبح يشكل خطرًا استراتيجيًا من شأنه أن يهدد الشأن القومي.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الاتفاق طريقة جديدة ستساعد أردوغان على التقليص من حجم الأضرار التي يعتقد أنها ستهدد نفوذه، ومن جهة أخرى، يعد الطرف التركي ضعيفًا مقارنةً بالطرف الروسي ومقارنةً بما كانت عليه الدولة العثمانية من قبل، ولذلك ستكون الشروط المنظمة للاتفاق صارمة للغاية.
في الواقع، يبدو أن روسيا قد أيدت تركيا في اتفاقها الذي يخول لها استهداف الأكراد السوريين بهدف منعها من الاستيلاء على مدينة الباب السورية التي لم يكن بمقدورها السيطرة عليها مع وجود المعارضة المدعومة من قبل تركيا، على الرغم من أنه من الممكن أن تقوم بالسيطرة عليها في أية لحظة، وذلك وفقًا للنتائج التي ستنجر عن معركة حلب الشرقية.
توجد مدينة الباب على بعد 30 كم من مدينة حلب، ومن المرجح أن بوتين يخشى عواقب استجابة المعارضة السورية لنداء المعارضة المحاصرة في الجنوب، الذي بقي فيه الاشتباك مفتوحًا.
وعمومًا، حتى وإن خسر كل من الأسد وروسيا معركة حلب، فستبقى مدينة الباب في قبضة تنظيم الدولة، وتبعًا لذلك، ستبقى المعارضة الموالية لتركيا محاصرة بين غرب عفرين الكردية وشرق كوباني وسيزر.
التزمت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الصمت، إذ اختارت السكوت على الرغم من كونها حليفة الأكراد في مكافحة تنظيم الدولة، وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون ماير كيربي، إن “الولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها اهتمام بالتوتر القائم حاليًا بين الأكراد والأتراك وإنها لا تقوم بتتبع ما يدور بين الطرفين”.
تأمل الأطراف المتدخلة في سوريا في أن يقتصر الصراع على منطقة محدودة فقط، وعمومًا، لا ترغب الولايات المتحدة في تسيير الأكراد، خاصة بعد تفاقم التوتر مع تركيا، كما أن الولايات المتحدة لا ترغب في إيجاد حلول لمعركة حلب في أقرب وقت ممكن، سواء عن طريق تلقي يد المساعدة من قبل كل من أردوغان وبوتين أو عبر التضحية بالأكراد.
المصدر: صحيفة لنكيستا