تقرير من إعداد خالد وليد محمود
صدر مؤخرًا عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً بعنوان منظومة الأمن الإسرائيلي والثورات العربية، من تأليف الباحث الفلسطيني الدكتور عدنان أبو عامر. يسلط الضوء على التفاعل الأمني الإسرائيلي مع الثورات وحركات التغيير في المنطقة العربية في حوالي 198 صفحة من القطع المتوسط معتمدًا بشكل أساسي على كل ما صدر عن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ومراكز البحث، من دراسات وتقييمات وتقديرات موقف، خاصة باللغة العبرية.
تأتي هذه الدراسة انطلاقاً من كون المنظومة الأمنية الإسرائيلية راقبت الثورات العربية، بعين الترقب والقلق، وسارعت لدراسة السيناريوهات المستقبلية، لشكل علاقاتها في مرحلة ما بعد الثورات مع محيطها العربي، خصوصاً مع الدول التي ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية ومعاهدات سلام.
وتسلط الدراسة الضوء على التفاعل الأمني الإسرائيلي مع الثورات العربية، من خلال رصد الأجهزة الأمنية للحراك العربي في شوارع العواصم المحيطة، والإجراءات الأمنية المتلاحقة لوقف النتائج السلبية لهذه الثورات على الواقع الإسرائيلي، والتنسيق الأمني الذي بادرت إليه المنظومة الإسرائيلية مع الأنظمة العربية، وحلفائها حول العالم، لكبح جماح المد الثوري العربي.
انطلقت الدراسة من فرضية مفادها أن التغيرات العربية الشعبية التي انطلقت شرارتها من تونس، وانتقلت إلى مصر وليبيا، فاليمن وسوريا، ودول عربية أخرى، شكلت زلزالاً سياسياً، اهتزت لشدته كافة الدول الإقليمية والعالمية، نظراً للأثر الذي ستلعبه في رسم مستقبل المنطقة.
وجاء تخصيص الدراسة للتقييم الأمني الإسرائيلي، لأن “إسرائيل” من أهم الدول التي راقبت الأحداث في المنطقة العربية، بعين الترقب والقلق، وسارعت إلى دراسة السيناريوهات المستقبلية، لشكل علاقاتها في مرحلة ما بعد التغيرات مع محيطها العربي، خصوصاً مع الدول التي ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية ومعاهدات سلام.
ما يلفت خلال تصفح الدراسة أن الأوساط الأمنية الإسرائيلية كانت تعلم مسبقاً أن جميع شروط قيام الثورات العربية موجودة منذ سنين كثيرة، لأن سنوات ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، شهدت سيطرة نظم مستبدة في مناطق كثيرة في العالم: شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا.
انشغلت الدراسة بقراءة وتحليل جملة من السيناريوهات المتوقعة لمنطقة الشرق الأوسط في ظل الثورات العربية، ومن أهمها:
السيناريو الأول: نجاح الثورات والانتفاضات الشعبية في تحقيق تغييرات جذرية في المنطقة العربية، تؤدي لصعود قوى وطنية وإسلامية للقيادة، وبشكل يؤدي لقيام مشروع عربي إسلامي نهضوي جديد، يوفر فضاءً استراتيجياً، ويؤدي لتغيير في موازين القوى في المنطقة.
السيناريو الثاني: نجاح جزئي للثورات العربية، يؤدي لتحسين ظروف الحياة السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، دون أنْ ينشغل بعملية الصراع مع “إسرائيل”، أو أنْ يسعى لتغيير موازين القوى في المنطقة، أو السماح للقوى المعادية لـ”إسرائيل” بالنمو لدرجة قد تجرّه للمواجهة العسكرية معها.
السيناريو الثالث: فشل الثورات العربية في تحقيق أهدافها، وعودة الأنظمة الفاسدة المستبدة لإنتاج نفسها من جديد بأثواب مختلفة.
السيناريو الرابع: حدوث آثار عكسية لا تؤدي فقط لفشل الثورات العربية في تحقيق أهدافها، وإنما نجاح القوى المضادة للثورة.
أخذت الدراسة بعين الاعتبار ما وضعته المنظومة الأمنية الإسرائيلية من نقاط الانطلاق المركزية ضمن محاور تفكيرها وتفسيرها لما يحصل حولها من ثورات واضطرابات، وتتمثل في:
- توجهات البيئة العالمية
فالثورات ماضية في تحديد وجه المنطقة في السنوات المقبلة، ومن أهم تأثيراتها تذليل الحدود بين الدول كحاجز لنقل المعلومات والبشر والتكنولوجيا والثروات، مقابل استمرار مؤسسات دولية في لعب دور هام في المنظومة الدولية، لكن هناك اتجاه معاكساً لهذه الثورات تتمثل بصعود قوى محلية في دول سلطة الحكم فيها ضعيفة مثل: السلطة الفلسطينية، العراق، لبنان، أفغانستان، وهذه المناطق يمكن اعتبارها بمثابة “وسادة” لنمو الأطراف المعادية لـ”إسرائيل”.
- التوجهات في البيئة الإقليمية
سيستمر الصراع العربي الإسرائيلي في تصدر الأجندة الأمنية والسياسية في “إسرائيل” ودول المنطقة كـ”صراع قومي وديني وثقافي”، في صلبه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أما على المسار السوري واللبناني، فإنّ الثورات القائمة في المنطقة ستجعل بالضرورة نوعاً من الصعود والهبوط في المسار السياسي، في ظل أن غالبية الدول العربية أصبحت تقر وتسلم بقيام “إسرائيل”، دون استبعاد صعود في قوة القوى الممانعة للتسليم والاعتراف بوجودها.
- التنظيمات الإسلامية المحلية والعالمية
التي شهدت تنامياً وتعاظماً في ظل الثورات العربية، ستستمر في تحديد “إسرائيل” كعدو يجب تدميره، وإن لم يحتل أولوية لديها، بسبب معاركها الداخلية.
هذه التطورات العربية، جعل الدراسة ترى دافعين هامين في تغير قراءة المنظومة الأمنية الإسرائيلية للواقع العربي، وهما:
١- تغير طبيعة التهديدات الأمنية التي تحيط بإسرائيل، حيث تعاظم قوة التهديدات الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى تزايد الحاجة للدور الأمني والاستخباري لتولي مهمة معالجتها،
٢- المستجدات الميدانية على “البيئة الخارجية” التي تعمل فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية.
هذه الدراسة تخرج إلى الضوء في وقت تدخل فيه الثورات العربية عامها الخامس، وسط حراك إسرائيلي متلاحق على مدار الساعة، وأرجو أن تكون إضافة نوعية حقيقية للمكتبة العربية، لاسيما في شقها الأمني الاستخباري، وهو الجانب المظلم لدى القارئ العربي، لأن الإسرائيليين ما زالوا يتكتمون عليه، رغم تسريبهم معلومة هنا، وخبر هناك، بصورة موجهة مدروسة.
تظهر الدراسة في فصولها اللاحقة أن التقييم الأمني الإسرائيلي للثورات العربية تلخص في أن ما بدا “ربيع عربي” انتهى إلى “شتاء إسلامي”، وهذه البداية فقط، فليس الحديث عن نشوء ثورة تؤدي لنموذج ليبرالي أو علماني أنجلو-أمريكي للديمقراطية؛ ولا تغيير غير عنيف، ولا “أثر الدومينو” السريع كما حدث شرق أوروبا، بل ظاهرة تُغير وجه الشرق الأوسط كله.
تخلص الدراسة إلى أن دراسة واقع التطورات العربية وأثرها على المنظومة الأمنية الإسرائيلية، يتعلق بأخذ “كرة الثلج” هذه، ورؤيتها تتعاظم رويداً رويداً، بحيث إذا ما تغيرت الأنظمة العربية المقربة من الغرب، وبالضرورة “إسرائيل”، فإن الموقف سيتغير على نحو جذري، ولن يكون بوسع تلك الأنظمة تجاهل مشاعر جماهيرها فيما يتصل بالعلاقة مع تل أبيب، وحتى الدول التي قد لا تتغير أنظمتها بالكامل لاعتبارات معينة، فإنها ستضطر لتغيير موقفها إيجابياً من القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي.