ترجمة حفصة جودة
عندما تقاتل الولايات المتحدة في حروبها بالشرق الأوسط، فإنها تقوم بعادة سيئة، تتمثل في تجنيد قوى محلية كوكلاء لها، ثم تتخلى عنهم عندما تصبح الأمور أكثر صعوبة أو يحدث تدخل سياسي إقليمي.
هذا النمط من الإغواء ثم الهجر هو أحد أقل الخصائص المحببة لدينا، وهو أحد أسباب عدم ثقة الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، فنحن لا ندعم الأشخاص الذين يخاطرون بالنيابة عنا في العراق ومصر ولبنان وغيرهم، والآن أخشى أن هذه المتلازمة تتكرر الآن في سوريا، حيث تعرضت وحدات الدفاع الشعبي الكردية “YPG”، وهي أفضل حليف للولايات المتحدة في حربها ضد داعش، للقصف من الجيش التركي.
بالنسبة لي، تعتبر القوات الكردية حالة خاصة، لأنني حظيت بفرصة لقاء بعض من أفرادها بشهر مايو، في معسكر لتدريب القوات السرية الخاصة الأمريكية شمال سوريا، إنهم يواصلون القتال حتى آخر رجل – وأحيانًا امرأة – حيث قاموا بطرد الدولة الإسلامية من معاقلها، ويروي ضباط العمليات الخاصة المنضمون للقوات الكردية، مآثرهم في ساحة المعركة باحترام عميق، معبرين عن ذلك بما يسمونه “أخوة الكفاح الوثيقة”.
للأسف، التحالف مع الولايات المتحدة قد يكون اقتراحًا خطيرًا في الشرق الأوسط، في يوم الخميس الماضي، قالت تركيا إن طائراتها الحربية قصفت 18 هدفًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية شمال سوريا، فالأتراك يرغبون في منع القوات الكردية من الاشتباك مع مقاتليها في منطقة عفرين شمال غرب حلب، كما يرغبون في منع الأكراد من القيام بدور قيادي في تحرير الرقة (عاصمة الدولة الإسلامية) كما خططت الولايات المتحدة.
ونتيجة للهجوم التركي، حذر مسؤول في البنتاغون قائلاً: “إذا لم تتوقف تركيا عن ذلك، فسوف يتم إجهاض خططها في الرقة”، وقالت مصادر كردية إن الولايات المتحدة لم تستجب لنداءات الاستغاثة في عفرين، لذا لجأت القوات الكردية لروسيا.
تمت صياغة التحالف بين الولايات المتحدة والقوات الكردية “YPG” في أثناء تحرير كوباني من أيدي الدولة الإسلامية أواخر عام 2014، وكان الأكراد حينها لا يتعدون بضعة آلاف مقاتل حين تدخلت قوات العمليات الخاصة الأمريكية.
وقد قدم هذه المساعدة لاهور طالباني، رئيس مخابرات الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث أرسل عددًا من عناصره إلى كوباني مع أجهزة تحديد المواقع GPS وذلك لاستدعاء الدعم الجوي الأمريكي من خلال مركز العمليات في مقر الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية بالعراق.
وقال طالباني في مقابلتي معه: “ما قمت به كان هو الصواب”، وأوضح أن نجاح القوات الكردية ضد الدولة الإسلامية أنقذ حياة الأكراد في سوريا، ورفع الضغوط عن القوات الكردية في العراق، التي تقاتل الآن لتحرير الموصل من المتطرفين.
احتضنت إدارة أوباما القوات الكردية، لأن الانتصار في معركة كوباني كان أول نجاح في ساحة الحرب الكبرى ضد الدولة الإسلامية، في الماضي كان للولايات المتحدة حليف يستطيع القتال، ولكن هذا التحالف بُني على خط التصدع العرقي، الذي تمزق في أغسطس عندما استولت قوات وحدات الدفاع الشعبي على مدينة منبج السورية الأثرية القديمة الواقعة جنوب الحدود التركية، وبعد بضعة أسابيع قام الأتراك بغزو سوريا وبدأوا بقصف أهداف كردية.
كانت الولايات المتحدة قد حاولت، دون جدوى، الحد من حالة العداء التركي الكردي، فقبل بدء الهجوم على منبج في مايو أحضرت وفدًا من القوى الديمقراطية السورية – وهو الائتلاف الذي يشرف على القوات الكردية شكليًا -، إلى قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، ولكنها لم تعد كونها جهودًا على ورق بسبب اشتداد الخلافات التركية الكردية عقب محاولة الانقلاب في تركيا يوليو الماضي، ويقال إن بعض الجنرالات الأتراك الذين التقوا بالقوى الديمقراطية السورية محتجزون الآن للاشتباه في علاقاتهم بالانقلاب.
كانت الطموحات التركية قد تضخمت بعد أن عزز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من سلطته عقب الانقلاب، حيث تقوم القوات التركية بمضايقة القوات الكردية وقامت بتعزيز الشريط الحدودي مع سوريا، كما قامت أيضًا بالتقدم في العراق، سعيًا للحصول على دور في تحرير الموصل رغم تحذير الولايات المتحدة لتركيا بالبقاء بعيدًا، لكن أردوغان يتحدث عن حلب والموصل كولايات عثمانية سابقة.
ربما يجب على الأكراد أن يكونوا أكثر وعيًا بخصوص التحالف مع الولايات المتحدة أو الثقة في بقاء تركيا بعيدًا، فالتاريخ الكردي عبارة عن قصة من الخيانة، ولحسن حظ الولايات المتحدة، لا تزال هناك بعض النوايا الحسنة نتيجة “عملية توفير الراحة” (حظر الطيران فوق شمال العراق الذي فرضته الولايات المتحدة بعد حرب الخليج عام 1991، ما ساعد على تشكيل حكومة كردية إقليمية مزدهرة في العراق).
غير أن الشعوب في الشرق الأوسط تعلموا توخي الحذر إزاء الوعود الأمريكية، فقد رفض أحد زعماء المسيحيين في العراق مقترحات بمساعدات أمريكية جديدة، بعد رحيل الدولة الإسلامية، حيث قال: “سوف تتخلى عنا، هذا ما تفعله دائمًا”.
المصدر: واشنطون بوست