أدت الحرب في اليمن والتدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية إلى توقف النشاط الاقتصادي في البلاد، إضافة إلى توقف كامل لعائدات النفط التي كانت تغطي نحو 70% من ميزانية الدولة؛ ما أدى إلى ضعف توليد الكهرباء وشح الوقود وإغلاق العديد من المصانع الكبيرة والصغيرة، ما تسبب في خسارة مئات الآلاف من العمال لأعمالهم وخروج الشركات الأجنية والمنظمات الدولية من اليمن وسحب أموالها أو تعليق أعمالها لأجل غير محدد.
وتعمل منظمة الصحة العالمية في كل سنة على مسح الوضع الصحي والغذائي في المحافظات اليمنية لمعرفة حجم الأزمة وطرق علاجها، إلا أن الأرقام الصادرة مؤخرًا تشير أن إعلان المجاعة في البلاد بات وشيكًا.
إرهاصات المجاعة في اليمن
تعتبر منظمة الصحة العالمية أن مستوى الطوارئ المحدد للوضع الغذائي في العالم 15% بينما وصلت المعدلات في بعض محافظات اليمن كما في محافظتي تعز والحديدة إلى 25% و31% على التوالي، أي أكثر بـ 16 نقطة مئوية عن الوضع المحدد لسوء التغذية الحاد، يموت السكان من شدة الجوع والأمراض، وقد سجلت اليمن خلال اليومين الماضيين في محافظة الحديدة جنوب غرب اليمن ثلاث وفيات بسبب سوء التغذية.
كما تفيد الأرقام الواردة من المنظمات الدولية أن أربعة من كل خمسة يمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي أي يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم ولا يؤمنون طعامهم في اليوم التالي.
اليمن يستورد 90% من متطلبات المواطنين الغذائية قبل اندلاع الأزمة.
علمًا أن سوء التغذية في اليمن أمرًا ليس بالجديد أو طارئًا في البلاد، إذ تعاني من أزمة مزمنة ما قبل الأزمة، ولكن الحرب المندلعة في البلاد بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وقوات التحالف العربي بقيادة السعودية المتحالفة مع قوات عبد ربه منصور هادي زادت من حدة تلك الأزمة بشكل كبير وهددت الأمن الغذائي في البلاد ووضعته على شفا المجاعة، حيث تقدر تقارير الأمم المتحدة أن عدد العاجزين عن تلبية احتياجاتهم الغذائية بــ 14.4 مليون نسمة بما في ذلك 7.6 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
فالمدن اليمنية تشهد وضعًا إنسانيًا صعبًا وتدهورًا في الوضع الصحي وصعوبات تحول دون وصول المنظمات الدولية في مناطق النزاع المسلح، فالمجاعة تحاصر الأطفال، إذ إن هناك أطفال مصابون بسوء التغذية الحاد ومعرضون لخطر الموت أكثر بعشر مرات من أقرانهم الأصحاء في حال عدم علاجهم في الوقت المناسب بسبب ضعف المناعة لديهم.
وفي أرقام سابقة أشارت المنظمات العاملة في اليمن لمكافحة سوء التغذية أن هناك 3 ملايين شخص يحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة منهم 2.1 مليون يعانون من سوء تغذية حاد في الوقت الحالي، وهذا يمثل زيادة بنسبة 65% في الأشخاص المحتاجين مقارنة بأواخر عام 2014 بحسب تقرير للأمم المتحدة.
المتحدث باسم منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة “يونيسيف” في صنعاء ذكر أن الوضع الغذائي للأطفال باليمن يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، فهناك نحو مليون ونصف من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية وأكثر من ربعهم يعانون من سوء تغذية حاد وهو الهزال الشديد الذي يؤدي للوفاة في حال عدم علاجه.
ويوجد أقل من مركز واحد من كل خمسة مراكز للتغذية في اليمن لا تزال تعمل في اليمن بينما تعمل فرق متخصصة لمنظمة الصحة للتأكد من عدم إصابة الأطفال بسوء التغذية، لكنها تعجز عن الوصول إلى مناطق يحتدم فيها القتال مثل حضرموت الواقعة تحت سيطرة تنظيم القاعدة في شرقي البلاد.
يوجد 3 ملايين شخص يحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة منهم 2.1 مليون يعانون من سوء تغذية حاد
فالأطفال لا يتلقون العناية الطبية اللازمة ولا يتناولون جرعات التطعيم المجدولة إما لأن المراكز الصحية لا يصلها التيار الكهربائي أو لا يتوفر لديها الوقود اللازم لتبريد اللقاحات وتوزيعها أو بسبب سوء الأوضاع الأمنية التي تمنع الأهالي من أخذ أطفالهم لمراكز التطعيم لأخذ اللقاحات اللازمة.
ما يؤدي لتعرض الأطفال لأمراض يمكن الوقاية منها مثل أمراض الحصبة والالتهاب الرئوي وغيرها، وأشارت اليونسيف أن الانقطاع في خدمات التطعيم يعرض نحو 2.6 ملايين طفل دون سن الـ 15 لمخاطر الإصابة بالحصبة وهو مرض فتاك ومنتشر في أوقات الحروب والنزوح السكاني.
الاقتصاد اليمني منهار
الاقتصاد اليمني أحد الاقتصادات الضعيفة في المنطقة، يعتمد تمويل الميزانية على المساعدات الدولية ومن بيع الموارد النفطية ويعاني من مشاكل هيكلية كالفساد والنزاعات المرتبطة بالقبيلة، ويستورد اليمن 90% من متطلبات المواطنين الغذائية قبل اندلاع الأزمة.
ويشير خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد اليمني دخل مرحلة الانهيار الجزئي عندما توقفت معظم الموارد الاقتصادية عقب الحرب والانقلاب الحوثي على عبد ربه منصور هادي، بينما بات يواجه شبح الانهيار الكلي نظرًا للصعوبات في صرف رواتب الموظفين وتدهور العملة المحلية وارتفاع نسبة العجز الحكومي والمديونية الحكومية وتفاقم معيشة المواطنين فضلًا عن استمرار الحرب وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
وأشار تقرير صادر عن البنك الدولي أنه قبل عمليات التحالف العربي في مارس/ آذار 2015 يعيش أكثر من نصف سكان اليمن تحت خط الفقر و45% منهم يعانون من تدهور الأمن الغذائي، وفي الوقت الحالي هناك نقص في جميع السلع الأساسية وأكثر من 6 ملايين يمني يقفون على حافة المجاعة.
كما أشارت تقارير للأمم المتحدة أنه بين مارس/ آذار ويونيو/ أيار 2015 إلى ارتفاع كبير في بعض المواد الأساسية بسبب حالة فقدان الأمن والاستقرار والحرب كأسعار الدقيق وغاز الطبخ بنسبة إلى أكثر من 300% وسعر البترول إلى حدود 1400% في ظل انعدام البترول في 7 محافظات بشكل كامل.