أصبحت أكره نور الشمس، لأنه دليل على بداية يوم آخر من العذاب الذي يطلقون عليه اسم العمل، أسوأ ما في حياتي أنهم يعتبرون عذابي في سبيل خدمتهم هو السبب الوحيد الذي خلقت من أجله، هم لا يتصورون أن لحياتي هدفًا آخر، وأنا مع الوقت أصبحت مثلهم لا أعرف شيئًا في الحياة غير ذلك، أصحو من النوم لأعمل وأنام لأصحو وأعمل، وهكذاعشت حياتي منذ غدوت ثورًا قادرًا على الدوران في الساقية.
المهم أنني يجب أن أستيقظ الآن، لكي لا يأتي مالكي ويضربني ويسبني بأقذع الألفاظ وهو يتصور أنني لا أفهم، ولكني في حقيقة الأمر أفهم عن طريق إحساسي، فالمشاعر لغة كونية يفهمها الجميع حتى ثور مربوط في ساقية، الكل في هذا العالم يحصل على يوم إجازة إلا اثنين، ثور في ساقية، وعامل في بلد بلا قانون كالتي أعيش فيها، عرفت ذلك لأنني أرى عم صابر العامل يمر بجواري كل يوم، أنظر إليه برثاء فأنا أعرف معاناته، ولكن هل يعرف هو أنني أشعر بهذا.
لقد علمت من زوجتي الجديدة وهي بالمناسبة أجنبية وفدت إلينا من نيوزلندا، أن هناك شيء ما يسمى بالقانون، هذا القانون له أثر غريب عليهم كما حكت لي في أثناء نوبة بكائها بعدما قام صاحب المزرعة بضربها بالعصا في الطريق، حينما أصر على تحميلها أجولة تفوق طاقتها، هي استغربت جدًا من مساعدة الشرطي لصاحب المزرعة في ضربها، وكانت قد ظنت أن الفرج جاء بمجيئه، والوصية الوحيدة التي قالها الشرطي، أن تذبح هذه البقرة وتستبدل بحمار أو حصان، وشدد على صاحبنا أن يحجز له قطعة لحم معينة من زوجتي بعد ذبحها.
أخبرتني زوجتي أن القانون هناك يسري على الجميع حتى البشر، فكرت أن هذا بالتأكيد يشمل عم صابر العامل، وقلت إنه سيسر جدًا لو عرف بموضوع القانون هذا، ولكن من أين يأتي العم صابر ببقرة من نيوزلندا لتخبره بوجود القانون؟
أخذني ابن صاحب المزرعة إلى الساقية، فوالده اليوم في إجازة، لي أسبوع وأنا أشعر بأنني لست على ما يرام، اليوم تدهورت صحتي أكثر وأكثر، صرت أمشي بصعوبة وشهيتي شبه منعدمة، خلال هذا الأسبوع لاحظت زوجة صاحب المزرعة تأخر حالتي الصحية، فلقد كانت تشكو باستمرار من شراهتي، أما الآن فلم أعد أتناول طعامي كعادتي، نادت زوجها وقالت له هذا الثور مريض، نظر الرجل تجاهي بقلق وقال ما به؟ أنا غير مستعد لمرضه فالأدوية غالية، قالت الزوجة وهي تنظر نحوي في أسى: أخشى ألا يصمد.
مر عم صابر كعادته إلا أنني لاحظت في نظرته لي شيئًا غريبًا، أحسست أنه أصبح يفهم أنني أشفق عليه، ولكنه كان يمشي والإعياء واضح عليه، هل هو الآخر مريض ولا يجد من يعالجه، أم أن العلاج مرتفع السعر كما قال صاحب المزرعة.
في وسط النهار شعرت بإعياء شديد، حرارة الشمس ضاعفت من شعوري بالمرض، وفجأة سقطت على الأرض، وعندها أحسست أنني أعيش في لحظاتي الأخيرة، تردد ابن صاحب المزرعة ثم ركض إلى حقيبة كان يحملها وأخرج منها شيئًا يلمع، لم أميزه، ولكنني رأيت مثله في يد صاحب المزرعة يوم خرج بأبي ولم يعد به.
في أثناء سقوطي على الأرض سمعت صوت صافرة التفت إليها، فوجدتها تصدر عن سيارة مغلقة أبوابها من الخلف، فتح الباب فأطل منه عم صابر وهو مكمم بكمامة متصلة بأنبوب لم أعرف ما وظيفته، وكان العم صابر يستند على رجلين يرتديان البياض، نظر إليّ وأنا ملقى على الأرض والتقت أعيننا واتفقنا على أنها النهاية.
نهاية ثور في ساقية، وعامل بلا قانون يحميه.