أعلن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، ونظيره البريطاني مايكل فالون، أمس الأربعاء، عن أن الهجوم لطرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من مدينة الرقة – التي تعد عاصمة التنظيم في سوريا – سيبدأ في الأسابيع المقبلة.
ويأتي ذلك فيما تخوض القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي معارك شرسة لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية التي يسيطر عليها التنظيم، وتعتقد أوساط غربية أن فتح المعركتين معًا (الموصل والرقة) من شأنها إضغاف التنظيم، وفي حال السيطرة على المدينتين سيمثل ذلك أكبر ضربة موجعة له منذ تأسيسه.
وفي هذا الإطار يسعى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال الدولة الإسلامية لعزل الرقة سريعًا لمخاوف بشأن استخدام التنظيم للمدينة – معقله الرئيسي – قاعدة للتخطيط وشن هجمات ضد أهداف في الخارج، وهو ما قد يُفسد معركة الموصل التي لم تنتهي بعد.
لماذا الرقة في هذا التوقيت؟
يريد التحالف الدولي المناهض لداعش الذي أطلق قبل عشرة أيام المعركة لاستعادة الموصل في العراق، مهاجمة الرقة العاصمة الثانية لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في سوريا، لكن المهمة تبدو صعبة حتى الآن، نظرًا للتساؤلات حول القوى القادرة على تنفيذ العملية وعدد الاطراف المشاركين في الحرب في سوريا من الفواعل الدول (روسيا – تركيا – إيران)، ومن الفواعل غير الدولتية (جماعات المعارضة المسلحة).
القيادات العسكرية في التحالف الدولي ضد دداعش تؤكد إن الهجوم لاستعادة الرقة من تنظيم الدولة الاسلامية سيبدأ في الأسابيع المقبلة، مضيفة أنه تم التخطيط منذ زمن بعيد لفتح هذه المعركة، ومؤكدين في نفس التوقيت على قدرتهم على دعم الهجمات على الموصل والرقة في آن واحد.
وحتى الآن لم يعط المسؤولون في التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” أي معلومات عن الجدول الزمني للعمليات ضد التنظيم في سوريا. لكن نظرًا إلى التقدم في الهجوم الجاري في العراق، يشير القادة العسكريون إلى أن تداخل العمليات في الموصل والرقة ممكن، وسيكون له أثر إيجابي على المعركتين، وهو ما من شأنه إضعاف قدرات التنظيم القالية بتشتيته.
هل الأمر بهذه السهولة؟
يدرك التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة شراسة تنظيم الدولة في معاقله، وقد ذاقت القوات العراقية الولايات قبل ذلك في تحرير مدن عراقية من قبضة التنظيم، وهو الأمر الذي يجعل هذه التصريحات التي طلب اصحابها عدم كشف هوياتهم غامضة بعض الشيء.
لأنه على النقيض نقلت الوكالة الفرنسية تصريحات لمسؤول عسكري أمريكي كبير يقول: “سيكون من الصعب للتحالف اليوم تنسيق وتنظيم العمليات بين المعركتين وتوزيع وسائله الجوية بفاعلية”، ويؤكد مصدر فرنسي آخر لوكالة: “من الواضح أن التحضيرات لم تنته لاستعادة الرقة غدًا”، مقرًا بأن “الشق السوري (في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية) أكثر تعقيدًا”.
عقبات تجعل الرقة ليست كالموصل
لخصت صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية مؤخرًا هذا الوضع والتباين في المعركتين بالقول: “إن المعضلة العراقية بسيطة للغاية مقارنة بالفوضى السورية”.
حيث أن الحالة في الموصل مغايرة تمامًا لما يمكن أن يكون في الرقة، إذ أن الهجوم على مدينة الموصل التي سقطت في يد داعش في شهر يونيو من العام 2014 تم البحث فيه والإعداد له لأكثر من عام بين التحالف وبغداد وسلطات كردستان العراق، ويشن الهجوم القوات العراقية ومليشيات شيعية وسنية والمقاتلون الأكراد (البشمركة) بدعم من التحالف الدولي.
وهذه العملية التي تسير حاليًا طبقًا لخطط التحالف معقدة أصلا وقد تفضي إلى المزيد من التعقيدات لأن دور الميليشيات الشيعية النافذة جدًا في العراق، وكذلك دور تركيا في مدينة الموصل ذات الغالبية السنية، يطرح مشكلة لم تحل بعد.
ليطرح التساؤل مع أي طرف وكيف يشن الهجوم على سوريا التي تشهد اقتتال داخلي بين عدة أطراف من جانب والنظام السوري من جانب آخر، أوقع أكثر من 300 ألف قتيل منذ اندلاع الثورة السورية في العام2011، وباتت البلاد مفككة بسبب وجود عدد كبير من المجموعات المتخاصمة المدعومة من قوى إقليمية أو دولية بشكل مباشر أو غير مباشر؟.
وتؤكد مصادر من داخل التحالف الدولي أن هناك فرق بين الوضع في العراق وسوريا، حيث أن المعركة في العراق قامت بطلب من سلطات بغداد، وعلى الجانب الآخر بعض الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش معارضة لنظام بشار الاسد وتريد تفادي شن هجمات قد تصب في مصلحة الرئيس السوري.
تصارب في القوات
يقارن وزير الدفاع الأمريكي أشتون الوضع في العراق بالوضع في سوريا دائمًا، ويقول: “يجب أن يسير الأمر في الرقة كما في معركة الموصل المبدأ الاستراتيجي يملي أن تكون قوات محلية فعالة ومتحمسة”، وتؤكد مصادر أمريكية أخرى أنه “يجب أن تكون القوة التي تستعيد الرقة عربية”.
بينما تعتمد الولايات المتحدة على قوات كردية لخوض معاركها على الأرض في سوريا ضد تنظيم الدولة، وترفض إفساح المجال لتركيا للعب دور أكبر، وقد ذكرت عدة مصادر أن القوات الكردية لا تستطيع استعادة مدينة الرقة ذات الغالبية السنية التي تبلغ حوالي 200 ألف نسمة.
الأتراك لن يتركوا الرقة إذا تركوا الموصل
في هذه المرحلة هناك ثلاث قوى في سوريا تحارب داعش، قوات سوريا اليمقراطية (تحالف كردي-عربي تدعمه الولايات المتحدة) وقوات المعارضة المسلحة السورية (الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا) بالإضافة إلى قوات تركية رسمية التي أطلقت عملية درع الفرات في الشمال السوري.
وهناك الخلاف بين الأكراد والقوات التركية التي تنفذ العملية البرية في الشمال السوري، والتي انطلقت في أغسطس الماضي، وكان أحد أبرز أهدافها منع قيام أي كيان كردي مستقل، ما يجعل أي تعاون بين القوتين مستحيلا على المستوى العملي.
ويبدو أن كفة واشنطن بدأت تميل باتجاه تركيا بعدما رأت الإصرار التركي في معارك شمال سوريا، حيث قال كارتر في بروكسل بعد لقاء مع نظيره التركي عصمت يلماظ: “نعمل بشكل كبير مع الجيش التركي في سوريا. أعطى ذلك نتائج مهمة جدًا مع الاستيلاء على دابق مؤخرًا، ويضيف: “نبحث عن فرص جديدة للتعاون في سوريا والرقة إحداها”.
الموقف الروسي
أما عن موقف موسكو الطرف الأبرز الداعم للنظام السوري فيمثل إشكالية أخرى أمام أي معركة مرتقبة في الرقة، حبث تشن روسيا تشن حربا من نوع آخر حاليًا، فهي تسحق المعارضة في حلب، ومن الواضح أن مدينة الرقة ليست مسألة تهمها في الوقت الحالي، أما مع أي تحرك دولي فقد تختلف أولويات موسكو التي تتدخل عسكريًا في سوريا تحت مزاعم محاربة “داعش”.