مظلومية العرب السنة بين تكريم الجعفري ومعركة الموصل

mb

قد لا تكون سوى المصادفة هي التي جمعت ثلاثة أحداثٍ فرّقتها الجغرافيا وجمّعتها الأقدار في نتيجة واحدة أو نتائج متماثلة في أحسن الأحوال؛ لعلّ أكثر تلك الأحداث التي أخذت نصيبها في وسائل الإعلام العالمي هي “معركة الموصل” وما يعتريها من غموضٍ، وما يشوب مجرياتها من شدّ وجذبٍ وتنافر بين جموع الدول المشاركة فيها. فمع استدعاء الجيش العراقي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بهدف مساعدته على تحرير الموصل من براثن داعش، تبرز مخاوف عدّة من مشاركة الحشد الشعبي في عملية التحرير هذه، وما يمكن أن ينتج عن دخوله المدينة من عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية بحق المكون السني، وهو الغالب في المدينة؛ أضف إلى أنّ دخول قوات البيشمركة الكردية، وتقدّمها المدعوم جوياً من طيران التحالف بات يثير مخاوف مماثلة من عمليات انتقام ضدّ السكان العرب، مما قد يؤدي إلى حالات نزوح جماعي، وبالتالي تغيير ديموغرافي في المدينة من خلال تفريغها من سكانها الأصليين؛ بالطبع يأتي التدخل التركي من هذا الباب، ليقدّم نفسه حامياً للمكوّن السني العربي منه والتركماني. وهذا ما يزيد من تشابك الأحداث وتعقيدها.

بشار الجعفري مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة

أمّا الحدث الثاني الذي شهده العالم أمس الأول، وربّما لم يلق اهتماماً إعلامياً كسابقه، فهو ما قام به الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته؛ حيث ختم الأمين العام فترة قيادته لهذه المنظمة العالمية بتكريم عدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية، ليكون من بينهم مندوب النظام السوري (بشار الجعفري)! نعم بهذه البساطة قام من يمثّل المجتمع الدولي بتكريم مندوب الأسد لدى الأمم المتحدة! لا أحد يعلم فيما إذا كان هذا التكريم بناءً على رغبة المجتمع الدولي متمثلاً بأمين عام أممه المتحدّة بمباركة ما يقوم به رئيس الجعفري من جرائم إبادة جماعية داخل سورية؟! أم إنّ الأمين العام لا يزال مفتوناً بفصاحة الجعفري وهو يتغنى بقصائد نزار قباني في معرض حديثه الغزلي عن دمشق كونها كنز أحلامه ومروحته؟! أيّاً كانت الأسباب التي أدّت إلى التكريم، فما يترتب عليه لا يفارق نتائج ما سبقه من حدث، وما تلاه أمس تحديداً أيضاً. فالحدث المشترك الثالث، والذي يبدو أنّه لم يحصل على اهتمامٍ يذكر في إعلام المجتمع الدولي آنف الذكر، هو مقتل ستة وعشرين طالباً من طلاب إحدى المدارس في منطقة (حاس) في ريف مدينة إدلب السورية. حيث لم تعد مثل هذه الأخبار تثير حفيظة الإنسانيين ودعاة الإنسانية في أربع رياح الأرض، مادام الضحايا ليسوا من الأقليات، وليسوا من رسّامي شارلي إيبدو ليتعاطف معهم رؤساء العالم في مختلف أرجاء المعمورة.

هذه الأحداث التي جرت في أماكن متباعدة فيما بينها، جمعتها بشكلٍ أو بآخر نتائج تتمخض عنها إن آجلاً أم عاجلاً؛ فغالبية السكان الأصليين لمدينة الموصل هم من العرب السنّة، وقد وقعوا كما وقع غيرهم ضحية إرهاب داعش الذي عاث فساداً في مناطق وتجمعات العرب السنة تحديداً دون غيرهم، وهم منذ ما يقارب عامين يرزحون تحت نير أحكامه القروسطية دون غيرهم، وهم اليوم وحدهم عرضة لطيران التحالف الذي تعمى عيون طيّاريه عن أرتال داعش التي تجوب السهوب والبراري أناء الليل وأطراف النهار.

من ناحية أخرى بدت مبادرة الأمين العام بتكريم مندوب الأسد، أشبه ما يكون بحركة استفزازٍ غير مسبوقة، بل إنّها تجرّدت من أبسط الأخلاقيات المعهودة في احترام الآخر والتعاطف معه حتّى لو كان ضعيفاً مهيناً. ما يدفع بكثير من السوريين إلى التقوقع خلف شعار المظلومية السنية تحديداً، حتّى لو تندّر عليهم دعاة الإنسانية، ومحاربو الطائفية الحالمون؛ فالظلم الذي يحيق بالموصليين من جهة، وبباقي السوريين في مناطق المعارضة من جهة أخرى، لا يمكن لأحد تفسيره سوى بهذه الطريقة. وربّما جاءت مذبحة حاس اليوم لتؤكّد لمن تبقّى هناك يقينية هذه المظلومية وأحقيّتها؛ ولعلّ هذا ما سعى ولا يزال يسعى إليه حلفاء الأسد من أصدقاء وأعداء الشعب السوري على كلا الجانبين؛ فالمهم في العراق هو لفت الأنظار عن ثورة شعبية عارمة قامت ضدّ حكومة المالكي الطائفية بامتياز، وجرى الالتفاف عليها بإدخال عناصر داعش، والانسحاب التراجيدي للجيش العراقي يومذاك أمام بضعة مئات من مسلحي داعش. أمّا في سورية والحال لا تختلف كثيراً عمّا جرى في العراق، فالسوريون منذ اليوم الأول لثورتهم رفعوا شعاراتٍ تنبذ الطائفية، وتؤكد على وحدة الشعب السوري، وتجلّت مطالبهم برحيل الطاغية المستبد.

نتيجة لذلك يجد العرب السنّة أنفسهم ضحايا إرهاب المجتمع الدولي عامّة، وحكومة إيران في بغداد والأسد في دمشق على وجه الخصوص. فالنتائج ها هنا لا يمكن وصفها سوى بالكارثية، وهي كما أسلفنا مشتركة فيما بين ما جمعنا من أحداث، وهي أمثلة بسيطة على ما يجري حالياً داخل المنطقة. فهل سينجح المجتمع الدولي بالقضاء على داعش دون ارتكاب مجازر بحق المدنيين خلافاً لما حدث في الفلوجة وتل أبيض ومناطق أخرى تمّ تحريرها من قبضة داعش؟! ثم هل سيضمن المجتمع الدولي متمثلاً بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عودة المهجّرين إلى أراضيهم، ويمنع حدوث عمليات تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي لهذه المناطق؟! وإذا كان القضاء على داعش هو هدفهم، فهل يمكنهم منع نشوء داعش جديد بأسماء أخرى؟ وكيف يمكن لمن يقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها أن يقنعهم أنّه يحمل لهم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية؟ أيمكن لمن قام بتكريم الجعفري أن يتمكن من إقناع السوريين بأن ما يجري هو حربٌ ضدّ الإرهاب وليست موجهةً ضدّ العرب السنة تحديداً؟! أم إنّ الأيام ستبدي لنا ما نجهل؟!