“لا أجد المقاس الخاص بي في محلات الملابس”، “لا يمكنني العمل في العديد من الوظائف”، “من الممكن أن تُستخدم من في مثل حالتي كفقرة مضحكة في الأفلام”، “لا أجد رمز المرأة البدينة في مجلات الأزياء أو الخاصة بالتجميل”، كل ما سبق هي جمل وعبارات استنكارية يرددها كل من لديه مشكلة في الزيادة المفرطة في الوزن، ولكن على الرغم من أن الزيادة المفرطة في الوزن تعد مشكلة صحية في المقام الأول، إلا أنها يتم تصنيفها الآن مشكلة من مشاكل العار المجتمعي الذي يلحقه المجتمع بصاحبه بدون أي سبب منطقي.
لا يقوم المجتمع بالتفرقة العنصرية بين الشخص البدين والنحيف لمجرد السخرية فحسب، بل هذا ما يتم تلقينه إياه من مختلف وسائل الدعاية والإعلان المختلفة، والتي توجهه إلى حب المنتج أكثر من حب نفسه بكثير، ليتقبل كل ما يمكنه ذلك المنتج المراد أن يفعله بجسده حتى ولو كان مضرًا في المستقبل القريب، أكثر من تقبله لشكل جسده.
لا توجه حملات الدعاية والإعلان الجماهير المختلفة إلى حب المنتج فحسب، بل تقوم على تصوير صورة معينة لكل ما يجب عليه أن يكون كل رجل وكل امرأة، باستمرارهم في الهجوم الشرس على كل المصابين بالزيادة المفرطة في الوزن بإهانتهم في حملاتهم الدعائية سواء كانت من أجل الدعاية لصالونات رياضة جديدة، أو علاج جديد لإنقاص الوزن.
شكل المرأة في الحقبة الفيكتورية
تقترن كلمة “قبيح” بجوار كلمة بدين في كثير من الإعلانات، ليكون الوزن الزائد وصمة عار لصاحبه، لم يبدأ الأمر في هذا العصر فحسب، بل بدأ في الحقبة الفيكتورية، في عهد الملكة “فيكتوريا” في إنجلترا في آواخر القرن التاسع عشر، حينما ظهرت ثورة جديدة خاصة بأزياء المرأة تزامنت مع الثورة الصناعية، ليكون شد البطن والخصر شديد النحافة هو السائد، ليستخدموا في تصاميم الأزياء مشدات خاصة لذلك، تسببت فيما بعد بمشاكل صحية في الدورة الدموية و دورة الهضم بالإضافة إلى مشاكل في التنفس، إلا أنها بالطبع، حققت الغرض منها، ألا وهو جعل الجسد المثالي هو السائد، ورفض كل ما يخالفه، ونعته بالقبيح.
لم يكن الأمر منتشرًا عالمًيا بتلك العدوانية تجاه البدانة إلا بعد تطور التكنولوجيا، فأصبح من السهل جدًا الآن زرع الأفكار في عقول المشاهدين بدون انتباهم لذلك، كما من الممكن نشر الفكرة من بلد لبلد بسرعة فائقة، لتصبح ما يسود عليه المجتمع رغم اختلافاته، ليتحول تدريجيًا إلى مجتمع متنوع ومختلف، إلى مجتمع يكره اختلافاته ،يتمنى آن يكون على ما تكون عليه أيقونات المجتمع العالمي المشهورة، التي على الأغلب ما تنتمي إلى المجتمع الغربي.
نادرًا ما نجد أيقونة مجتمعية مشهورة تكون مفرطة في الوزن، وغالبًا ما ينحصر أدوارهم إما في رجال الأعمال شديدي الثراء، أو في ممثلي الكوميديا، حيث يعاني كل من يصاب بإفراط في الوزن من تفرقة عنصرية مجتمعية شرسة، ومن تمييز سلبي في أماكن العمل، حيث يتم ردهم عن آداء وظائف معينة، كما يكونون أكثر عرضة للسخرية من قبل زملائهم في العمل.
لا يحث عالم الدعاية والإعلان كل من يكون مفرط في الوزن على شيء سوى الشعور بالعار تجاه شكله، حيث يدفعه لا شعوريًا إلى آداء كل ما هو مهين ومرهق ومكلف، بل وأحيانًا مميت، للتخلص من وزنه الزائد والعودة إلى شكل الجسد الطبيعي الذي أقروا مواصفاته هم.
انتشرت مجموعة من الإعلانات يتم وصفها بالإعلانات المهينة، والتي تهين الجسد البدين بكل الوسائل حتى تزيد من شعور الفرد بالسوء تجاه نفسه، وبالتالي يعاني مزيدًا من الاكتئاب، ويتجه لشراء ما يتم إعلانه من منتجات فورًا، آو اتباع أنظمة غذائية ربما لا توائم طبيعة جسده، أو يتجه إلي ما أصبح أهم تجارة مربحة تدعو لها الدعايات، وهي عمليات التجميل وشفط الدهون.
“هذا ليس شكلًا يليق بفتاة”، هذا الإعلان هو أحد الإعلانات المشهورة في الستينات، يصور شكل الفتاة البدينة بحبة الكمثرى، معلقًا على ذلك بأن هذا الشكل لا يليق بجسد فتاة، ليعرض لمشاهدي الإعلان في الأسفل صورة لفتاة ذات جسد مثالي بالنسبة إليهم، مشيرين بأن هذا ما يجب أن تكون عليه الفتاة السليمة.
“جولدز جيم” تنهي عقدها مع فرع في مصر بسبب “البنات والكمثرى”:
نشرت سلسلة جولدز جيم في مصر منذ بضعة شهور توضيحًا مطولًا واعتذارًا على فيسبوك حيث قالت الشركة بأنها أنهت اتفاقيتها مع المقر المصري الذي كان وراء الإعلان الذي أثار ردود أفعال عنيفة، حيث استخدم الإعلان نفس الفكرة السابقة لعرض صالون الرياضة الخاص به، واصفًا في الإعلان بأن شكل الكمثرى شكلًا لا يليق بجسد فتاة”.
هذه مجموعة من الإعلانات التي انتشرت مؤخرًا من مناهضي بدانة الأطفال بعنوان “تحذير” حيث كُتبت بالأحمر على صور للأطفال المصابين بالبدانة في خلفية خالية من الألوان، ومشهد للأطفال وهم تعساء، مكتوب على بعض منهم ” من الصعب أن تكون طفلًا إن كنت بدينًا”، أو “من الممكن للبدانة أن تسلب الطفولة من أولادكم”، أو “البدانة تبدأ من المنزل”، على الرغم من أن تشجيع الأطفال على الانتباه لما يأكولنه إن كان صحيًا أم لا، والانتباه إلى صحتهم الجسدية في عمر مبكر، إلا أن هذا لا يمكن أن يتم بالتقليل من احترام الطفل لنفسه، أو حرمانه من الاستمتاع بطفولته لمجرد كونه بدينًا.
تكلف عمليات “ربط المعدة” أو “تغيير مسار المعدة” أو “تصغيير حجم المعدة” على اختلاف أنواعها ووحدة أهدافها حوالي 14.500 دولار في المتوسط، بالإضافة إلى إلحاقها بعمليات للتجميل بعدها، فعلى مستوى الدول العربية، احتلت السعودية المرتبة الأولي عربيًا في عمليات شفط الدهون والتجميل، بحسب احصائية للجمعية الدولية للجراحة التجميلية، ولوحظ ارتفاع إقبال السعوديين على عمليات التجميل، وتحديداً الشابات السعوديات بين سن الـ19 والـ30 عاماً، فبحسب إحصائية أصدرتها الجمعية الدولية للجراحة التجميلية، فإن السعودية من ضمن أكثر 25 دولة في العالم تنتشر فيها عمليات التجميل، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والهند والصين والبرازيل والمكسيك.
تمتلك كل من الإمارات العربية المتحدة و مصر مراكز متعددة مختصة فقط في علميات شفط الدهون أو عمليات تصغير حجم المعدة، كما تفوقت إيران في هذا المجال على أغلب بلاد الشرق الأوسط في عمليات شفط الدهون، حيث كانت من أوائل الدول التي أدخلت تقنية شفط الدهون بالليزر، لا تعتبر تكلفة عمليات شفط الدهون في إيران باظة باعتبارها من العمليات المنتشرة بصورة كبيرة هناك، لتقارب أسعارها الـ 3000 دولار مع الاختلاف ما بين مركز لآخر.
لا عيب في الإشارة والتنبيه دومًا إلى أن البدانة المفرطة مشكلة صحية مهمة بالنسبة لكل من كان صاحبًا للوزن الزائد، وبالأخص إذا بدأت المشكلة في عمر مبكر مع الأطفال المعتمدين على الوجبات الجاهزة كمصدر رئيسي للطعام، إلا أنه لا يجب على الكل اتباع حمية غذائية ليجد ملابس تناسب جسده في المحلات، ولا يجب على الجميع أن يحظى بمعايير معينة لشكل الجسد الخارجي لا يخرج عن حدودها، كما أنه ليس من اللائق اعتماد البدانة كمادة أساسية للربح منها سواء من الإعلانات الدعائية أو العمليات الجراحية التي تميل إلى كونها تجارة أكثر من علاج.