ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ما يقارب عن الأسبوعين من الآن سيختار الشعب الأمريكي بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وذلك يرتبط بمدى رغبة الشعب الأمريكي في انتخاب ذلك الشخص والاختلافات في برامج المرشحين للبيت الأبيض، خاصة في مجال السياسة الخارجية.
وفي هذا السياق سنتناول الحديث عن الجنرال كولن باول، وهو وزير الخارجية الخامس والستين للولايات المتحدة، عمل في الفترة ما بين 2001 و2005 في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وهو أول أمريكي من أصول أفريقية يصل إلى هذا المنصب في تاريخ البلاد.
وكما حدث بين 2008 و2012،عندما دعم كولن باول رسميا ترشيح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية، فمما لا شك فيه أنه سيدعم هيلاري كلينتون في هذه الانتخابات ولن يصوت لممثل حزبه دونالد ترامب. ووفقا للمتحدث، ماثيو كوهين، فإن وزير الخارجية السابق كان قد أعرب عن دعمه لهيلاري كلينتون بسبب مهاراتها القيادية وخبرتها الواسعة. وإنه أعلن نيته هذه يوم الثلاثاء في نيويورك، على هامش اجتماع برعاية “جمعية لونغ آيلاند”، لتنظيم الأعمال التجارية الرئيسية في لونغ آيلاند التي تجمع بين المشاريع الصغرى والكبرى وبمشاركة سياسيين.
وحسب شهادة عضو مجلس إدارة “جمعية لونغ آيلاند،” بول باشتر، واعتمادا على رأي باول فإنه من الواضح أن دونالد ترامب ليس المرشح المناسب، وذلك نظراً إلى قلة خبرته السياسية ورسائله السلبية، ووضعه لصورة سيئة لنفسه في جميع أنحاء العالم، وحتى مع حلفائه.
لأجل ذلك كان من الوارد جدا، أن ينقد باول بأفكاره المرشح الجمهوري المتعلقة بالسياسة الخارجية، وبرؤيته السلبية للشرق الأوسط، وبعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين: وذلك ما زاد من تقربه أكثر من المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، التي تمثل المؤسسة الأمريكية وتعزز السياسة الخارجية والتدخل ضد المنافسين بعدوانية شديدة.
ولد كولن لوثر باول في عام 1937، في نيويورك لأبوين مهاجرين من جامايكا في الولايات المتحدة. وبعد تخرجه من “كلية المدينة” في عام 1958، حصل على درجة الماجستير المرموقة في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن في منتصف تجربة الحرب في فيتنام. وفي أواخر الخمسينات انضم إلى الجيش – الذي بقى فيه لمدة 35 عاما.
وفي عام 1962 وقف الكابتن باول كما يسمونه في تلك الحقبة الزمنية جانبا لدعم القوات العسكرية في جنوب فيتنام: أين أصيب بجروح خطيرة في القدم. وفي عام 1963 اضطر للعودة إلى موطنه حيث تم تعيينه من قبل الجيش للتحقيق والتأكد من مسؤولية الولايات المتحدة في مذبحة ماي لاي في 16 مارس 1968، أين قتل 347 شخص من المدنيين العزل، بينهم الكثير من النساء والأطفال. على الرغم من أن في ذلك الوقت لم تكن عمليات الإجرام واضحة على وجهه حسب ما ذكره التقرير.
بعد ذلك عمل جنبا إلى جنب مع الأمين فرانك كارلوتشي في عام 1972، في عديد المواقع التي تحتلها رئاستي جيمي كارتر ورونالد ريغان، ثم عيّن ضابطا عسكريا كبيرا في حقبة جورج بوش وهو يبلغ من العمر حينها 52 عاما، وتحديدا في 1 تشرين الثاني / أكتوبر 1989.
ومن جهة أخرى، ينبغي ذكر أن باول كان يدير أغلبية الأزمات الدولية، بما في ذلك تلك التي حدثت عام 1989 في بنما ضد الجنرال مانويل نورييغا وعملية “عاصفة الصحراء” في حرب الخليج. وفي كانون الثاني/ يناير 2001 تم تعيينه وزيرا للدولة برئاسة جورج دبليو بوش.
ليدخل التاريخ بخطابه الشهير الذي عزز به فكرة دعمه للحرب ضد العراق. أضف إلى ذلك أنه قام بتقديم أدلة ثبت في وقت لاحق أنها باطلة ولا أساس لها تماما عندما قال “لا يمكن أن يكون هناك أي شك في أن صدام حسين يمتلك أسلحة بيولوجية ولديه مقدرة كبيرة على إنتاجها، كما أن لدينا اليقين أن صدام يعمل على إنتاج سلاح نووي يستخدم في الدمار الشامل”. ثم تمكن من إقناع مجلس الأمن للأمم المتحدة، والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يوم 20 آذار/ مارس من العام نفسه بالتدخل وغزو العراق.
ووفقا لبعض التحليلات فإن ما قام به باول هو خطأ استراتيجي تاريخي خطير أدى إلى فقدان مصداقية الولايات المتحدة وإلى تسليم الشرق الأوسط والعراق على وجه الخصوص إلى التنظيمات والحركات المتطرفة. وبذلك أصبح هذا الأخير الراعي والممول الرئيسي للحرب ضد العراق ولكل الحملات ضد الرئيس صدام حسين.
وفي هذا السياق نشرت الصحف العالمية تقارير كثيرة لعل من أهمها نذكر ذلك المقال الذي نشر في عام 2006 والذي كان بعنوان “باول لم يفعل الشيء الصحيح”، انتقد تدخله في حرب العراق. وقال إنه فقد نزاهته إلى الأبد وبأنه أراد إنقاذ العالم، وهو الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسيةً، وقال إنه قام بخطأ استراتيجي أدى إلى عواقب وخيمة، كلفت الملايين من القتلى والجرحى، فضلا عن مئات الملايين من الدولارات التي ذهبت هباء. كما أن هذا الخطأ له أبعاد تاريخية ألا وهي تلطيخ سمعة الولايات المتحدة وسياستها المتطرفة في الشرق الأوسط .
أما عن الاستنتاجات التي ظهرت في الآونة الأخيرة حول مسؤولية مشاركة بريطانيا والولايات الأمريكية المتحدة في الحرب على العراق، والتي يتحمل فيها على وجه الخصوص المسؤولية رئيس الوزراء آنذاك توني بلير والجنرال كولن باول.
وكان غزو العراق في عام 2003 بمثابة الكارثة التي أنتجت آثارا سلبية يستمر صداها إلى حد الآن: ذلك لأنه قد تسبب، اعتبارا حتى العام 2009، في وفاة أكثر من 150 ألف عراقي، معظمهم من المدنيين. وفي نزوح أكثر من مليون شخص. وكل هذا يرجع أساسا إلى الرؤوس المدبرة بما في ذلك كولن باول. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير لم يدعم حرب العراق فقط وإنما دعم صعود تنظيم القاعدة والإرهاب عامة. وهنا يتساءل المرء بعد كل هذا كيف لا يقوم كولن باول بدعم ومساندة المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون؟
المصدر: صحيفة لي اوكي ديلا غويرا