تشهد الليرة التركية أوقاتًا صعبة هذه الأيام بعد هبوطها أمام الدولار إلى أدنى مستوى لها في تاريخها على الإطلاق حيث لامس سعر الصرف أمام الدولار 3.1249 ليرة لكل دولار في 28 أكتوبر الجاري، وهذا المستوى لم تشهده الليرة بعد محاولة الانقلاب المباشر في 15 يوليو/تموز الماضي، ما يستدعي الانتباه لتحليل ما يجري مع الليرة وأسباب هبوطها والمستويات الجديدة المتوقعة لها!
حيث وصل أعلى سعر صرف في ذلك التاريخ إلى 3.0899 ومن ثم عاود الهبوط إلى 2.9224 ومن هذا المستوى بدأ السعر بالارتفاع بشكل مطرد حتى يومنا هذا الذي يلامس مستويات جديدة أثناء كتابة التقرير.
مستويات جديدة لليرة التركية
في تقرير صدر أمس على موقع بلومبيرغ الاقتصادي ذُكر فيه أن الليرة التركية على حافة خسارة أحد أكبر الداعمين لها وهم “الشعب التركي” حيث أسهم الشعب والشركات والمساهمين الأتراك في الحفاظ على الليرة بعد محاوفة الانقلاب الفاشلة من خلال شرائهم الليرة وبيع عملات أجنبية في الأسواق المحلية بما يكفي للمساعدة في حماية الليرة بعد حدث كبير كاد يهوي بالليرة والاقتصاد على حد سواء.
حيث عمد الشعب والمستثمرين إلى بيع ما يقدر بـ16 مليار من العملات الصعبة (دولار ويورو) في الأسواق المحلية منذ مايو/أيار الماضي ما أسهم في تهدئة روع المستثمر والشركات الأجنبية وتحقيق شبه توازن بين العرض والطلب على الدولار ساهم في عدم حدوث مفاجآت في سعر الصرف.
33 محللًا ماليًا من المستطلعة آرائهم من قبل بلومبيرغ يرون أن الليرة التركية تنحو باتجاه هبوطي في العام المقبل.
إلا أن ولاء الشعب اتجاه الليرة على وشك أن يتغير كما تنقل بلومبيرغ فبحسب بنكي Nomura International Plc الإنلكيزي ويقع مقره في لندن وUBSيرون أن الليرة التركية تتجه نحو الانخفاض بنهاية العام الحالي.
حيث يرى أحد محللي الأسواق الناشئة في بنكNomura أن الشعب التركي يرى مدخراته تهبط بسبب انخفاض قيمة العملة وهذا يعد حافزًا لهم للإبقاء على بعض المدخرات بالعملة الصعبة، ويتوقع أن تنخفض الليرة إلى 3.27 ليرة لكل دولار في نهاية العام الحالي بذريعة أن الشعب سيعود لشراء العملات الأجنبية للحفاظ على قيمة احتياطاتهم ومدخراتهم الأجنبية.
فالمودعين المحليين للودائع الأجنبية لديهم تأثير كبير على الليرة وقوتها إذ يملكون ودائع ما يقدر بـ 144.5 مليار من العملات الأجنبية بحسب بيانات المركزي التركي، لذا فإن خسارة جزء من ذلك المخزون المحلي للودائع الأجنبية سيشكل تهديدًا على الليرة التركية، كما أن هذا النزيف في حجم الودائع يأتي في ظل ارتفاع متوقع لأسعار الفائدة الأمركية على الدولار وبالإضافة لتوسع العجز في الحساب الجاري التركي.
واستطلعت بلومبيرغ آراء العديد من المحللين حول الليرة التركية ومستقبلها وأظهر الاستطلاع أن 33 محللًا من الذين استطلعت آرائهم يرون أن الليرة تنحو باتجاه هبوطي في العام المقبل.
وبحسب محلل استراتيجي للعملات الأجنبية في بنك UBS في لندن ذكر أن ودائع العملات الأجنبية في تركيا هبطت إلى 39% في الشهر الحالي من 45% في الأشهر الـ12 ماضية بحسب ما توضحه نشرة البيانات المصرفية الرسمية.
ويتوقع البنك أن يلامس سعر صرف الليرة أمام الدولار مستوى 3.15 في نهاية العام الحالي ومستويات قريبة من 3.30 في نهاية العام المقبل 2017 عندما يبدأ المستثمرون المحليون بإعادة بناء احتياطاتهم من العملات الأجنبية.
سعر صرف الليرة أمام الدولار سيبدأ بالارتفاع بشكل ملحوظ عندما تبدأ الشركات والمستثمرين يشترون العملات الأجنبية لبناء احتياطاتهم من جديد.
وعلى صعيد آخر عملت كل من وكالتي موديز وستاندرد آند بورز إلى تخفيض تصنيف تركيا الائتماني فوكالة ستاندرد آند بورز خفضت من تصنيفها الائتماني لتركيا بقدرتها على سداد التزاماتها الخارجية من BB+ إلى BB مع الحفاظ على توقعات بنظرة سلبية، حسبما ذكرت الوكالة في بيان لها في 21 يوليو/تموز والذي جاء فيه أن “خفض التوقعات للتصنيف يعكس رؤيتنا بأن الأفق السياسي في تركيا ازداد تمزقًا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي. وأضاف البيان “نعتقد بأن المخاطر التي تواجه قدرة تركيا على تمديد أجل الدين الخارجي قد زادت عقب الانقلاب الفاشل.
وقامت وكالة موديز بالمثل بعد قرارها بخفض تصنيفها الائتماني لتركيا إلى “عالي المخاطر” واتهم الرئيس التركي أردوغان الوكالة أن لها دوافع سياسية وينبغي ألا تؤخذ بجدية على حد وصفه.
والمحصلة يتفق المحللين أن سعر صرف الليرة أمام الدولار سيبدأ بالارتفاع بشكل ملحوظ عندما تبدأ الشركات والمستثمرين يشترون العملات الأجنبية لبناء احتياطاتهم من جديد.
عوامل سياسية
وبعيدًا عن أسعار الفائدة والتوقعات الاقتصادية فإن الليرة قد تتعرض لضغوط من احتمال إجراء استفتاء في العام المقبل 2017 حول تغييرات دستورية ونقل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي تنادي به الحكومة التركية.
ففي منتصف الشهر الحالي ارتفعت سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى 3.10 بعد تصريحات رسمية من رئيس الوزراء بن علي يلدريم أن النظام الرئاسي هو حل لكافة المشكلات في تركيا. بينما تقف أحزاب معارضة وفئة كبيرة من الشعب ضد هذا التغيير الدستوري.
وتحولا عن الأسباب الاقتصادية فإن جملة من الأسباب السياسية التي تحيط بتركيا متعلقةب الوازع الأمني في البلاد سلسة من التفجيرات التي قامت بها داعش وحزب العمال الكردستاني في مناطق متفرقة من تركيا ودخول الجيش التركي على خط الصراع المباشر على الأرض في سورية بعد دخولها معركة “درع الفرات” في شمال سورية لطرد داعش ومنع تأسيس أي كيان كردي على حدودها يهدد الأمن القومي للبلاد، ومن جهة أخرى تسعى تركيا للدخول في معركة الموصل في العراق أكبر معاقل داعش في العراق كما وأبدت رغبتها للمشاركة مع التحالف الدولي في معركة الرقة لطرد داعش منها.
تتمازج العوامل السياسية مع الاقتصادية لتؤثر بدوها على الاقتصاد التركي ومؤشراته الرئيسية وبالتحديد على الليرة التركية، والثابت أن الاقتصاد التركي في خضم كل هذه الأحداث لن يكون بمنأى عن ذلك التأثر بغض النظر عن حجمه، وستكون الليرة التركية في الواجهة.