لن أتوقف عند الرأي القائل: إن منع الخمور سيزيد المتاجرة بالمخدرات، ومنعه بداية تشريعات متشددة، وله آثار اجتماعية على بعض المكونات وخسائر اقتصادية، ولا مع الرأي الذي يفترض أن تكون كل القوانين وفق الشريعة الإسلامية، وظاهرة انتشاره خطر مقصود يهدد المجتمع.
سأقف عند نقاط الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والأديان والتقاليد والأعراف وإيجابيات وسلبيات القانون.
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي، وانتفض كثيرون، وكأن القانون سيغلق كل منافذ التهريب في بلد يهرب له السلاح الثقيل ومختلف الإرهابيين، وتجوبه مخابرات من أغنى الدول إلى أفقرها، وصار الحديث عن المخمور أكثر من جبهة مخمور والقيارة والموصل، وتأسفوا على بعشيقة لأنها لا تستطيع إنتاج الخمور، مقارنين المشرعين بالدواعش، وتحدثوا بصوت كأن الشعب العراقي لا يعيش بدون الخمور، فيما ناقضهم آخرون بأن الدين هو الحاكم ولا مجال لبيع الكحول.
لا أعتقد أن مشكلتنا سيحلها تجريم بيع الخمور، ورُب قوانين مهمة وعدالة اجتماعية تحد من عمليات سرقة المال العام، الذي يضع الأموال بيد من يعقدون صفقاتهم بليالٍ حمراء، وخمورهم لا تأتي عن طريق المنافذ التي تخضع للجمارك والضرائب، وعلى رفوف البرلمان قوانين مهمة تقاذفتها التجاذبات السياسية، ويُغطيها غبار الفساد والمصالح الضيقة، كقانون المحكمة الاتحادية، ومجلس الاتحاد والنفط والغاز، وما يتعلق بخدمة المواطن والعدالة الاجتماعية، وتُزيل الفوارق الطبقية بين المسؤول والمواطن، والبعض قال: هل الخمور حرام والفساد حلال؟!
مَنْ قال إن الدستور العراقي لم يُحرم الفساد، ولم يُشدد الأحكام على ناهبي المال العام، إلاّ أنه واضح ونشم روائحه ونشاهده عندما تتكاثر مئات آلاف دور الصفيح بلا خدمات، بينما تتعالى بيوت مسؤولين كان ميراثهم عربة وحصان ورغيف خبز يابس؟!
المتجول في شوارع بغداد يتساءل: هل أن المجتمع بحاجة أن يوجد 50 مشربًا من ساحة النصر إلى كهرمانة، وهل مقبول أن تُباع الخمور في الشوارع والأزقة وبين الأحياء السكنية، وفي أيّ مجتمع متحضر هكذا يتناولها المراهقون في تقاطعات الطرق والسيارات وأمام حتى الجوامع؟!
إن الحديث بسوداوية عن نتائج منع الخمور في العراق، فيه مجافاة للحقيقة، ومن يقول إن المنع سيسبب أضرارًا اقتصادية وانخفاض ضرائب وتعطيل عمال وناقلين ومعامل، فيمكن القول أن استقرار الأمم بالمحافظة على قيمها وتقاليدها واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان، وصحيح أنه حرية شخصية، ولكن عندما يبدأ كالوباء ينخر المجتمع، فلا بد من إيجاد علاج وإن كان وقتي، وضوابط تمنع استخدامه بتهور، مع احترام الأقليات الدينية التي لا تحرمه، رغم القناعة الإسلامية بأن الخمر محرم عند كل الأديان السماوية.
عند الحديث عن الحرية، لا بد من فهمها أولاً، ثم معرفة حدودها وأين تتوقف، وفي أي مكان تتجاوز الحرية على حريات الآخرين، وتتجاوز حقوقهم وأعرافهم وتقاليدهم وأديانهم.
العراق بلد متعدد الطوائف والأعراق، وما يهم أن تشريع القانون في فقرات يُخالف الدستور وأخرى يُطابقه، ولكن أن يصبح حديث شاغل للشارع هو المهم بالوقت الحاضر، وصار الحديث عنه أكثر من حديث المعركة المصيرية، وكان المفترض تشريع قوانين مهمة للعملية السياسية والخدمة المجتمعية، وفي مسألة الخمور، من المفترض وضع ضوابط لمنع انتشاره بشكل ملفت، في أماكن مخصصة بعيدة عن المساكن، ومحاسبة من لا يمتنع عن بيعه للصغار، وإلاّ من يشرب الخمر بالشوارع، لا يُبالي بالبحث عن أي مُسكر آخر، إذا كان من يتاجرون بالمخدرات والسلاح طلقاء، وإذا كان القانون صحيح فإن التوقيت خاطئ والعراق يخوض معركة، وبحاجة إلى تضافر الجهود الإعلامية، وإن كان خاطئ فإنه مقصود.