في هذا المنعطف التاريخي الصعب من مسيرة شعبنا الفلسطيني، وأمام ما تتعرض له فلسطين ومقدساتنا للعديد من الأخطار، وأمام الكوارث والتحديات التي يواجهها شعبنا في غزة، كـان لزامًا مراجعة نقدية للكثير من الأمور والتصورات وإعادة النظر بالأولويات بهدف الارتقاء بمجتمعنا الفلسطيني كنظم وتنظيمات.
نحـن كفلسطينيين ندعو للأخـذ بمبـدأ التسامـح ونبذ التعصب وطي الماضي تحت مبدأ الجميع اجتهد فأخطأ، نعم حماس عندما شاركت في المجلس التشريعي كان عليها أن تعرف أنها تحمل لواء أوسلو، فتح والسلطة وقتها كان رأس الحربة لها دحلان ضد حماس والكل يعرف هذا رغم اجتهاده في الاعتقاد أنه قادر على إلغاء خطأ حماس، لكن لم يخطئ عندما قال “عندما تدخلون المجلس التشريعي وتكونون به وتشكلون الحكومة سوف تأكلون”؟؟ كان محق، هذه الحكومة من المجلس التشريعي هي الابن الشرعي لاتفاق أوسلو، حماس أخطأت كذلك في الدخول في شرعنة أوسلو الذي كان من نتائجه المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية لاتفاق أوسلو ومنه تشكل الحكومة.
أجزم أن فتح اليوم هي ليست فتح الأمس، وحماس اليوم ليست حماس الأمس، اليوم حماس تحت مسؤوليتها شعب كامل في غزة، لكن الأيام مدرسة ومن لم تعلمه النكبات والشدائد واستمر على فكره، لا أعتقد أنه يستحق أن يكون حتى مسؤول عن أربعة رجال، الاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية، لذا لا يمكن إلغاء أحد وتجاوزه، شعور الإنسان بانتمائه إلى وطنه شيء طبيعي لأنه كل شيء، والشعور بالانتماء لا يأتي إلا بالشعور بالمكانة المهمة بين الشعب، بذلك تحدد انتماءك للوطن.
عندما نتحدث عن التقارب بين أطياف الشعب الفلسطيني، نحن لا نتحدث عن التقارب بين أطياف معادية، لهذا تجد البعض لا يريد الخروج من فكر ما تم ترسيخه في فكره وما شاهده من صور لبعض القيادات الفلسطينية وهي تتصافح مع قادة إسرائيليين، علينا أن نفهم أن هذا الوضع طبيعي في ظل اتفاق أوسلو وما نتج عنه في التعامل اليومي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلينا أن نعرف أن هذا الأمر سيتكرر مع أي مسؤول فلسطيني، لكن ما يجب علينا معرفته أن التقارب بين الفلسطينيين يجب أن تحكمه الخدمة العامة للشعب الفلسطيني وعدم المساس بالثوابت.
في عالم السياسة لا تدرك كيف تتشابك المصالح وتتداخل، وبحكم تحقيق هذا الهدف تجرى التحالفات، إذن فإن كل الأطراف تحاول توظيف السياسة لمصالحها، وهكذا فالسياسة هي طريق إلى المصالح، لهذا في عالم السياسة كل شيء ممكن بما يخدم المصالح، كل عاقل يعرف أن الاختلاف الفلسطيني قد تأثر بعوامل كثيرة منها إسرائيل وأمريكا على اعتبار حماس حركه إرهابية، هذا الأمر لا يعنينا ولا يهم أصغر طفل فلسطيني، ما يهمنا الآن الوطن العربي وخاصة الأوضاع في مصر كانت لها الأثر الأكبر، من نجاح الإخوان ثم صعود السيسي وما استخدمه ضد الإخوان، اعتقاده المطلق أن حماس جزء لا يتجزأ من حربه على الإخوان، وهنا كانت النقطه الفاصلة، لأن حماس شعرت أن السيسي يعمل ضد وجودها من إغلاق الأنفاق وتسكير معبر رفح.
عملت حماس على إلغاء دور مصر السياسي عن طريق إلغاء أي دور لها في التفاهم بين حماس وإسرائيل، خاصه إذا عرفنا أن أهمية مصر الخارجية تكمن في القضية الفلسطينية وخاصة غزة وحماس، واستثنائها سيجعل الاهتمام بها كدولة محورية يزول خاصة إذا عرفنا أن هناك دولة علاقتها مع السيسي سيئة لكن علاقتها مع حماس وإسرائيل ممتازة، وإذا عرفنا أن السيسي يصنفها أنها دولة من ضمن أعدائه وهي تركيا المرشحة لأخذ دور مصر.
في ظل هذه الظروف المعقدة، كانت هناك السلطة الفلسطينية التي تنظر إلى حماس أنها منقلبة على الشرعية وأنها أخذت غزة تحت حكمها، ومحاولاتها الضغط على حماس، في ظل تلك الأوضاع غير الطبيعية على حماس والجميع، وفي ظل جميع المحاولات لفك الأزمة بين السلطة التي تتزعمها فتح وبين حماس وتأزمها، ظهر رجل يراقب الجميع وطامح اختلفت معه أو لم تختلف، علاقته مع المعظم الفلسطيني من الرئيس إلى حماس سيئة، لكن بيده الكثير من الأمور والكثير من الحلفاء الإقليميين وعلى رأسها مصر وصديقه السيسي.
إنه محمد دحلان ذلك الشاب الفلسطيني الطموح المغامر الذكي، رجل يعرف كيف يسبح في غمار بحار السياسة واستغلال الرياح لصالحه، رجل قال عنه منتقدوه إنه رأس الحربة ضد الربيع العربي، رجل كلما اعتقدت أنه انتهى يطل عليك بأشياء غريبة يتحير بها القريب والبعيد، ومن أغرب الأمور التقارب مع حماس، ربما يكون الأغرب للبعض قبول حماس بهذا، العدوان اللدودان، رغم عدم التصريح بهذا لأسباب كثيرة أقلها عدم التأثير على عناصرهما.
لكن ظهوره سيكون له أهداف منها: تقريب وجهات النظر بين حماس ومصر، وكذلك أن تسمح حماس لمؤيديه بالحرية في التحرك، والسماح للأكاديميين والمثقفين وأكثرهم من مؤيدي دحلان الخروج إلى ما أطلق عليه المؤتمر العلمي في البحر الأحمر في مصر، والسماح لزوجته بدخول غزة، هناك شيء مهم أن محمد دحلان هو ابن غزة ومخيمها وشعوره مع أهله في غزة بما يعانوه ليس له أي تفسير سياسي ولا يتبع أجندات ومصالح بل هو شعور طبيعي تجاه المكان الذي تربى به والأناس الذي عاش معهم في السراء والضراء، وهذا شعور طبيعي لأي إنسان، لذا هو لا يدخر مجهودًا بما يقدر عليه في المساعدة رغم صعوبة ما يقوم به في ظل أطراف كثيرة معادية لبعض.
حماس وجدت في الأمر بارقة من النور، خاصة في فك جزء من الحصار عن غزة وعنها، ونظرت حماس أن السياسة مصالح ولا يوجد فيها صديق أو عدو، تم السماح للوفد بالخروج إلى المؤتمر والسماح لزوجة دحلان بممارسة عملها في غزة، في ظل تلك الأوضاع كانت السلطة ورئيسها محمود عباس ينظران إلى هذا الأمر ببالغ الخطورة، خاصة التقارب بين محمد دحلان مع حماس، هذا التحالف الأخطر من نوعه، لهذا تم التحرك من قبل الرئيس لكي يمنع هذا التقارب، وأسهل الطرق التوجه مباشرة إلى حماس وخالد مشعل لكي يتم وضع النقاط على الحروف ويكون هناك تفاهم حقيقي مع حماس.
لكن هل حماس ستقتنع أم تنظر بكثير من الشك أنها ليست صندوق بريد لتوجيه رسائل؟ يبقى كل شيء مبهمًا وأظن أن المصالح والمصلحة وما سيكون عليه المستقبل لكل طرف سيحدد الكثير من الأمور، وفي النهاية يبقى محمد دحلان فلسطينيًا موجودًا ولا يقدر أحد في العالم على إلغاء وجود أي فلسطيني، اختلفنا معه أو لم نختلف، السؤال المهم: هل محمد دحلان فلسطيني؟ نعم فلسطيني يحق له ما يحق لأي فلسطيني.