منذ انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية وسيطرتهم على صنعاء بدأت أحوال الاقتصاد اليمني تزداد تدهورًا، حيث تقهقرت شركات القطاع الخاص في الدولة وانهارت مؤسسات حكومية وتوقف الإنتاج ونهبت موارد الدولة بسبب الصراع الدائر والمستمر وكل ذلك لصالح الإنفاق الحربي من قبل الحوثيين، فقد أفضت الحرب الدائرة منذ تلك الفترة لتوقف الإيرادات النفطية والرسوم الجمركية والضريبية؛ ما وضع المالية العامة والقطاع الحكومي في اليمن الفقير أصلاً في أزمة مالية حقيقية.
ومع الوقت بدأ يظهر “كيان اقتصادي موازٍ”، حيث عمل الحوثيون على تكوين إمبراطورية مالية كونت ثروتها من موارد الدولة وعائدات السوق السوداء.
تجار الحرب
أفرزت الحرب المندلعة طبقة جديدة من التجار استغلوا وضع الفوضى وحالة الحرب التي تمر بها البلاد بعد ما أفلس كثير من أصحاب الأعمال والتجار وأنهوا تجارتهم وهاجر آخرون تاركين أعمالهم وبضاعتهم في اليمن لتصبح عرضة للنهب من قبل الميليشيات المقاتلة.
في هذه الآونة ظهر تجار من العدم استغلوا جفاف الأسواق من الإنتاج الحكومي وغياب التجار الأصليين والضلوع بالدور الذي كانت تقوم به مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، فعملوا في تجارة الصرافة وتزويد الكهرباء للسكان من خلال محطات كهرباء مزودة بمولدات عملاقة ومثلها للغاز والبترول، بعدما عطلوا شركة النفط اليمنية وشركة الغاز المنزلي اللتين كانتا ترفدان الخزينة العامة بالمال.
ويعاني اليمن من أزمة سيولة مالية منذ ثلاثة أشهر أدت إلى تفاقم معاناة الناس وصعوبة توفير رواتب الموظفين، إذ يتهم خبراء اقتصاد أن الحوثيين تسببوا بأزمة سيولة مالية في الاقتصاد اليمني من خلال سحب العملة المحلية وتكديسها في حسابات وخزائن خاصة بهم. وتزامن هذا مع إغلاق المؤسسات العامة وسيطرة الحوثيين عليها وتحول موارد الدولة لصالحهم؛ ما أدى إلى فصل الموظفين والعاملين في تلك المؤسسات؛ فانهارت الطبقة الوسطى وباتوا فقراءً بعد توقف رواتبهم.
ويفيد مراقبون أن الطريقة التي ينتهجها الحوثيون من تدمير للاقتصاد ونهب لموارد الدولة يمثل استهدافًا مباشرًا لأرزاق مئات آلاف الموظفين وأسرهم وتكريسًا لنهج العصابات وتجار الحرب.
أدى استنزاف الحوثيين لموارد المركزي إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى أقل من مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2014.
وذكرت تقارير إعلامية أن الحوثيون أنشأوا نحو 20 شركة نفطية جديدة لاستيراد الوقود مملوكة لقيادات في الجماعة وموالين لها، كما تعمل إيران على تمويل الجماعة بالمال من خلال شحنات الوقود، إذ تقبل الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحتى الخاضعة للحكومة الشرعية تسديد قيمة المشتقات النفطية بالعملة اليمنية المحلية ويتم تسليم المبالغ المالية إلى وكيل الحوثيين في اليمن، بينما جرت العادة أن تشترط الشركات الموردة للمشتقات النفطية تسديد قيمة الواردات بالدولار.
ساهمت طريقة تمويل إيران للحوثيين بتشكيل أزمة سيولة مالية في الأسواق المحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في ظل عدم طباعة عملة جديدة، إذ تعمل طهران على تصدير أسوأ أنواع النفط إلى اليمن شرط أن يتم تحويل المبالغ المالية للحوثيين وبهذه الطريقة فإن مليارات الريالات تتحول يوميًا إلى الحوثيين بشكل منتظم ورسمي.
وبالإضافة لما سبق، فقد سيطر الحوثيون على إيرادات الدولة من ضرائب شركات الاتصالات والتي تقدر بمليارات الريالات سنويًا وتورد لحسابات خاصة خارج البنك المركزي، حيث أوردت صحيفة العربي الجديد عن مصادر أن الحوثيين صادروا ضرائب شركات الهاتف النقال لعامي 2014 و2015 والتي تقدر بنحو 100 مليار ريال أو ما يعادل 390 مليون دولار سنويًا.
وبعدما جاء قرار السلطة الشرعية اليمنية منتصف سبمبر/ أيلول الماضي بنقل البنك المركزي من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عدن عاصمة اليمن المؤقتة، بدأت الجماعة بجمع التبرعات بذريعة دعم البنك المركزي، بينما يؤكد فرع البنك المركزي في صنعاء أنه لم يتم توريد أي مبالغ من حملة التبرعات إلى البنك، فيما يشار أن التبرعات تذهب لحسابات شخصية لقادة الحوثيين تصب في النهاية للصرف على نفقات الحرب، حيث تمكن الحوثيون من جمع ما يقرب من 39 مليون دولار خلال 40 يومًا منذ افتتاح باب التبرعات وحتى نهاية أكتوبر الجاري.
وقد أدى استنزاف الحوثيين لموارد البلاد إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى أقل من مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2014.
صادر الحوثيون ضرائب شركات الهاتف النقال لعامي 2014 و2015 والتي تقدر بنحو 100 مليار ريال
حيث أكيد محافظ البنك المركزي الجديد في نهاية الشهر الماضي أن وجود المقر الرئيسي للبنك المركزي في صنعاء تحت هيمنة الحوثيين أدى لتوجيه موارده وموجوداته لتمويل النفقات الحربية للحوثيين ضد السلطة الشرعية، كما بلغت السحوبات النقدية غير القانونية من قبل الحوثيين من خزائن البنك في صنعاء والحديدة نحو 1.8 مليارات دولار خلال الـ 18 شهرًا الماضية.
ويعول اليمنيون على التحالف العربي الذي أطلق حملة عسكرية ضد المتمردين الحوثيين لتقديم دعم مالي لرفد الاحتياطي الخارجي ووضع وديعة نقدية لإنقاذ الريال والاقتصاد ككل، خصوصًا بعد نقل المركزي اليمني إلى عدن، وتؤكد الحكومة اليمنية أنه لا يمكنها مواجهة الانهيار الاقتصادي في ظل الحرب دون مساعدة الدول الحليفة لها، وقد طلبت الحكومة في منتصف أكتوبر الجاري مساعدات مالية بعد نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن.