هل بمقدور الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة مواصلة فترته الرئاسية الرابعة إلى 2019؟ وماذا بعد هذا التاريخ في ظل الصراع الخفي بين الرئاسة والجيش، الذي قاد منذ فترة دعاوى المعارضة المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، قبل أن يحسمها موالو بوتفليقة بالتأكيد على أنه “خط أحمر” ليعاد انتخابه من جديد على كرسيه المتحرك؟
أزمة مع الجيش والمخابرات
أزمة بوتفليقة – الجيش، بدأت بالظهور قبيل الانتخابات الماضية وتحديدًا في أكتوبر 2015، حينما حاول الإعلام الحكومي الموالي لبوتفليقة الترويج لإمكانية واستطاعة النظام الإطاحة بقادة الأمن والمخابرات، أصحاب الفضل الأول في مكافحة الإرهاب والسيطرة على البلاد بعد فترة طاحنة في التسعينات، وهو ما دفع بالمحللين لطرح تساؤل هام وقتها مفاده: من يتحكم فيمن داخل أروقة السلطة في الجزائر، هل النظام يتحكم في المخابرات أم العكس أم هناك متحكم آخر خفي؟ وما موقع العسكر من كل هذا؟
ولاية خامسة
الترويج لهذا الخبر عاد من جديد بعد ظهور الحديث داخل أروقة الحكم بالجزائر عن تحالفات جديدة استعدادًا لما بعد الولاية الرابعة للرئيس المقعد، حيث يسعى عدد من المدنيين للتجهيز لولاية خامسة لبوتفليقة، بعد 17 سنة قضاها في الحكم، في مقابل مساعي نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، في محاولة لقطع الطريق على مجموعة العسكريين التي كانت تعد العدة قبل الانتخابات الماضية التي حسمها “الخط الأحمر” بوتفليقة.
التناول الإعلامي الجديد لأزمة بوتفليقة – الجيش الصامتة، يقرأه المحللون باعتباره محاولة للتأكيد على أن النظام الحاكم حاليًا يمكنه “التخلص” مما كان يثقل كاهله، بعد انتهاء موجة الإرهاب الدموية بالبلاد، في حين يراها البعض الآخر تقدمة للحالة التي ستكون عليها الانتخابات المقبلة في 2019 وكأنها تهيئة لقبول أي من الجانبين.
صلاحيات بوتفليقة
من المعروف أن جهاز المخابرات الجزائرية يخضع لرئيس أركان الجيش، ويقع تحت السلطة المباشرة لوزير الدفاع أي الرئيس، الذي يتمتع بصلاحيته كقائد أعلى للقوات المسلحة، بما فيها الإحالة إلى التقاعد لأي ضابط في الجيش، كما يمكنه الإبقاء على الضباط الذين تخطوا سن التقاعد في مناصبهم، وهي الصلاحيات التي تحرك بمقتضاها بوتفليقة لمنع المخابرات من الضبطية القضائية في قضايا الفساد، قبل أن يحرمها من مديرية أمن الجيش ومديرية الإعلام، والإطاحة بمدير مكافحة التجسس ومدير الأمن الرئاسي.
ولاية بوتفليقة الحالية والممتدة للعام 2019، تعتبر ولاية حاسمة – في حال استمرت – في تاريخ رئيس شكلت حالته الصحية وقدرته على الحكم نقطة استفهام كبرى، وأعطت الفرصة لكثير من التأويلات والتساؤلات عن الحاكم الحقيقي للجزائر.
صراع الكبار
الآن، الصراع الكبير على منصب الخليفة المفترض، بات على أشده بين مجموعة المدنيين التي يقودها رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، المدعوم من أمين عام جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، وعدد من الوزراء الذين يرون أن الرئيس بوتفليقة الذي شارك في ثورة الاستقلال في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم يعد من المجاهدين، والدولة الآن في مرحلة حاسمة في تاريخها تحتاج لمثل هذا الرجل، في حين يقود المجموعة الثانية نائب وزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، الذي توحي تحركاته اليومية وخطبه المستمرة بين الجنود بأنه يبحث عن دور سياسي في القريب العاجل، وهي الخطوة التي أكدتها التحركات الأخيرة لرئيس الأركان، بإعلانه مباشرة دعمه لعمار سعداني، أمين عام الأغلبية السابق، وهو ما يعني رغبته الانخراط في السياسة عبر دعم حزب كبير ومنتشر بالمجالس البلدية والبرلمان، هو حزب “جبهة التحرير”، الذي يعد عمار أمينًا عامًا له، وهي الإشادة التي ردها سعداني سريعًا لرئيس الأركان خلال مداخلاته المتتالية بالإعلام، ما أثار حفيظة أركان الحكم التي اشتمت رائحة شيء ما بين صالح وسعداني، استعدادًا للانتخابات المقبلة قبل أن يبادر بوتفليقة بتنحية سعداني من قيادة “جبهة التحرير” التي تعد حزب الرئيس.
الفريق قايد صالح مع حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد
رد بوتفليقة السريع له ما يفسره، وهو إعلانه رغبته في مواصلة مسيرة الحكم بالبلاد لفترة خامسة، خصوصًا بعد أن أجرى تعديلاً دستوريًا في بداية العام الحالي حول فترة ولاية الرئيس من الترشح مدى الحياة إلى الترشح فترتين فقط، تبدأ من الانتخابات الماضية أي أن بمقدوره الترشح لولاية ثانية أو خامسة، أيًا كان مسماها في 2019.
مخاوف إقليمية ودولية
رغم البُعد الزمني نسبيًا للعام 2019، إلا أن الاستعدادات لنقطة الصفر تجري من الآن على قدم وساق داخليًا وإقليميًا ودوليًا، خوفًا من أزمة في نقل السلطة قد تثير في حال فشل السيطرة عليها تداعيات قد تعصف بالمنطقة ككل، الأمر الذي أظهر صراعا فرنسيًا – أمريكيًا، حول الوضع الداخلي بالبلاد يرى العنصر الفرنسي فيها أهمية إبقاء الحالة الجزائرية داخلية من منطلق الدور الشعبي لاختيار الحاكم سواء كان بوتفليقة أو غيره، مع الترويج ضمنيًا لأسماء تراها جديرة بمواصلة مسار حكم الرئيس بوتفليقة، بحكم أنها رافقته طيلة رئاسته للجزائر، مثل رئيس الحكومة عبد المالك سلال، ورئيس ديوان الرئيس أحمد أويحيى، وأمين عام حزب الأفلان سابقًا عبد العزيز بلخادم.
فيما يرى الطرف الأمريكي أهمية دعم عنصر يحقق مصالحها بالمنطقة، ويحافظ عليها مثل وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، المقرب من دوائر صنع القرار في أمريكا، ويسعى لطرح نفسه ككفاءة جزائرية ذات تكوين أمريكي، والذي سارع مؤخرًا لانتقاد الفرنسيين واتهامهم بالوقوف وراء تسريبات وثائق بنما، التي ورد اسم زوجته فيها، كما هاجم الشركات الفرنسية العاملة بالجزائر، كما كان يحاربها حينما كان على رأس مؤسسات الطاقة بالبلاد.
شبح الهجرة والإرهاب
أزمة انتقال الحكم بالجزائر لا تقتصر فقط على البُعد المحلي، بل تمتد للبُعدين الإقليمي والدولي، حيث ينظر للجزائر باعتبارها لاعب فاعل في الملف الليبي المتأزم حاليًا بعد انتشار الجماعات الإرهابية بها، بالإضافة لمنطقة الصحراء.
وبعيدًا عن البُعد الإقليمي يبرز دور الجزائر دوليًا في أهميتها لكل من أوروبا والولايات المتحدة على قدم المساواة، حيث تخشى أوروبا انطلاق موجة هجرة جماعية من الجزائر، إذا لم تحافظ الأخيرة على حالة الاستقرار فيها مثلما حدث في سوريا، ولا سيما مع القرب الجغرافي بين الجزائر والحدود الأوروبية، العامل الذي قد يسهل في اتخاذ قرار الهجرة بالنسبة لمواطني البلد في حال سادها أي اضطراب، فيما تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الجزائرَ شريكًا رئيسًا في محاربة “الإرهاب” في منطقة شمال إفريقيا وغربها، وتتخوف الإدارة الأمريكية من اتساع نطاق انتشار الجماعات المسلحة، ما قد يزيد الوضع الأمني تأزمًا في شمال أفريقيا.
الخلاصة
بعيدًا عن أي سيناريوهات متوقعة، يرى كل المحللين المتابعين للشأن الجزائري أن عملية اختيار الرئيس الذي سيخلف بوتفليقة، ستخضع لمؤثرات ولاعبين جدد، على خلاف التجارب السابقة، ومن المتوقع أن يكون لرجال الأعمال – خاصة أصحاب العلاقات الخارجية مثل شكيب خليل وغيره – كلمتهم في رسم معالم المرحلة المقبلة، بالإضافة لدور وسائل الإعلام التي تحاول النخبة الحاكمة اليوم إعادة رسمها وفق توجهاتها.