التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء الفرد وتكوين شخصيته وتنمية قدراته، كما يعد التعليم ركن من الأركان الأساسية في بناء الدولة ورقيها وتقدمها، ولأن “التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”، أصبح من الأشياء الهامة النظر إلى نوعية التعليم وطرق التدريس منذ دخول الأطفال مرحلة رياض الأطفال حتى وصولهم إلى الجامعة.
ففي نهاية الستينات ، ابتكر البرازيلي باولو فيريري نمطًا جديدًا من التعليم، يلغي ما أسماه المفكر الاشتراكي “التعليم البنكي”، الذي يقوم الطالب فيه بإيداع معلومات في حسابه، يستدعيها وقت الامتحان عبر الحفظ والاستظهار.
فيريري قدم بديلًا عن هذا النمط، هو التعليم بالمشاركة ونجح في تعليم 300 من مزارعي القصب في البرازيل الكتابة والقراءة في أسابيع، وفق مفهومه القائل بأن التعليم يحرر المقهورين، لكن انقلابًا عسكريًا وقع في البرازيل أدى إلى فشل مشروعه.
التعليم.. لعب وابتكار بلا مدارس
وشاركت TED-ed صرخة فيريري ودعوته إلى التعليم بالمشاركة والنقد، وقامت بمبادرة تدعو إلى هذا النمط من التعليم؛ فقد نوقش في مؤتمر TED-ed (أو تيد للتعليم) الذي عقد مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، أساليب مستقبلية مختلفة للتدريس في الأنظمة التعليمية.
طرحت في المؤتمر أفكار كثيرة للنقاش المجتمعي في الدول المشاركة مثل التركيز على الجوانب الإبداعية في العملية التعليمية، وحلول المشاكل أكثر من حفظ المعلومات، والتعليم التكنولوجي، وكذا التعليم المقلوب!
فمن جانبها ربطت المعلمة البولندية “مالجوراتزا جوتسيكا” التعليم بالابتكار في مؤتمر “تيد للتعليم”، حيث قالت: “الابتكار عملية مستمرة حتى من الطلبة أنفسهم، بما في ذلك البحث عن الأفكار، ومشاركتها مع المعلمين، والحفاظ على حماس التلاميذ للمشاركة والمبادرة”.
وأضافت جوتسيكا “الهدف الأساسي لعملية التعليم في الماضي، كان يقوم على زيادة الحصيلة الاستيعابية للتلاميذ بما يتوافق مع أعمارهم، لذلك كان يتم تكرار المعلومات في فصول مكدسة، ثم يتم إكمال تلك المهمة في المنزل، عندما يطلب من الطالب أداء الواجب المدرسي في البيت”.
لكن هذا الأسلوب ربما لا يكون ذا جدوى في المستقبل، إذ أصبحت المعلومات أقرب من لمسة إصبع على الهاتف الذكي، أو جهاز الكومبيوتر، كما أن النظام التقليدي في التعليم، يجعل عملية نقل المعلومات في اتجاه واحد من المعلم إلى التلاميذ، وهذه الطريقة، أحد أبرز المعوقات في تطور العقلية الابتكارية، الضرورية للتعامل مع المستقبل.
ودعا “نيكولاس بروفينزو” وهو معلم من الولايات المتحدة الأمريكية خلال مداخلته بالمؤتمر، إلى عدم الوقوف في طريق الطالب ليكون أكثر ابتكارًا.
وبرر ذلك بأن تكنولوجيا مثل جوجل ويوتيوب لن تكون ممنوعة على تلاميذ المستقبل في أثناء تحصيلهم الدراسي، بل على العكس، سيجيب جوجل عن تساؤلات الطلاب ويستخدمونها في مشاريعهم البحثية، فلن يضطر الطالب في المستقبل أن يحفظ قانون حل المعادلة التربيعية، مثلًا، لأنه سيحصل عليها من جوجل، وسينصب تركيزه على كيفية توظيف تلك المعادلة بدلًا من ذلك، كما يرتكز التعليم المستقبلي على الإبداع والابتكارات التقنية.
في المستقبل، كما يؤكد بروفينزو، ستتحرر عملية التعليم، لتجعل أفكار الطالب أكثر نقدية، بحيث توجه كل طاقته لإيجاد حلول للمشكلات.
وكما هو الحال الآن، سيتم تدريس الرياضيات والآداب والعلوم، ولكن بشكل مختلف، ففي الرياضيات سيطلب من الطالب أن يحل الألغاز الحسابية بلعبة إلكترونية، لجمع النقاط، ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى، وهكذا.
أما في الأدب، سيطلب من الطالب عرض بدائل خيالية من وجهة نظره، لما يجب أن يفعله البطل في قصة ما، حيث سيكون تحفيز الخيال هو العامل الأساسي في تعليم المستقبل.
مهمة المعلم في التعليم المستقبلي، بحسب بروفينزو، ستكون إرشاد الطالب لاستخدام التقنيات الأسهل، والأسرع، لإنهاء بحثه ومحاولة الإجابة عن تساؤلات الطلبة، إذا ما احتاجوا للمساعدة.
“المرح يملأ المكان، وفي الوقت نفسه يتعلم الطلبة، ومع كل يوم جديد يعرفون ما ينبغي معرفته، الأولاد يحبون اللعب”، هكذا تقول الكاتبة الفرنسية المختصة في التعليم إيستر ووتشسكي، فهذا النوع من التعليم، يهتم بالأساس بتحفيز وتسهيل اللعب، وسيكون للعبة قواعد بالطبع، فيما سيكون هيكلها المعلومات التي يتشاركها الطلاب، من خلال تحقيق هذه القواعد.
تتطلب هذه الألعاب، كما توضح ووتشسكي، فصولًا مفتوحة ومساحات حرة، حيث يقوم طالب بمتابعة الوقت بطريقة معينة، ويجهز آخر أرضية اللعب بصنع أشكال هندسية بطريقة ما، وآخر يأخذ دور الحكم، مطبقًا قواعد اللعبة التي قرأها الجميع، بينما تكون اللعبة نفسها – مثلًا – التنافس في التحدث بلغة أجنبية ما، أو حل مشكلة رياضية.
“لا تضع نبيذًا جديدًا في قوارير قديمة”، مثل قديم لجأ إليه هيوك غانغ من كوريا الجنوبية، ضاربًا مثال عن مفهوم التطور في أساليب التعليم، يوضح غانغ، أنه على الرغم من تغير العالم، إلا أننا لا نزال نتعلم بطريقة تم ابتكارها خلال فترة الثورة الصناعية، بطبيعة الحال، هذه الطريقة لن تكون ناجعة الآن، بعد عشرات العقود.
هذه الطريقة – يواصل هيوك -، “لا تصلح الآن لحل المشكلات المعقدة التي يواجهها الطلاب، وبالتأكيد لن تكون مناسبة في المستقبل، فهي لا تعلم الطلاب أن يكونوا خلاقين، وأعتقد أنه ينبغي على التعليم أن يكون أكثر فردية، ويوفر فرصًا أكبر لإتاحة الموارد على شبكة الإنترنت، ويركز أكثر على المعارف المستمدة من واقع الحياة وتطبيقاتها”.
وجدير بالذكر أن TED-ed هي المنصة التي يتشارك فيها كافة المؤثرين والملهمين حول العالم قصصهم ونصائحهم وتجاربهم الشخصية من أجل إلهام الجمهور، ويتم تنظيم مؤتمر تيد في العديد من المدن والدول حول العالم، ويرمز لفظ تيد اختصارًا إلى ثلاث كلمات هي (التكنولوجيا والترفيه والتصميم).
التعليم التقليدي
وبناءً على ما تم ذكره أعلاه، لا بد من التطرق إلى المشاكل التي تواجه “التعليم التقليدي” وتقف كعائق أمام استخدام “تكنولوجيا التعليم” على أرض الواقع، وهذة قائمة ببعض المشاكل والحلول المقترحة لحلها:
أولاً: مشاكل التعليم التقليدي.. مشكلات ترتبط بالطلبة
– كثره غياب الطلبة والتسرب بسبب ملل الطلاب من طريقة الدراسة.
– ضعف القدرات البصرية والسمعية عند بعض الطلاب (الفروق الفردية).
– اختلاف مستوى الطلاب ما بين موهوبين وضعيفي الاستيعاب (الفروق الفردية) .
– مشكلة السرحان عند الطلاب التي تهدر كثيرًا من المعلومات التي يلقيها المعلم على مسامعهم وهم غير منتبهين.
ثانيًا: مشكلات مرتبطة بالمنهج الدراسي
– قد تكون المناهج قاصرة عن مواكبة الواقع العملي بسبب الانفجار المعرفي.
– مناهج طويلة قد لا تكفي سنة دراسية لإكمالها.
– شق تطبيقي ضعيف بالمقارنة مع الجانب النظري.
ثالثًا: الفصل الدراسي وإدارة المدرسة
– ازدحام الفصل الدراسي وكثافة الفصول بالطلاب.
– وقت الحصة ضئيل جدًا بالنسبة للمنهج الدراسي.
– مشكلة الوقت المهدر.
الحل.. تكنولوجيا التعليم
بعد سرد هذه العينة من المشاكل التي تعاني منها الفصول الدراسية في العالم العربي عامة مع فروق قد تختلف من بلد لآخر لكنها تبقى متقاربة عمومًا، تأتي التكنولوجيا كحل قد يساهم في القضاء أو على الأقل الحد منها، و يبقى السؤال الأهم هو: كيف يمكن ذلك؟
أولاً: المشكلات المرتبطة بالطلبة
مشكلة غياب الطلبة: في المدرسة الإلكترونية يسجل الوكيل الإلكتروني للطالب، المحاضرات ويسلمه إياها أو يضعها مباشرة على الموقع الخاص بالمدرسة.
ضعف القدرات البصرية والسمعية عند بعض الطلاب (الفروق الفردية): باعتماد المدرسة الإلكترونية سنتخلص من كل ذلك من خلال اعتمادها على برامج محفزة وجاذبة للانتباه وعملية وسريعة.
اختلاف مستوى الطلاب ما بين موهوبين وضعيفي الاستيعاب (الفروق الفردية): التعليم الإلكتروني يجعل كل طالب يسير على حسب قدرته الخاصة ويتقدم الموهوبون بإضافة تمارين إثرائية بينما يعاد الدرس بطريقة أبسط للمتعثر حتى يستوعبه.
مشكلة السرحان عند الطلاب: لا شك أن اعتماد التكنولوجيا في التعليم سيكون حلاً ناجعًا نظرًا لحب الطلاب للتكنولوجيا وقربهم منها واستعمالهم لها بشكل يومي.
ثانيًا: مشكلات مرتبطة بالمنهج الدراسي
المناهج قاصرة عن مواكبة الانفجار المعرفي: تكنولوجيا الحاسب بإمكانها أن تساهم في مساعدة المتعلمين والمدرسين للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات وذلك قد يكون بحفظها في أسطوانات مدمجة أو أسطوانات عادية أو تخزينها في الحاسب أو على شبكة الإنترنت (التخزين السحابي).
كذلك باستخدام تقنية الحاسب لم يعد المتعلم مضطرًا لشراء الكتب أو الموسوعات ذات الأحجام الكبيرة في حين أنها متوفرة على أسطوانات مدمجة وبأسعار رخيصة.
ثالثًا: الفصل الدراسي وإدارة المدرسة:
ازدحام الفصول الدراسية ونقص المعلمين: استخدام تكنولوجيا الحاسب يمكن أن يساهم بشكل كبير في معالجة هذه المشكلة باستخدام برامج يتم إعدادها من قبل المتخصصين في المجال التربوي والتي تسمح بالتفاعل بين الطالب والحاسب، كما تعطينا التكنولوجيا فرصة للتعلم الفردي حيث يتمكن كل طالب بالتعامل مع الحاسب والحصول على المعلومات التي يرغبها حسب قدرته واستعداده للتعلم.
وقت الحصة ضئيل جدًا بالنسبة للمنهاج الدراسي: نستطيع التغلب عليه من خلال استخدامنا لجديد تكنولوجيا التعليم التي توفر كثيرًا من الوقت كونها تجمع الكم المطلوب تدريسه في زمن معين، فالمعلومات التي يحتاج المدرس لوقت طويل لإيصالها للمتعلم، تستطيع التكنولوجيا إيصالها من خلال عرض فيديو تعليمي أو صور أو خطاطات.
مشكلة الوقت المهدر: التعليم الإلكتروني يتجاوز قيود الزمان والمكان في العملية التعليمية، ويراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، ويسهم في حل مشكلة ازدحام الفصول وقاعات المحاضرات ومواجهة العجز في هيئات التدريس,، وينشر ثقافة التعليم والتدريب، ويوفر بيئة تعليمية تسمح للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور وإدارة المدرسة بالتواصل.
أهمية التكنولوجيا في التعليم
تلعب التكنولوجيا دور المرشد الذي يساعد المعلم في توجيه المادة العلمية للطالب، فالتكنولوجيا تستطيع أن تغير شكل تقديم الدروس للطالب على نحو يعطي فرصة أكبر وأسهل في الفهم والتعلم.
إن وسيلة تعليمية حديثة كالكمبيوتر يكون محط أنظار الطلبة لاستخدامه في مجال التعليم واتخاذه كمرشد أو معلم إلكتروني مساعد يرشدهم ببرامجه المتنوعة ووظائفه المختلفة في مجال التعلم.
كذلك يفتح الإنترنت بابًا جديدًا يساعد الطلبة في الفصل الواحد أن يشتركوا في أنشطة تعليمية مختلفة في مجال البحث وتبادل المعلومات من خلال هذه الأنشطة، كما توفر التكنولوجيا مصدرًا غزيرًا من المعلومات التي يحتاج لها المعلم والطالب على حد سواء.
وأيضًا التكنولوجيا كمصدر للتخاطب فتحت فرعًا واسعًا أصبح فيه المعلم والطالب في اتصال متواصل عن طريق التحدث عبر شبكة الإنترنت .
وجدير بالذكر أن تكنولوجيا التعليم بمعناها الشامل تضم الطرق، والأدوات، والمواد، والأجهزة، والتنظيمات المستخدمة في نظام تعليمي معين بغرض تحقيق أهداف تعليمية محددة.
ويتضح من ذلك أن تكنولوجيا التعليم لا تعني مجرد استخدام الآلات والأجهزة الحديثة، لكنها تعني في المقام الأول الأخذ بأسلوب الأنظمة، وهو اتباع منهج وأسلوب وطريقة في العمل تسير في خطوات منظمة، وتستخدم كل الإمكانيات التي تقدمها التكنولوجيا وفق نظريات التعليم والتعلم.
وقد شهدت تكنولوجيا التعليم طفرة عظيمة في القرن الحالي، فتطورت آليات التعليم بصورة سريعة جدًا مستغلةً تطور التكنولوجيا، فازدادت إنتاجية التعليم، وأصبح أكثر متعة، وازداد تفاعل الطالب، وتوفرت له القدرة على الإبداع بشكل أكبر، فأصحبت مؤسسات التعليم بنوعيها الحكومي والخاص تتجه لإيجاد وتوفير الوسائل الفعالة التي تساعد الطالب على التعلم بشكل أكثر ليونة.