في 24 أكتوبر وصل إلى صنعاء المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وسط احتقان شديد لدى طرفي صنعاء، وكذلك من سلطنة عمان تجاهه، والذي اتهموه بعدم الحيادية، وأن مواقفه بعيدة عن السلام وتبني لأطروحات دول التحالف.
المبعوث اﻷممي إسماعيل ولد الشيخ تجاهل ذلك تمامًا، ورفض أيضًا مقابلة رئيس المجلس السياسي المعلن من قبل تحالف الحوثي وصالح عبر اتفاق أعلن نهاية أغسطس الماضي، وقدم مبادرة اﻷمم المتحدة، وناقش أيضًا مد الهدنة الهشة أسابيع أخرى.
وقبل قراءة تلك الخطة التي قدمها المبعوث اﻷممي إلى أطراف الصراع اليمني، لا بد أن نشير إلى أسباب عدم مقابلة ولد الشيخ رئيس المجلس السياسي الحوثي، وكذلك إلى أسباب الهجوم عليه من قبل المؤتمر الشعبي العام وسلطنة عمان.
عدم اعتراف
المبعوث الأممي إلى اليمن، تعمد عدم مقابلة المجلس السياسي اﻷعلى المكون من قبل تحالف الحوثي وصالح في 28 يوليو 2016، حتى لا يعطيه صبغة قانونية أو تشريعية للاعتراف به دوليًا ولو رمزيًا من قبل اﻷمم المتحدة كطرف وحيد يمثل طرف يمني داخلي مقابل طرف الحكومة الشرعية المقيمة خارج أراضيها.
فمقابلة ولد الشيخ لأي عضو فيه يعني أن هناك اعتراف أممي بالتصعيد السياسي من قبل طرفي صنعاء، وهو ما من شأنه أن يقلص من نفوذ الحكومة الشرعية المدعومة دوليًا، من خلال توالي اﻷطراف الدولية بالاعتراف رسميًا بهذا المجلس، بعد مقابلة المبعوث اﻷممي له، والتي تتحين الفرصة ﻹعلان ذلك رسميًا.
لكن يبدو أن المبعوث اﻷممي سافر إلى اليمن، وقد تم تحذيره من الوقوع في هذا المستنقع، وهو ما بدا عليه من خلال إصراره ورفضه تمامًا مقابلة “المجلس السياسي”، سوى وفدي الحوثي والمؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، جاء ذلك في خضم الانتقادات التي وجهت إلى المبعوث اﻷممي ولد الشيخ من قبل الحوثيين وحزب صالح وسلطنة، بسبب ما قالوا إنه خرج عن الحيادية.
فعمان يبدو أن اتهامها له جاء بناء على معلومات وصلتها من دبلوماسيين غربيين أنه وراء تسريبات عن أن أراضي السلطنة ممرًا للأسلحة اﻹيرانية إلى الحوثيين، وهو ما نفته السلطنة، واعتبرته محاولة لزجها في الصراع التي نأت بنفسها عنه.
وأما طرفا صنعاء، فجاء اتهامهما له، بناء على مواقف سابقة سجلوها له، منذ أن تراجع عن رؤيته التي استخلصها من مشاورات أو حوار اﻷطراف المتخاصمة عندما كانت في الكويت، وتبنى وما زال الرؤية التي تقدمت بها المملكة العربية السعودية لحل الصراع في اليمن.
في الحقيقة، إن المبعوث اﻷممي شخصية ضعيفة، ولا يستطيع أن يفرض رأيه في أي موقف يتخذه من أجل إنهاء الحرب في اليمن، ومعها اﻷزمة الإنسانية المتفاقمة، ولعل عدم قدرته على الالتزام بعودة وفد الحوثيين وصالح إلى العاصمة اليمنية صنعاء عقب فشل مباحثات الكويت وأقاموا في عمان لثلاثة أشهر ويزيد قليلاً، كان القشة التي قصمت مصداقيته وقدرته على قيادة المباحثات اليمنية إلى شاطئ اﻷمان.
وقبل وصوله صنعاء، طالب في بيان التحالف العربي التي تقوده السعودية، وكذلك الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العالم لتمديد الهدنة الهشة، إلا أن مطالبه لم يلتفت إليها أحد، بل أغارت السعودية على مواقع في صنعاء في أثناء إقامته هناك، وفي نفس الوقت شن الحوثيون هجومًا على مناطق سعودية، وكذلك على المقاومة الشعبية في مأرب وجبهات القتال في نهم.
أيضًا تأخره في إعلان مبادرة وزير الخارجية اﻷمريكي جون التي أعلنها في 25 أغسطس 2016 في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض، وأكد فيها على أن هناك توافق رباعي بشأنها (أمريكي وبريطاني وإماراتي وسعودي)، وتحدث بأن الحلول التي فيها متزامنة مع بعضها ويتم تنفيذها في وقت واحد.
المبادرة اﻷممية موقف اﻷطراف
المبادرة اﻷممية التي تقدم بها المبعوث اﻷممي إسماعيل أحمد، تكشف العديد من المسائل والتعقيدات في الأزمة اليمنية مثيرة للاهتمام والجدل أولها هو الموقف المتباين من هذه الأزمة بين الأطراف الداخلية واللاعبين الإقليميين على حد سواء.
فالطريقة التي تعاملت بها الأطراف اليمنية مع هذه الخطة بدت لافتة وتثير أكثر من سؤال حول جدية تلك الأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس 2015.
فحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي مثلاً نفت في بداية اﻷمر على لسان رئيسها أحمد عبيد بن دغر تسلمها هذه الخطة من حيث الأساس، إلاّ أنها خرجت لتتحدث عنها يوم السبت 29 أكتوبر، وترفضها جملة وتفصيلًا.
لماذا ترفضها الحكومة؟
يبدو أن الحكومة المدعوة دوليًا قرأت المبادرة من نقاط عدة، واعتبرتها شرعنة لما تسميهم “الانقلابيين” واستبعاد الرئيس ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، وتقوي شرعية الحوثي وصالح من خلال الحكومة المقترحة.
وقرأت الحكومة واقعها السياسي، قبل أن تقرأ الواقع الاقتصادي للمواطن اليمني، وترفض أن يكون هناك نقلاً للسلطة، وإنما إزاحة لهادي.
الصاروخ الذي أطلقه الحوثيين إلى مطار في جدة وقالت السعودية إنه استهدف مكة المكرمة، يوضح أن رفض الحكومة الشرعية يأتي من هذا الباب، وهو بتوجيهات سعودية، لكي تستطيع أن تؤلب العالم الإسلامي على الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لممارسة الضغوط أكثر لتسجيل أي نصر سياسي قادم.
طرفا صنعاء
أما الطرف الآخر المتمثل في المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيين، فقد كان لهما من جانبهما الكثير من التحفظات والملاحظات على خطة ولد الشيخ، غير أن عدم وجود ردود فعل غاضبة تجاهها وتفضيل الصمت، وعدم إعلان موقف ثابت عليها يوحي أن المبادرة أراحتهم، ويرون أنها المبادرة المتوافقة مع متطلباتهم وأهمها تشكيل سلطة توافقية أولاً قبل الشروع في تنفيذ ترتيبات الانسحابات وتسليم الأسلحة الثقيلة.
المبادرة ذاتها أو الخطة ﻹحلال السلام في اليمن لم تخرج في معظمها عن تلك الأفكار والمقترحات التي تضمنتها مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وهي المبادرة التي لم تخرج بدورها عن مضمون القرار الأممي 2216، وإنما ارتأت إعادة ترتيب أولويات الحل السياسي من خلال مسارين أمني وسياسي يتقدمان بالتوازي لتوفير تسوية شاملة تتضمن تشكيلاً سريعًا لحكومة وحدة وطنية يشترك فيها أطراف النزاع في السلطة، إلى جانب انسحاب قوات الحوثيين والمتحالفين معهم من مناطق أساسية خاضعة لسيطرتهم من ضمنها صنعاء التي سقطت بأيديهم منذ سبتمبر 2014، ثم تسليم الأسلحة الثقيلة إلى طرف ثالث يتم التوافق على تشكيلة أطرافه.
عقبات تواجه المبادرة
خطة ولد الشيخ لا تزال بحاجة إلى تعديلات معينة تجعل منها أرضية واقعية قابلة للتطبيق، لكن من الواضح أنه إلى جانب التحديات (الفنية) لتنفيذها على أرض الواقع أمنيًا وعسكريًا فإن الجانب السياسي منها هو الأكثر تعقيدًا.
يبدو من الخطة أنها تعمل على استبعاد تدريجي للرئيس هادي ونائبه الجنرال علي محسن الأحمر من المشهد السياسي، لكنها لم تأت على ذكر مستقبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقائد الحركة الحوثية عبد الملك الحوثي الواقعين تحت طائلة العقوبات الدولية.
لا يبدو أن الرياض ستقبل بأي خطة سلام في اليمن تضمن لها على المدى البعيد دورًا واضحًا في المستقبل السياسي لليمن، وأن تتكفل بتحييد ترسانة الصواريخ البالستية لدى الحوثيين، وأن تطمئنها بتحصينها من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال هذا الصراع.
وأمام اصطدام كل محاولات الحل السياسي وعدم توفر متطلبات التدخل العسكري لتحالف الرياض، فإن من المؤكد أيضًا أن أصابع إيران لم ولن تكون لتبقى مكفوفة عن اللعب من وراء ستار في مجريات هذا الصراع.
الخلاصة
زيارة إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى صنعاء، يبدو أنها فشلت سياسيًا وأيضًا لاحتواء الغضب المتصاعد عليه من قبل اﻷطراف المتصارعة على السلطة في اليمن، لكنه نجح في تحقيق مهمة واحدة وهو الإبطاء في اﻹعلان عن التشكيلة اﻷساسية للحكومة “الوطنية” التي يتحدث عنها تحالف الحوثي وصالح، في انتظار الرد النهائي من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
وإعلان الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، رفضها لهذه المبادرة، ربما جاء بإيعاز سعودي، خصوصًا بعد أن أطلق الحوثيون صاروخًا بالستيًا باتجها مطار جدة، في انتظار تعاطف إسلامي ودولي، لتحقق مكاسب سياسية، بعدما استطاعت السعودية توظيف أن الحوثيين يستهدفون مكة المكرة قبلة كل المسلمين.