ترجمة حفصة جودة
لقد كان ينبغي على الأمطار أن تخبرنا عن ذلك، كانت الطائرات تحلق على ارتفاع عالٍ فوق حلب في مساء الليلة الماضية، وقد سمعنا قنابلهم وهي تنفجر بعيدًا في الريف خارج المدينة، بعدها هطلت أمطار دافئة وناعمة على أنقاض قلب المدينة، وغلفت الشوارع والمباني غرب حلب بالرذاذ، وعمّ المدينة هدوء غريب، ومع طلوع الفجر كانت السماء معتمة بالغيوم البنية، بحيث لا يستطيع الطيارون الروس والسوريون رؤية الأرض، إلا إذا حلقوا على ارتفاع منخفض جدًا في أثناء هطول الأمطار، وهذا ما لم يفعلوه.
بدأ القصف في غرب حلب وانطلقت القذائف في المدينة، مُحدثة أصواتًا عالية، الأمر الذي يترك في أذهاننا سؤالاً واحدًا، وسط هذا الدمار وعشرات آلاف السكان المحاصرين، من أين يستطيع المقاتلون الإسلاميون الحصول على ذخائرهم؟ أما جيش المدفعية السوري، فهو يقف على تلة خلف فندق ميريديان القديم، حيث يقوم بإطلاق القذائف في الأفق الشرقي، حيث نرى أعمدة الدخان الرمادية تلون السماء.
لم تكن تلك هي العاصفة الفولاذية التي روجتها وسائل الإعلام، لكن حرب تقسيم حلب بدأت منذ فترة طويلة وشعبها ظل محاصرًا أيضًا لفترة طويلة ثم تم إعادة محاصرته، في كلا الجهتين الشرقية والغربية، حيث أصبحت الخطوط الأمامية وعرة للغاية.
ومع ذلك، أصاب ما حدث غرب المدينة، النظام والمدنيين بصدمة، فبعد تناول الإفطار وبينما كنت أحدق تجاه الغرب ناحية القلعة القديمة، كان هناك صوت مفاجئ نتيجة اصطدام قذيفة بمبنى حكومي جديد، لقد رأيت بعض أجزاء من المبنى تتطاير في الهواء، أما محافظ حلب فهو يعيش في مبنى محاط بالحواجز الخرسانية المضادة للسيارات المفخخة، لكنه كان آمنًا في دمشق حيث يجتمع مع قادة آخرين ببشار الأسد.
سوريون يحملون أمتعتهم ويغادرون حي ضاحية الأسد الواقع عند خط المواجهة الجنوبي الغربي
عند الظهيرة، أعلن الراديو السوري عن وقوع سبعة قتلى، وهو رقم ضئيل مقارنة بالمقابر الجديدة الموجودة في المكان، لكن الانفجار كان له تأثير كبير في الشوارع، بعد ذلك سمعنا أصوات نقر من مكبر الصوت فوق مئذنة أحد المساجد ثم انطلق صوت قائلاً: “إنهم يهاجمون، إنهم قادمون من الشمال من الزهراء وبن يامن ويتجهون نحو الحمدانية”.
وكان أول ما يلحظه أي شخص يسير في الشوارع، أن النيران لا تأتي فقط من شرق حلب، لكنها تأتي أيضًا من جنوب غرب المدينة، حيث الحقول والمصانع المدمرة في مناطق تسيطر عليها جبهة النصرة وحلفاؤها من الإسلاميين، والتي تمتد حتى الشمال ناحية الحدود التركية، حيث تصلهم الذخائر باستمرار لمواصلة العنف.
هذه الحروب هي النسخة الحقيقة لأفلام هوليوود، أمام مقر حزب البعث كانت هناك أصوات انفجارات، وسمعت بعض الشائعات عن الحرب التي ستكتسب غموضًا خلال الأيام القادمة، كانت الطائرات الأمريكة قد قامت بإنزال إمدادات من الأسلحة شرق حلب، وقد حذرتها الطائرات السورية من ذلك، لكن بعض المظلات أكدت أنها رأتهم، وقال مسؤول رسمي أن هناك مقطع فيديو يؤكد ذلك.
لم يكن هناك أي مقاطع فيديو بالطبع، فالطائرات السورية لا تستطيع أن تتحدى القوات الجوية الأمريكية، كما أن واشنطن لا تنوي استفزاز روسيا بإرسال قاذفات مقاتلة من تركيا إلى حلب.
لكن، كيف نفسر هذا الإسراف المفاجئ في استخدام الذخيرة؟ “الأنفاق” هذا ما تمتم به أحد أفراد الجيش السوري، ففي حمص ودمشق وبعض المدن الأخرى، أثبتت الأنفاق أنها تستطيع نقل الرجال والبنادق داخل وخارج الحصار.
بعد ذلك، انطلقت صواريخ غراد من الجنوب الغربي على بعد أميال خارج المدينة، وهي صواريخ جديدة ذات نطاق واسع يصل إلى 40 كيلومترًا حسب ما قاله الجيش السوري، وقد أصابت سيارة في منطقة الحمدانية وقتلت السائق وأصابت زوجته، وفي المطار الواقع جنوب غرب المدينة في منطقة تسيطر عليها الحكومة، يختبئ مقاتلو النصرة في الأنقاض المحيطة منذ 4 سنوات، لقد رأيت تأثير صواريخ غراد على ممرات الطائرات، ولم تكن بعيدة عن القاعدة الصغيرة للمقاتلة “ميغ”.
أحد الثوار يشير بعلامة النصر مع فتاة تركب شاحنة لتفر من مناطق النزاع
ليس هناك أي شك بأن الصورايخ قادمة من تركيا، فهي لم تأت من البرازيل أو أورغواي، وفي ظهيرة اليوم التالي، كانت النسخة السورية من “روميل” – العقيد سهيل حسن النمر (القائد البارع تكتيكيًا لكنه غير رحيم) – قد وصل من حماة ليتولى زمام المعركة، يقوم النمر بقيادة المعارك الخطيرة فقط في سوريا، لقد تم إجباره على ترك الصراع العنيف في حماة جنوب البلاد، حيث يقوم 7000 رجل مسلح بمواجهة الجيش السوري في محاولة لقطع الطريق الصحرواي وطريق الإمدادات الرئيسي لحلب، وهو الطريق الوحيد الذي يستطيع الجنود والإمدادات والغذاء والمدنيين، الوصول من خلاله إلى غرب أكبر المدن السورية، وكان القائد حسن قد استولى على هذا الطريق منذ 3 سنوات، محطمًا في طريقه عشرات القرى، وبالطبع لن يدع هذا الطريق يسقط الآن.
بالنسبة للثوار – تلك الكلمة الغامضة التي تغطي الكثير من الخطايا – أو من تسميهم الحكومة السورية “الإرهابيين”، فهم يحاولون حصار قوات النظام في غرب حلب، التي ما زالت تحاصر الثوار في شرق حلب، وكانت الحكومة السورية قد زعمت أن 500 من المقاتلين المعارضين للنظام قد قُتلوا، ويبدو هذا واقعيًا تمامًا بنفس القدر الذي أعلن به جنرال أمريكي في نفس الوقت أن حوالي 900 من مقاتلي داعش قد قُتلوا في الموصل.
أوردت التقارير في حلب، إصابة 5000 شخص أيضًا، ونزوح الأهالي من الضواحي القريبة من المطار بحثًا عن مأوى لدى أقاربهم في غرب حلب، وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وطاقمهم السوري، قد ذهبوا إلى فندق ميرديان القديم بحثًا عن القذائف التي تسقط فوق مجمعهم، هذا النزوح الجماعي يذكرنا بأن هناك فصل آخر للحرب في حلب، قد بدأ للتو.
المصدر: الإندبندنت