تعيش المملكة المغربية أجواءًا حزينةً، لا يفوق حزنها إلا غضبها الذي دفع عشرات الآلاف من المغاربة إلى النزول للشوارع للاحتجاج والتنديد بمقتل محسن فكري، بائع الأسماك المتجول، وسط شاحنة لجمع النفايات وإتلافها.
العديد من النشطاء والمواطنين دعوا إلى التظاهر والاحتجاج، وهو ما نتج عنه تظاهرات واسعة النطاق وهو ما يشكل حدثًا نادر الحدوث في المغرب.
#رصد| تشييع جثمان "بائع السمك" في المغرب وسط حشود غاضبة تطالب بمعاقبة كل المتورطين في وفاته داخل شاحنة لنقل النفاياتhttps://t.co/EFqbgz5GFD pic.twitter.com/jgT9U4MBFj
— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 30, 2016
الحادث جذب العديد من ردود الأفعال، على مواقع التواصل الاجتماعي بين المغاربة وغيرهم.
#طحن_مو This man was killed in a trash truck over making a living legaly and tying to save the fish he invested all his money in. #Morocco pic.twitter.com/HbeAFYyAkY
— Hind Touissate (@AccordingtoHind) October 29, 2016
أخر الزمان أصبح المسكين يطحن مع الازبال لا حول ولا قوة الا بلله#كلنا_فكري
— El Habbar Ahmed (@Hekmah_Baalirah) October 29, 2016
واستجاب آلاف المغاربة للدعوات التي أطلقها نشطاء، للخروج إلى ساحات بعينها في مدن مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة والحسيمة والناظور وتطوان وغيرها، حيث اتحد المتظاهرون في إلقاء مسؤولية ما جرى على الحكومة.
ففي العاصمة الرباط، احتشد المئات من المتظاهرين بشارع محمد الخامس، أمام قبة البرلمان، قبل أن تتحول التظاهرة إلى مسيرة كبيرة اتجهت نحو المديرية المركزية للأمن الوطني، وردد المتظاهرون شعارات مناوئة للسلطات، وعبروا عن رفضهم “للحكرة” والظلم والاستبداد.
وطالب المتظاهرون الذين تزعمهم نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية وعدد من أتباع جماعة العدل والإحسان، بالإضافة إلى نشطاء حركة 20 فبراير، الذين رددوا شعارات منددة بـ”المخزن وممارساته الاستبدادية”، وحملوه مسؤولية وفاة محسن فكري.
كما شهدت مدينة الدار البيضاء تظاهرة مماثلة عبّر فيها العشرات من ابناء العاصمة الاقتصادية، عن رفضهم لـ”الظلم وإزهاق أرواح الأبرياء”، مطالبين الدولة بمحاسبة المتورطين في الحادث.
وشهدت مدينة طنجة، بدورها وقفة حاشدة للتضامن مع الضحية رفع فيها المحتجون شعارات منددة بالظلم والاستبداد، مطالبين برفع الظلم والتوقف عن التجاهل والإهمال الذي يعانيه سكان مدن الريف والشمال من طرف السلطات.
في السياق ذاته، شهدت مدن فاس ومراكش وأكادير وعدد من المدن الصغرى وقفات احتجاجية مماثلة.
بيد أن ردود فعل اللاعبين السياسيين كانت صاخبة بشكل غير معتاد، فقد أصدرت جماعة العدل والإحسان بيانًا تحمّل فيه مسؤولية وفاة فكري إلى “سياسة المخزن”، وطالبت الجماعة بضرورة تشكيل لجنة حقوقية للدفاع عن حقوق بائع السمك ومحاسبة المتورطين في القضية، ومعلنة عن استعدادها للمشاركة في كل الاحتجاجات الشعبية “للمطالبة بحق الشعب المغربي في العيش الكريم”.
وجاء في بيان فرع الجماعة بمحافظة الريف “مرة أخرى يسقط ضحية من أبناء الريف نتيجة سياسة المخزن القائمة على الاستبداد والفساد وعلى التفقير والتجهيل والحرمان من أبسط حقوق العيش الكريم”، قبل أن يضيف: “لعل الأجهزة الأمنية -الحاكمة الفعلية- تتحمل فيها المسؤولية المباشرة، كما يتحمل المخزن المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في المنطقة”
وصعّد بيان الجماعة من لهجته مخاطبًا النظام السياسي في البلاد ومنددا بما وصفه بـ”السياسة التفقيرية للشعب” ومحذرًا من أن الأمر “لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي والغليان الشعبي، خاصة في منطقة الريف التي تعرف تهميشا على مختلف الأصعدة”.
فضلًا عن ذلك، فقد أجمعت الكثير من الهيئات السياسية والحقوقية في المغرب على استنكار مصرع فكري، وطالبت عبر بلاغات وبيانات لها بأن يفضي التحقيق إلى محاسبة المتوّرطين، كما دعّمت أكثر من هيئة الاحتجاجات التي خرجت أمس الأحد، في وقت دعا فيه حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، إلى الامتناع عن أي احتجاج.
جهة طنجة تطوان الحسيمة، التي يترأسها مجلسها حزب الأصالة والمعاصرة، قالت إنها “تتابع عن كثب تداعيات الحدث المفجع الذي هز ضمير جميع المواطنين والمواطنات”، وإنها “قامت بمراسلة الجهات الحكومية المسؤولة لمعرفة تفاصيل وملابسات ما جرى، والإجراءات المتخذة في هذا الموضوع، من أجل إجلاء الحقيقة وتطبيق القانون وإنصاف الضحايا، ومعالجة الاختلالات التي أفضت إلى هذا الحدث الأليم”.
كما نددت الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بما وصفته “تصرّفات لا مسؤولة لسلطات الحسيمة، أدت إلى طحن فكري بطريقة همجية بشعة”، شاجبة اعتماد السلطات ممارسات “مهينة وحاطة بكرامة المواطنات والمواطنين بدل تطبيق القانون”، مثمنة احتجاجات المواطنين ضد الحادث ومعلنة عن انخراطها في كل احتجاج رافض لـ”التسلط والقمع والتهميش”.
كما وصفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ما وقع بـ”الجريمة التي تمس حقًا من أسمى حقوق الإنسان”، متحدثة عن أن الحادث “ناتج عن احساس الضحية بـ”الغبن جراء الشطط في استعمال السلطة من طرف الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين”، مطالبة بالإسراع في فتح تحقيق يشمل كل التجاوزات التي رافقت الحادث وإعلان نتائجه للعموم، لافتة إلى أن الحادث “يعدّ استمراراً للاعتداءات المتكررة الحاطة من الكرامة الإنسانية وما يترتب عن ذلك من شعور بالظلم واليأس والقهر في نفوس المواطنين”.
ومن جهتها، دعت حركة التوحيد والإصلاح، الذراعي الدعوي لحزب العدالة والتنمية، إلى فتح تحقيق شفاف ومحاسبة المتورطين في هذه الحادثة، مدينة “كلّ تصرف يثبت فيه وجود شطط في استعمال السلطة ومخالفة القانون”، ومنبهة” من خطورة مثل هذه القضايا التي تخلف أضرارا تهدِّد استقرارالبلد”، داعية عموم المواطنين إلى التحلّي بالمسؤولية والتروي في إطلاق الأحكام والحذر من المزايدات غير محسوبة العواقب، وإلى ردّ “الاعتبار لكرامة المواطن والدفع بعجلة الإصلاح تفاعلا مع توصيات الخطاب الملكي الأخير”.
الصحف الدولية أيضًا لم تتجاوز الحادث، فقد تناولت صحيفة اللوموند الفرنسية الحادث مفردة تغطية للمظاهرات التي شارك فيها عشرات الآلاف، ومسلطة الضوء على مدينة الحسيمة وتاريخها النضالي. أما صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فقد قالت إن رمزية هذا الحادث أعاد نفس أجواء الاحتجاجات التي عاشتها شوارع المغرب موازاة مع ثورات الربيع العربي. في حين وصفت صحيفة غارديان البريطانية محسن فكري بمحمد البوعزيزي.
وكان بائع السمك قد لفظ أنفاسه الأخيرة، داخل الشاحنة التي سحقته مع النفايات الموجودة فيها، حيث يتهم العديد من النشطاء بالمدينة الساحلية، رئيس الدورية بإصدار أوامره لسائق الشاحنة بتدوير آلة طحن النفايات بعد قفز الضحية داخلها لاستخراج سلعته، الأمر الذي فجر احتجاجات ليلية استمرت حتى الساعات الأولى من صباح السبت، لتهدأ قبل أن تتصاعد مجددًا وفي صورة واسعة النطاق مساء الأحد.
غضب شعبي بالرباط احتجاجا على وفاة بائع السمك بالحسيمة https://t.co/x0i4c5Ch2J via @YouTube
— moussaoui ahmed (@moussaoui_ahmed) October 30, 2016
وكان وزير الداخلية قد أمر بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات وتحديد المسؤوليات بشأن وفاة فكري، مؤكدًا في تصريح لوكالة فرانس برس أنه “ليس من حق أحد معاملته بهذه الصورة. لا يمكننا نقبل تصرف المسؤولين بصورة متعجلة أو غاضبة أو لا تحترم حقوق الناس”.
كما شارك الوزير نفسه لاحقًا بأمر ملكي في التعزية بوفاته، إلا أن ذلك لم يخفف من احتقان الشارع المغربي.
وتنفي السلطات المغربية معلومات تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي تحدثت عن أن أحد عناصر الشرطة في مدينة الحسيمة قد أمر “بطحن” الضحية مع أسماكه في شاحنة النفايات أو عن أن الحادث مرتبط بطلب رشوة.
وحسب المعطيات المتداولة، فإن فكري من مواليد سنة 1985 بمدينة الحسيمة، وكان يعيش مع عائلته التي يبلغ عدد أفرادها عشرة أفراد، وكان يمثل أحد معيليها الرئيسيين.
وشكلت مدينة الحسيمة الساحلية في منطقة الريف في المغرب قلب الثورة ضد المستعمرين الأسبان في العشرينيات، ثم مسرحًا للتمرد الشعبي عام 1958. وقد أهملت هذه المنطقة التي يقطنها قرابة 55 ألف نسمة طويلًا أثناء حكم الملك الحسن الثاني، وعرفت بعلاقاتها السيئة بالسلطة المركزية المغربية. كذلك، كانت مركزًا من مراكز الاحتجاج في المغرب، خلال حراك 20 فبراير، في 2011.