حقق ميشال عون البالغ من العمر 81 سنة وزعيم التيار الوطني الحر حلمه في رئاسة لبنان بعد نصف قرن من التضحيات. وتجدر الإشارة إلى أن عودة ميشال عون إلى قصر الرئاسة اللبناني في مدينة بعبدا كان بعد غياب تواصل لمدة 26 سنة، تحديدا بعد القصف السوري لهذا القصر خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مع العلم أنه خلال الحرب الأهلية كان عون هو الوحيد تقريبا الذي عارض التدخل السوري في بلاده.إضافة إلى ذلك، ذاق ميشال عون مرارة المنفي بعد نهاية الحرب الأهلية قبل أن يعود إلى الساحة السياسية الأكثر تعقيدا في العالم، حيث يعيش لبنان تحت تضارب قوى سياسية مختلفة. في المقابل يمثل فوز عون بالرئاسة تتويجا لمسيرة جنرال طموح وعنيد.
ولد ميشال عون سنة 1935 في عائلة تتبع المذهب الماروني المسيحي ولم يكن لهذه الطائفة دور سياسي منذ إعلان لبنان كدولة رسمية، ثم كبر في بلدة حارة حريك المتاخمة لضواحي بيروت والتي أصبحت الآن تتميز بأغلبية شيعية موالية لحزب الله بعدما كانت تتميز بأغلبية مسيحية. بعد ذلك التحق عون بأحد المدارس العسكرية الكاثوليكية ثم بالجيش اللبناني قبل أن ينهي تعليمه العسكري في الولايات المتحدة وفرنسا أين تخرج ضابطا في سلاح المدفعية.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 لم يكن هناك جيش لبناني رسمي إلا على الورق حيث كان مجرد ميليشيات طائفية مسلحة تتناحر فيما بينها.
وبالعودة إلى الحرب الأهلية عرف عون بموقفه الرافض لتواصل الصراع الطائفي. لكن هذا الموقف لم يمنع الجنرال من قيادة الفيلق العسكري الثامن المتكون من مسلمين ومسيحيين خلال شهر سبتمبر/أيلول سنة 1983 لإيقاف تقدم الميليشيات الدرزية بقيادة وليد جنبلاط المدعوم من سوريا وحلفائها الفلسطينيين نحو بلدة سوق الغرب المسيحية المطلة على العاصمة بيروت. ساهم هذا التدخل من ميشال عون في كسب ثقة الرئيس أمين الجميل الذي عينه خلال شهر يونيو/حزيران سنة 1984 رئيسا لهيئة أركان الجيش.
وفي سنة 1988 عجز البرلمان اللبناني عن اختيار رئيس جديد للبلاد خلفا للجميل نتيجة لعدم اتفاق النواب على اختيار رئيس يرضي المسلمين والمسيحيين وخصوصا سوريا. وفي خضم هذا المشكل داخل البرلمان، قام الجميل باستغلال الموقف وعين، قبل دقائق من نهاية فترة ولايته، ميشال عون وزيرا أولا سنة 1988، مع أنها تعتبر سابقة في لبنان أن يتم تعيين مسيحي على رأس تنفيذية في منصب مخصصا غالبا للمسلمين السنة. وبلا مفاجآت، رفض السنة هذا الإعلان بشدة والتحقوا بشق سليم أحمد الحص وأصبحت لبنان تعيش تحت قيادة حكومتين موازيتين. لكن سرعان ما تغلغلت الفوضى السياسية داخل لبنان حيث كان ذلك لصالح سوريا التي ما لبثت أن احتلت قرابة ثلاثة أرباع لبنان.
دخل عون بعد ذلك في مواجهة مباشرة ضد المنتسبين لدينه تحديدا حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. حيث التقى الجيشان على مشارف الحوض رقم خمسة من مرفأ بيروت أين قتل المئات من اللبنانيين مما تسبب في فتنة داخل الشق المسيحي حيث اتهم جعجع بعد ذلك خصمه عون بأنه مصاب بجنون العظمة.
وفي يوم 14 آذار/مارس سنة 1989، أعلن عون عن تأسيس الحركة الوطنية الحرة ثم أعلن بعدها حربا مفتوحة ضد الاحتلال السوري وحلفائه اللبنانيين أطلق عليها اسم “حرب التحرير” ولكنها كانت بمثابة مغامرة خطرة ضد الجيش السوري وحلفائه.
بعد ذلك وقع اتفاق في مدينة الطائف السعودية للم شمل ما تبقى من البرلمان اللبناني. هذا الاتفاق عارضه عون والرئيس الجديد للبنان، إلياس الهراوي، بشدة لأنه يفرض هيمنة المسلمين السياسية على باقي الطوائف. بعد ذلك عاد ميشال عون إلى القصر الرئاسي، مرتديا نظاراته الطبية التي جعلته أقرب إلى شخص برجوازي متخف أكثر من أن يكون عسكري، وقد جمع حوله تأييد كثير من اللبنانيين.
ومن جهة أخرى، فإن الظروف الإقليمية المحيطة بعون قد تغيرت، ففي آب/أغسطس من سنة 1980، انضمت سوريا رسميا إلى التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة ضد نظام صدام حسين في العراق خلال حرب الخليج الأولى. وجد عون في هذا القرار أملا في تراجع التدخل السوري في لبنان ودعي إلى تدخل دولي لفض النزاع في بلاده لكن الأمم المتحدة لم تستجب لمطلبه. وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من سنة 1990، قام الجيش اللبناني، المؤسس حديثا، والمدعوم بالطيران والمدفعية السورية بمحاصرة القصر الرئاسي بمدينة بعبدا قبل قصفه. وانتهى الأمر بعد ذلك باستسلام الجنرال عون ولجوئه إلى السفارة الفرنسية التي هربته بعد ذلك نحو فرنسا تحت حماية مخابراتها.
بعد 14 عشر سنة في المنفي وبعد اغتيال رفيق الحريري سنة 2005 وبعد الانسحاب الكلي للجيش السوري من لبنان، عاد عون إلى وطنه متفائلا بقرب جلوسه على كرسي الرئاسة لكنه لم يخفي تخوفه من أعداء الأمس: كسمير جعجع ووليد جنبلاط إضافة إلى الغضب السني من اغتيال رفيق الحريري. ولم يرى عون سوى تأسيس تحالفات سرية منتشيا بالنجاح الذي حققه حزبه باعتباره أول حزب مسيحي يدخل البرلمان اللبناني سنة 2005. ولكن تبقى المفاجأة الكبرى التي فجرها عون؛ هي عندما خرج يوم 6 فبراير/شباط سنة 2006 أمام كنيسة “مار ميخائيل” ماسكا يد حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي حيث مثل هذا الظهور العلني لتحالف أعداء الأمس مفاجأة للشارع اللبناني وصدمة لبعض السياسيين. ومن بين السياسيين الذين صدموا من هذا التحالف؛ سمير جعجع، العدو اللدود لعون، الذي رفض ترشح الجنرال لمنصب رئيس الجمهورية الذي بقي شاغرا منذ سنة 2004، ثم تراجع بعد ذلك عن قراره أمام إعلان نصر الله وسعد الحريري دعمهما لعون.
المصدر: لوفيغارو