لا تثق إسرائيل إلا بالأمن الإسرائيلي، ولا يطمئن اليهودي في المبيت إلا في البيت اليهودي، أما الغريب فهو عدو اليهود اللدود، حتى يثبت ولاءه لهم على مدار الساعة، من هذا المنطلق النفعي الخالص حرصت إسرائيل على توطيد العلاقة مع النظام المصري، وقدمت له ما استطاعت إليه سبيلاً من الدعم الاستخباري والإعلامي والسياسي، بل وحرضت أمريكا على تقديم الدعم الذي يمكن النظام من السيطرة على حياة المجتمع دون أن تمكنه من القدرة على تنمية موارد المجتمع الاقتصادية والعلمية والإدارية، والتي يمكن أن تشكل رافعة لحياة الناس الذين تهشمت قدراتهم وإمكانياتهم تحت معاول الفساد والتسلط.
مصريون يحرقون علم إسرائيل
إن معتمد السياسة الإسرائيلية مع مصر العربية يقوم على إضعاف الشعب المصري وتقوية النظام، لأن مصر القوية غير مضمونة الصداقة، والشعب المصري غير مأمون الجانب من قبل الصهاينة، وهو مؤهل في اللحظة التي يمتلك فيها قراره لأن يقلب موازين القوى في الشرق الأوسط على غير أمنيات إسرائيل، التي تعمل سرًا وعلانية على إضعاف الاقتصاد المصري، وتمزيق عرى التكاتف الاجتماعي والوطني، بالشكل الذي يضمن لإسرائيل تفوقها.
ما سبق من حقائق تتعارض مع مقال الكاتب الإسرائيلي أليكس فيشمان في صحيفة “يديعوت أحرونوت” حيث ادعى أن الجهاز الأمني الإسرائيلي يدرس قائمة المشاريع التي يمكن تنفيذها مع مصر في مجال تحلية مياه البحر، وفي مجال الطاقة الشمسية، وإنتاج الكهرباء، وفي مجال الزراعة، والري والغاز، وحتى في مجال السياحة للإسرائيليين والأجانب، وذلك وفق الطلب المصري المقدم إلى إسرائيل في الفترة الأخيرة.
دراسة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمطالب الحكومة المصرية يعني الرفض المسبق، لأن كل ما ينفع الشعب المصري لا ينسجم وهوى الإسرائيليين، وكل ما ينغص على المصريين حياتهم هو غاية السياسة الإسرائيلية التي جرى تطبيقها على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عبر سنوات أوسلو، وأثبتت جدواها، حيث قدمت إسرائيل كل مقومات القوة والبقاء لقيادة السلطة الفلسطينية، وحرَّمت أي شكل من أشكال القوة الذاتية داخل المجتمع الفلسطيني، الذي أضحى مهملاً في ظل السلطة الفلسطينية، يفتقر إلى التطور الاقتصادي والتنموي والإداري والمعيشي، وحتى الترابط السياسي والإنساني، بعد أن ضيقت السياسية الإسرائيلية الخناق على حياة الناس، فأشغلتهم بقوت يومهم، وبمقومات بقائهم على قيد الارتزاق، حتى أمست السلطة الفلسطينية بلا قدرة على الاستقلال عن حبل التغذية الصناعية المرتبط بمصالح إسرائيل.
لقد اعترفت الإذاعة العبرية بإجراء اتصالات مكثفة بين جهات سياسية أمريكية وإسرائيلية بهذا الشأن، وقد أبدا الطرفان الأمريكي والإسرائيلي تخوفهما من عدم استقرار السلطة في مصر في حالة عدم تحسن الاقتصاد المصري خلال العام 2017، وحذرا من الغليان الشعبي الذي قد يعيد الإخوان المسلمين إلى الشوارع، ويقوض سلطة الجنرال السيسي.
فهل يعكس ما سبق من لقاءات الحرص الإسرائيلي على صداقة مصر، وتغذية اقتصادها، وتطوير بنيتها التحتية، وزيادة مدخولها، بما يضمن بقاء النظام المصري؟
أتشكك في ذلك، لأن الوعود الإسرائيلية بتطوير الاقتصاد المصري تقوم على بيع الأوهام، بهدف تسكين الأوضاع في مصر العربية، وعليه فإن الضغط الإسرائيلي على أمريكا لتقديم المساعدات لمصر لن يتعدى بعض المنتجات الاستهلاكية والمساعدات الغذائية، التي لا تقيم الصناعة في مصر، ولا تشجع على الإنتاج، ولا تحفز على التطور الاقتصادي الذي سيقود حتمًا إلى الاستقلالية السياسة، ليبقى نموذج السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة خير شاهد على مصير كل نظام عربي يثق بإسرائيل.