أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو حدث مهم، لكن يرافقه حدث آخر “فرعي” – بنظر البعض – لكن لا يقل عنه أهمية، وهو انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، الذي يمثل صُلب عملية صناعة القرار الأمريكي الحقيقي، ويغلب على تشكيله حزبيًّا، الجمهوريون، والمحافظون الجدد كتيار، في الوقت الراهن.
وتعود أهمية هذه الانتخابات هذه المرة، إلا أنها بكل تأكيد سوف تأتي بجديد في البيت الأبيض، فهي تأتي بعد انتهاء عهدتَيْن للرئيس الحالي، باراك أوباما، وهو وفق الدستور الأمريكي، أقصى فترة يمكن لشاغل البيت الأبيض أن يقضيها فيه، ويكون من المحتم انتخاب غيره.
وفي واقع الأمر؛ فإنه حتى لو فازت مرشحة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، وهي وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون؛ فإن هناك تغييرًا ما سوف يطرأ على السياسات الأمريكية بشكل عام، وبالتبعية سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن ذلك العلاقات مع مصر.
العامل الروسي والتوظيف المصري له
لعل هذا التقييم لم يكن واضحًا بهذه الصورة قبل عدة أشهر؛ حيث فرضت العديد من المتغيرات التي وقعت خلال الفترة الماضية، إعادة تقييم الصورة.
وعلى رأس هذه المتغيرات، “تفاقم” الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وشرق أوروبا، حيث وصل الحال ببعض وسائل الإعلام الروسية إلى الترويج لفكرة أن الحرب مع حلف شمال الأطلنطي “الناتو”، أمرٌ وارد، بل إن وكالات أنباء روسية وضعت تقارير موسعة حول الكوابيس الأمريكية والغربية في ترسانات الأسلحة الروسية، من مقاتلات وصواريخ “شيطانية” قادرة على إفناء العالم 40 مرة، وأن الجيش الروسي قادر على هزيمة “الناتو” في 36 ساعة، واحتلال أوروبا في 72 ساعة.
ولمن لا يعلم؛ فإن هذا الأمر، يقع على رأس أولويات السياسات الدولية الأمريكية، منذ أن أطَّر لها هنري كيسنجر في الستينيات والسبعينيات الماضية؛ حيث وضع لها كيسنجر أولويتَيْن أساسيتَيْن، الأولى، الهاجس النووي، والذي تتشاءل بالنسبة للامريكيين أمامه كل أزمات الشرق الأوسط الحالية، والثانية، هو محاصرة أية قوى يمكن أن تهدد الهيمنة الأمريكية أو عصر الـ”Paxa Americana“.
وهو أمر متحقق في حالة تزايد الوجود الروسي في مناطق تمس في الصميم المصالح الحيوية الأمريكية، وكذلك تضرب في مقتل، ترتيبات الأمن في أوروبا، والتي تم وضعها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لذلك؛ فإنه حتى لو تولت هيلاري كلينتون السلطة في الولايات المتحدة؛ فإن السياسات الأمريكية – في ظل أصلاً كون سياسات أوباما منتقَدة من دوائر حتى داخل حزبه – سوف تشهد الكثير من التغيرات.
إذًا، نحن أمام مشهد متغير سوف يفرض على الرئيس الأمريكي الجديد خيارات مختلفة عما بدأت به حملات الترشيح قبل تسعة أشهر.
ولا ينفك هذا الكلام عن المحتوى المُراد رصده في هذا الحيِّز، وهو المتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية ومآلاتها، فهي في صُلب هذا الحدث، من خلال القناة الروسية.
بداية يجب التأكيد على حقيقة مهمة للغاية، وهي أن كل ما فعلته القاهرة بعد انقلاب يوليو 2013م، وحتى الآن، في مسارات علاقاتها الإقليمية والدولية، إنما كان عبارة عن مناورات واسعة النطاق، لتحقيق أهداف مرحلية، وللتغطية على تحالفها الأصلي، وهو الذي يدور في فلك المحور الروسي، وبدرجة أو بأخرى الإطار التنسيقي أو التعاوني الحالي بين مصر وفرنسا.
وفرض هذا التحالف مع روسيا على القاهرة، مجموعة من العوامل، على رأسها تطابق أهداف القاهرة الانقلابية مع طبيعة السياسات الروسية ومراميها في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وعلى رأسها، الحفاظ على الدولة القديمة التي توارثتها الأنظمة العربية منذ مرحلة الاستقلال قبل بضعة عقود، بحدودها الحالية التي فرضها المستعمِر الغربي، والثاني، هو الحرب ضد القوى والجماعات الإسلامية، السياسية منها والجهادية، ليس سعيًا لمحاصرتها فحسب، وإنما القضاء عليها بشكل كامل.
ويتضمن ذلك محاصرة النفوذ الأمريكي في المنطقة، ومعاقبة الولايات المتحدة على موقفها الداعم للإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي التي برز نجمها في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، وكذلك عن سياساتها التي رمت إلى تقويض الحدود الجيوسياسية القديمة.
في هذا الإطار، ترتبط العلاقات المصرية الروسية، التي “ظهرت على حقيقتها” في الفترة الأخيرة، من خلال عدد من المؤشرات، من بينها مناورات “الصداقة 2016″، التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ روسيا، وفي تاريخ البلدَيْن، وجرت في منتصف أكتوبر، والتنسيق في الملف السوري في مجلس الأمن الدولي، وعلى مستوى المنطقة؛ نقول ترتبط بإطار سياسي أكثر استراتيجية يشمل كامل خريطة الصراع الدولي الحالي، والذي يتمظهر في أكثر من إقليم ومنطقة، من أوكرانيا شمالاً وحتى اليمن جنوبًا.
مصر بين ترامب وكلينتون.. طموحات دونها مفاجآت!
لو حاولنا وضع نموذج تنبؤي للعلاقات المصرية الأمريكية، في مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة، في إطار المحدد الروسي هذا؛ فإننا يمكن القول إنه لو وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى الحكم؛ فإن العلاقات المصرية الأمريكية سوف تشهد انفراجة كبيرة، أو على الأقل تخرج بها من حالة الأزمة الحقيقية التي تحياها منذ فترة طويلة.
فبرنامج ترامب في السياسة الخارجية، يقوم على أساسَيْن، الأساس الأول، هو سحب الولايات المتحدة من مشكلات الشرق الأوسط وأزماته المزمنة، ولكن بعد وضع ترتيبات لضمان إحلال الهدوء في مناطق النزاعات، ولاسيما في الدول التي تمثل الفوضى فيها دعمًا لموجة الإرهاب والعنف الفردي والمنظم التي طالت أوروبا الغربية والولايات المتحدة طيلة العامَيْن الماضيَيْن، مثل سوريا وليبيا.
الأساس الثاني، هو أن يتم احتواء روسيا، من خلال فتح حوار شراكة معها، يتم من خلاله معالجة المشكلات السياسية والأمنية التي يرى ترامب أنها نشأت عن سياسات إدارتَيْ أوباما خلال السنوات الماضية.
يرتبط بذلك موقف ترامب المعادي بشكل مبدئي لتيارات الإسلام السياسي، وتيارات ما يُعرف بالسلفية الجهادية؛ حيث لا يرى لها أي دور في مستقبل دول المنطقة المشتعلة، بل إنه قال إنه في حال وصوله إلى البيت الأبيض؛ فإنه سوف يعمل على حظر جماعة “الإخوان المسلمون”.
هذا التصريح جاء على هامش اللقاء الذي عُقد بين ترامب والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال القمة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي، وأكد فيه ترامب على سلسلة من المواقف التي طرحها في خطاب له ضمن حملته الانتخابية، أمام بعض دوائر المال والأعمال في مدينة ميامي، بولاية فلوريدا، في أغسطس الماضي، أكد فيه على أن أكبر خطرَيْن يواجهان الاستقرار في الشرق الأوسط، هما إيران و”الإخوان المسلمون”.
لقاء السيسي ترامب في نيويورك هيأ للكثير من الأمور التي تجري حاليًا على الأرض
في حينه اتهم ترامب إدارة أوباما الديمقراطية، وضمنًا غريمته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة للخارجية في إدارة أوباما الأولى، بالتسبب في كوارث أمنية وسياسية طالت بآثارها العالم كله، على خلفية الأوضاع في الشرق الأوسط.
وبالتالي، فإن تطبيق ترامب لما أعلنه في برنامجه في هذا الصدد، سوف يضمن لمصر وبالتحديد للنظام الحالي فيها، الكثير من المميزات.
فهو أولاً سوف يضمن التضييق على أنشطة الإخوان في أوروبا وأمريكا الشمالية، وبالتالي الحد من قدرة دوائر الإخوان المسلمين في الحركة في الدوائر الحقوقية والرسمية من أجل محاصرة النظام الانقلابي الحالي، وكشف جرائمه.
ثانيًا، سوف يفتح ذلك، المجال أمام تحسن في العلاقات الأمريكية، تتجاوز بعض الأزمات الراهنة، والتي شملت خلال السنوات الثلاث الماضية وقف صفقات سلاح كبرى، ومنح مالية ضمن مساعدات اتفاقيتَيْ كامب ديفيد مع إسرائيل، عام 1978م، وكان آخرها، وقف تحويل 100 مليون دولار كانت مقرَّة سلفًا، إلا أن الكونجرس الأمريكي عطلها، على خلفية القضية المعروفة بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
ملف التمويل الأجنبي
القرار جاء بشكل مباشر عقب تجميد محكمة جنايات القاهرة، أموال عدد من مديري منظمات المجتمع المدني، ومن بينهم جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، والناشط الحقوقي حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وبهي الدين حسن، مؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، ومصطفى الحسن، مدير مركز هشام مبارك للقانون، وعبد الحفيظ طايل، مدير المركز المصري للحق في التعليم، على خلفية تحقيقات تتعلق بموضوع التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني هذا.
في حينه أدانت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الحكم، كما دعت الحكومة المصرية إلى إسقاط الاتهامات الموجهة للمواطنة الأمريكية من أصل مصري، آية محمد نبيل حجازي، المعتقلة منذ مايو من العام 2014م، مع زوجها، محمد حسانين مصطفى فتح الله، وعدد آخر من نشطاء جمعية تُعرف بجمعية “بلادي”، التي أسستها حجازي لرعاية أطفال الشوارع والأطفال المهملين في مصر، في العام 2013م.
والاتهامات الموجهة إلى حجازي، تدور حول “الاتجار في البشر، واستغلال الأطفال جنسيًّا”، و”احتجاز أطفال عنوة، واستغلالهم مقابل المال، في المظاهرات” ضد النظام والشرطة، والتي تحركها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بحسب محاضر الشرطة التي تم بموجبها إغلاق الجمعية والقبض على حجازي وزوجها والعاملين فيها [المعلومات الوارة مستقاة في الأساس من مذكرة تقدم بها مركز روبرت كينيدي لحقوق الإنسان الأمريكي إلى الفريق المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة في 19 مايو 2016م، بخصوص حالة آية حجازي]
هذه المطالبات، انتضمت لها حملة هيلاري كلينتون التي انتقدت بشدة قرارات الحكومة المصرية في هذا الاتجاه، وطالبت كذلك بالإفراج عن حجازي.
الأزمة السورية الحاكمة.. عودٌ على بدء
الأمر الثالث، أن النظام المصري في هذه الحالة، سوف تكون له أدوار عظيمة الشأن في ترتيبات أمن المنطقة، لأن ترامب يضع أولوية لهزيمة تنظيم “داعش”، بدلاً من الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لترك السلطة، ويرى أن الاستمرار في سياسات المواجهة الراهنة التي تتبناها إدارة أوباما، وتؤكد كلينتون على استمرارها فيها لو تولت الرئاسة، سوف تقود إلى حرب عالمية ثالثة برأي ترامب [بي. بي. سي، 26 أكتوبر 2016م].
فترامب الذي يريد أن يحتوي إيران، ويدخل في تهدئة مع روسيا، في سوريا، وفي أوكرانيا، يرى أن ذلك لن يقود إلى نتيجة، من دون مشاركة حلفاء إقليميين في إرساء الاستقرار في المنطقة.
وهو ما نلاحظ أن النظام المصري قد بدأ بالتحرك فيه مبكرًا، بل ويتعامل على أن ترامب بالفعل قد وصل إلى السلطة؛ حيث استضافت القاهرة بشكل رسمي، أرفع مسؤول أمني سوري، وهو علي المملوك، مدير مكتب الأمن الوطني السوري.
وثمة ملاحظة في هذا الصدد، قد تفيد في فهم الموقف؛ فتدخلات المخابرات الروسية – وفق الاتهامات الأمريكية – في سير الانتخابات الأمريكية، من خلال عمليات القرصنة الإلكترونية والتسريبات وغير ذلك؛ يصب في مصلحة ترامب؛ حيث أساءت كثيرًا عمليات القرصنة والتسريب هذه التي تتهم الإدارة الأمريكية بوتين ذاته بالوقوف وراءها، إلى موقف كلينتون وليس ترامب، وهو ما يقول بأن هناك رغبة روسية بالفعل في فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، وربما تم ذلك بتنسيق ما بين الطرفين.
وهو له ما يؤكده، فمدير حملة ترامب المستقيل، بول مانافورت، استقال في أغسطس الماضي، عندما كشفت صحيفة النيويورك تايمز التي أعلنت دعمها لكلينتون مؤخرًا – الصحيفة معروف أنها منبر مهم للديمقراطيين – أن اسم مانافورت ورد في دفاتر سرية تظهر أنه حصل على مبالغ مالية قدرها أكثر من 12 مليون دولار من حزب سياسي أوكراني يرتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا، وأنه كان همزة الوصل بين حملة ترامب وتجسس روسيا على الحزب الديمقراطي الأمريكي [الجزيرة.نت، 20 أغسطس 2016م].
استقالة مانافورت أشارت إلى وجود ترتيبات بالفعل بدأت لمرحلة ما بعد أوباما وفوز ترامب
المهم أنه في الإطار السابق، خرجت إلى العلن تقارير تشير إلى تنسيق أمني وسياسي يتم من خلال الروس بين القاهرة ودمشق، وأخذ هذا التنسيق مظاهر دبلوماسية عدة، من بينها تأكيد القاهرة على أهمية وحدة الأراضي السورية لديها كأولوية، وليس رحيل الأسد، وتأييد القاهرة للقرار الروسي بشأن سوريا في جلسة مجلس الأمن الشهيرة، في الثامن من أكتوبر، وكانت وراء تفجر أزمة العلاقات المصرية السعودية.
كما قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، على هامش ملتقى مبعوثي السلام في أفريقيا الذي عٌقد في مدينة شرم الشيخ المصرية مؤخرًا، إن هناك مشاورات بشأن مشروع قرار مشترك تقوم حاليًا مصر وإسبانيا ونيوزيلاندا ببلورته تمهيدًا لتقديمه لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، في ذات الاتجاه الذي تحمله مواقف وسياسات ترامب، وهو ما يشير إلى أن لقاء السيسي وترامب في نيويورك، في سبتمبر الماضي، كان معمقًا بالفعل!
ضغوط داخلية على كلينتون
هذه المكاسب، قد يتصور البعض أنها سوف تتقلص لو وصلت كلينتون التي تدعم الإخوان المسلمين، وتدعو صراحة إلى رحيل الأسد، وتهاجم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى البيت الأبيض، في ظل مواقف مبدأية لها تتبناها منذ البداية تجاه الأنظمة العميقة الموجودة في المنطقة، كما بدا في سياساتها ومواقفها في الأزمة الليبية.
إلا أنه ثمَّة بعض المؤشرات التي تقول بأن كلينتون لن تكون قادرة على الاستمرار في السياسات الحالية للإدارة الأمريكية، أو أخذ خطوات جادة لتنفيذ برنامجها الانتخابي بالكامل في هذه الاتجاهات.
فترامب لا يعبر عن نفسه في المواقف التي يطرحها، بل هو يعكس – في ذكاء سياسي كما هو واضح خلافًا لما يبدو عليه الرجل – حالة عامة مهمة في داخل البنتاجون والكونجرس ودوائر صناعة القرار الأمريكية الأخرى.
وهو أمر ليس بغريب على السياسات الأمريكية؛ فسبق لهيئات الاستخبارات والدفاع أن عطلت مشروعات أوباما للانسحاب الكامل من أفغانستان والعراق، وغلق معتقل جوانتنامو؛ حيث تبقى للحقائق قوتها وتأثيرها، ولاسيما حقائق الأمن القومي.
فعلى سبيل المثال، سياسات كلينتون في سوريا من الآن مرفوضة من جانب هيئة الأركان الأمريكية المشتركة.
فرئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، قال للمشرعين الأمريكيين أثناء جلسة برلمانية في سبتمبر الماضي، إن مسألة فرض حظر جوي فوق سوريا، قد يؤدي إلى اندلاع حرب مع روسيا وسوريا، وأكد أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي: “حاليًا، كي نسيطر على المجال الجوي في سوريا بأكمله سينبغي علينا الدخول في حرب ضد سوريا وروسيا”، ثم قال: “هذا قرار أساسي لن اتخذه”.
وهنا نشير أن منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، هو أرفع سلطة عسكرية أمريكية، وهو ليس من المناصب الكبرى التي يقوم الرئيس الأمريكي الجديد في الغالب بتغييرها في أول مائة يوم له في البيت الأبيض.
كما أن الإخفاق الذي عانته كلينتون في الملف الليبي ولا يزال يطاردها إلى الآن سياسيًّا وقانونيًّا – في ظل استمرار نظر قضية استخدامها لبريدها الإلكتروني الخاص في تبادل رسائل فيدرالية سرية، وكان جراء ذلك مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، كريستوفر ستيفينز، في هجمات بنغازي، في سبتمبر 2012م.
كما أن كلينتون سوف تأتي إلى البيت الأبيض، في إطار ترتيبات حاضرة بالفعل في أزمات الشرق الأوسط، القاهرة جزءٌ أساسي منها، سواء في سوريا أو في ليبيا.
وفي ظل ضغوط مهمة للرأي العام في الداخل الأمريكي، وعلى المستوى الإقليمي، يرى للسياسات الأمريكية الدور الأكبر في تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة والعالم؛ فإن كلينتون لن تستطيع أن تذهب بعيدًا في خلافات الإدارة الحالية مع الحكومة المصرية، ولن يكون أمامها سوى التعامل مع أمر واقع، وخصوصًا أن النظام المصري يجيد توظيف الأوراق الأمنية لصالحه بكفاءة، لدرجة أن حتى حلفاء الأمس القريب لا يملكون له سوى الصمت وأقل القليل من ردود الفعل، كما في حالة السعودية الآن.
وهنا ننوه إلى أن شعبية أوباما انخفضت إلى 45 بالمائة، وهي من أدنى النسب في تاريخ أي رئيس أمريكي خلال وجوده في السلطة، وهو ما يعني أن الرأي العام الأمريكي لن يزكي استمرار السياسات الحالية.
وذلك حصرت حملة ترامب على توظيف الملف الأمني بشكل مكثف لإدراكها أن العواقب الأمنية التي أدت إليها سياسات أوباما، تقف خلف شريحة مهمة من نسبة التراجع هذه لشعبيته.
تسريبات كلينتون تطاردها!
وهو ما سوف يكون لهأبلغ الأثر على كلينتون لو وصلت للبيت الأبيض، لاسيما أنه، كما تقدم؛ فإن ترامب لا ينطق عن الهوى؛ بل هو ينقل الكثير مما يراه في أوساط دوائر صناعة القرار الأمريكية والتي – حتى في أوساط الحزب الديمقراطي – صارت أكثر ميلاً لسياسات اليمين المحافظ.
وبدا ذلك واضحًا تمامًا في تصويت الكونجرس بمجلسيه بأغلبية كبيرة للغاية، شملت الجمهوريين والديمقراطيين على قانون “جاستا” بعد رفض أوباما له، والذي هو – أي القانون – بغض النظر عن الجانب الخاص بالخلاف السعودي الأمريكي فيه؛ يبرز أهمية قضية مكافحة الإرهاب والأمن في ذهنية الرأي العام والمشرِّعين الأمريكيين.
كل ذلك، بلا شك؛ سوف يكون له تبعات على الإخوان المسلمين، ولكن بدرجات متفاوتة بين ترامب وكلينتون.
فكلينتون لا تخفي أنها تدعم الموقف السياسي للإخوان المسلمين، وتقول أوساط مقربة منها إنها بصدد الضغط على النظام المصري من أجل المصالحة مع الإخوان، ولكنها لن تستطيع المضي قدمًا في ذلك بالوتيرة الملائمة في ظل هذه الخريطة من الأزمات والسياسات المتداخلة بشدة، وحاجة الجميع إلى النظام المصري الحالي.
الأمر الآخر، أن تعقيدات كلينتون سوف تزداد لو جاءت انتخابات التجديد النصفي المقررة للكونجرس، بأغلبية جمهورية، ففي هذه الحالة؛ لن تكون قادرة على فرض مختلف رؤاها في مجال السياسة الخارجية كما طرحتها في حملتها، وهو ما حصل كما تقدم مع أوباما في كثير من القرارات الاستراتيجية.
………..
وفي الأخير؛ يبقى أن هذه التوقعات بالرغم من أن هناك مؤشرات تدعمها بادئة بالفعل في الفترة الماضية؛ إلا أنه لا أحد يدري ما الذي سوف تأتي به التطورات المقبلة؛ حيث يمكن لحدث مفاجئ قد يقع في مصر ذاتها، أن يغير كل هذه الصورة.. فهل يقع؟!.. هذا فقط ما سوف تجيب عنه الأيام، ويبقى في علم الله عز وجل، وحده!