ترجمة حفصة جودة
من المرجح أن تظل الهجرة موضوعًا رئيسيًا في السياسة الأوروبية لفترة طويلة، فهي الموضوع الرئيسي في حملة الاستفتاء بالمملكة المتحدة (بالرغم من أنها معنية أكثر بالهجرة داخل الاتحاد الأوروبي)، وسوف تتصدر انتخابات فرنسا وألمانيا في العام القادم (التركيز على الهجرة من خارج أوروبا)، في صيف 2015 تنبأت آنجيلا ميركل بأن قضايا الهجرة واللجوء سوف تشغل أوروبا أكثر بكثير من القضايا المالية، وبعد عام من ذلك، هناك سبب وجيه لهذا النزاع.
منذ بداية هذا العام، لقى 3800 شخص حتفهم في البحر المتوسط، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وبالرغم من أن أوروبا أغلقت بحر إيجة وطرق البلقان، إلا أن الناس يغرقون في البحر أكثر من أي وقت مضى، في محاولات بائسة للوصول إلى إيطاليا.
شكلت قضية الهجرة الخطاب السياسي في أوروبا ويبدو أنها ستستمر في ذلك، فمن ناحية هناك الليبراليون الأمميون المتعلقون بمبادئ اللجوء الأساسية وحلم عالم بلا حدود، ومن ناحية أخرى هناك بناة جدار “كراهية الأجانب” ممن يرون الهجرة هي النسخة الجديدة من الغزوات البربرية التي تهدد الثقافة والحضارة، ويبدو أن هؤلاء يسيطرون على الوضع.
أحد الأضرار الجانبية لسياسات ما بعد الحقيقة هي أنها لا تشوه الحاضر فقط، لكنها تعيد كتابة الماضي أيضًا، يصور أحد مقاطع الفيديو العنصرية على الإنترنت، أوروبا “قبل” و”بعد” الهجرة، في الجزء الخاص بـ “قبل الهجرة” يصور مشاهد منظمة للشوارع في الخمسينات حيث المتاجر والحدائق والسكان البيض يتجولون أو يلعبون في سعادة، أما “بعد الهجرة” فهو يصور مجموعة من الرجال السود يهاجمون امرأة، ويقومون بأعمال شغب ضد الشرطة وهم يهتفون “الله أكبر”.
لماذا يرفض الأوروبيون المهاجرين؟
السردية الرئيسية التي يقولها المتعصبون هي أن عالمهم الأوروبي سوف ينهار تحت وطأة هجوم الوافدين من ثقافات لا يمكنها أن تختلط معهم، ففي فرنسا، هناك نظرية “الاستبدال الكبير” التي انتشرت في أوساط اليمين واليمين المتطرف بشكل كبير، وتقول تلك النظرية إنه كنتيجة للهجرة سيتم استبدال السكان الأصليين بغرباء غير أوروبيين يخربون هوية البلاد، كان لهذه النظرية أيضًا صدى في حركة “بيغيدا” الألمانية، واسمها بالكامل يعني “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”.
فضح هذه الخرافات قد يكون عملًا شاقًا، فمشاعر الكراهية تتفوق على النهج العقلاني وتكتسح أي حقائق موثقة، ويبدو الأمر أكثر صعوبة عندما يتم تجاهل أو نسيان تاريخ أوروبا الطويل في الحركة الإنسانية المستمرة واختلاط الثقافات، فعلى سبيل المثال، دائمًا ما يُقال إن وصول العرب والمسلمين إلى فرنسا بدأ عندما تطلبت جهود الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية عمالة جديدة، أو بعد استقلال الجزائر عام 1962 (رغم أن الجزائريين كانوا في فرنسا منذ أكثر من قرن)، يقول المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا إن التحدي الحقيقي للهجرة هو “تحدي معرفة الآخر” والذي يسير في كلا الاتجاهين.
هل هناك أزمة لاجئين بالفعل؟
استطاعت أزمة اللاجئين عام 2015 رفع المرآة أمام الأوروبيين وأجبرتهم على سؤال أنفسهم من هم وكيف يعرّفون أنفسهم وأفعالهم، فالعدد الذي وصل إلى أوروبا (1.3 ملايين شخص) في العام الماضي، يمثل فقط 2.% من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي، مما يعني سهولة التحكم بهم، حصلت ألمانيا وحدها على ما يقرب من 800.000 لاجئ، وهو ما يعادل 1% من كثافتها السكانية، وهو نفس الرقم الذي استقبلته عام 1992، عندما كان الناس يفرون من حروب البلقان، والعرق الألماني الذي غادر الاتحاد السوفيتي السابق.
إذا كان هناك أزمة عام 2015، فهناك القليل مما ينبغي فعله مع اللاجئين – الذين يعرفون مما يفرون وإلى أين يودون الذهاب – والكثير مما ينبغي فعله مع الحكومات والمجتمعات الأوروبية التي لم تسارع لتحمل مسؤولية الأمر، في الحقيقة، أوروبا لا تواجه أزمة هجرة ولاجئين، لكن اللاجئين والمهاجرين هم من يواجهون أزمة أوروبية، ومن العار أن يدفعوا حياتهم – غرقا في البحر المتوسط – بسبب ذلك.
يشير علماء السكان إلى أن العام الرئيسي للهجرة في أوروبا هو عام 2014، وهو أول عام تتفوق فيه أوروبا على الولايات المتحدة كوجهة للهجرة، وفقًا لعالم السكان فرنسوا هران، فقد وصل حوالي 1.9 ملايين مهاجر شرعي إلى الاتحاد الأوربي (يبلغ سكانه 508 ملايين) ووصل إلى أمريكا حوالي مليون مهاجر (يبلغ سكانها 319 مليونًا)، وبذلك تصبح النسبة الأوروبية 3.7 لاجئيين شرعيين لكل 1000 مواطن أوروبي، بينما تصبح في أمريكا 3.1 لاجئ لكل 1000 مواطن، هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يعترف بها الأوروبيون.
تاريخ الهجرات في أوروبا
تاريخيًا، كانت أوروبا تصدر سكانها إما إلى المستعمرات البعيدة للغزو والسيطرة، أو للعالم الجديد نتيجة الفقر والاضطهاد والحروب، أما الآن فقد أصبحت الجاذب الأهم، وملجأ لهؤلاء الذين يسعون نحو الأمان وحياة أفضل، فنحن ببساطة أكثر ثراءً واستقرارًا من أماكن أخرى كثيرة في العالم.
هذا التنوع سينمو لكن ليس حسب نظرية “الاستبدال الكبير”، فأوروبا تحتاج للهجرة لضخ الشباب والحيوية قبل أن تأتي عقود تحتاج فيها لمعالجة مشكلات القوى العاملة وسن التقاعد.
يومًا ما، كان الأوربيون هم الجماهير المحتشدة في زوارق للوصول إلى جزيرة إليس في نيويورك، أو الرصيف البحري 21 في هالفاكس (بوابة المهاجرين إلى كندا)، وكلاهما الآن أصبحوا متاحف، لقد زرت متحف الرصيف 21 قبل سنوات، وشاهدت صور اللاجئين المجريين وهم يفرون من القمع في أثناء ثورة بودابست عام 1956 ويحتفلون بوصولهم، ربما ينبغي على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي ينعت نفسه بالليبرالي ويتهرب من اللاجئين، أن يلقي نظرة على هذه الصور، وربما ينبغي على بقية الساسة الأوروبيين أن يفعلوا ذلك أيضًا.
وبينما تستمد كندا وأمريكا وجودهما من انتقال الناس نحو الشواطئ البعيدة، فالأمم الأوروبية متجذرة على خلاف ذلك، لكن أوروبا تستطيع أن تستلهم من ذلك القدرة على تشكيل سردية إيجابية تحتضن المهاجرين بدلاً من معاملتهم بشكل رئيسي كتهديد، وسوف تحتاج أوروبا – كقارة جديدة للمهاجرين – إلى هذه السردية بشكل متزايد.
المصدر: الغارديان