توالت سلسلة من الأحداث بالأيام الأخيرة في السعودية بداية من تصريح التويجري بإفلاس المملكة ثم تصريح العساف أن السعودية ذات مركز مالي قوي ومن ثم سخرية إياد المدني أمين منظمة التعاون الإسلامي من “ثلاجة السيسي” واستقالته أمس الإثنين بسبب “ظروف صحية” كما جاء في البيان الرسمي للمنظمة.
ومن ثم جاءت دفعة قرارات ملكية صدرت عن العاهل السعودي الملك سلمان أبرزها إعفاء وزير المالية إبراهيم العساف من منصبه وتعيينه كوزير دولة وعضو في مجلس الوزراء السعودي، وتعيين محمد الجدعان خلفًا له بعد إعفائه من رئاسة هيئة السوق المالية.
بالإضافة لقرارات أخرى شملت إعفاء أشخاص وتعيين آخرين وقرارات تتعلق بالهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ووزارة الإسكان وأمور أخرى، إلا أن أبرز تلك القرارات كانت ما تعلق بوزير المالية إبراهيم العساف.
دلالات إقالة العساف
لا يمكن قراءة إقالة الوزير إلا في إطار ما يمر به الاقتصاد السعودي وبالأخص ما ذكره وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري مؤخرًا بقوله أن السعودية كانت ستتعرض لإفلاس حتمي بعد ثلاث أو أربع سنوات لولا القرارات الإصلاحية المتخذة، وقد أدت تلك التصريحات لعاصفة انتقادات بشأن أداء الفريق الاقتصادي في السعودية.
لم يبق هذا التصريح من دون رد، فسرعان ما خرج وزير المالية إبراهيم العساف وقال إن الوضع المالي للسعودية لا يزال قويًا والحكومة تواجه التحديات الاقتصادية والمالية سواءً داخل البلاد أو خارجها، ومركزها المالي والنقدي قوي وأن الإجراءات الحكومية المتخذة ستخفف الضغط على الموازنة والنمو الاقتصادي، مضيفًا أن النظام المصرفي قوي وذو مؤشرات سلامة متينة” على حد وصفه.
يعد الوزير إبراهيم العساف من أقدم الوزراء في مجلس الوزراء السعودي
إلا أن الوضع المالي الحالي للمملكة ينافي القوة التي ادعاها العساف، والحقيقة تقول إن السعودية تحاول ما وسعها أن تبعد عنها شبح الأزمة المالية وتعمل ليل نهار لإعادة التوازن لميزانية البلاد ورفع معدلات النمو والتخلص من الدوامة التي دخلتها منذ سنتين.
فوزارة المالية في الفترة الماضية خلفت دينًا عامًا يقترب من الـ73 مليار دولار بنهاية أغسطس/ آب الماضي منها 63 مليار دولار ديون داخلية و10 مليار خارجية وتعادل هذه الديون نحو 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنهاية العام الماضي 2015.
كما من المتوقع أن تسجل السعودية في نهاية السنة المالية الحالية عجزًا في الميزانية يبلغ 87 مليار دولار بحسب ما أعلنته وزارة المالية نهاية 2015 بعد أن سجلت عجزًا فعليًا يبلغ 98 مليار دولار العام الماضي.
الجدير بالذكر أن الوزير العساف يعد من أقدم الوزراء في مجلس الوزراء السعودي إذ شغل منصب وزارة المالية منذ العام 1995 تبنى فيها سياسات مالية محافظة عملت على خلق احتياطيات نقدية ساهمت في استقرار الأوضاع الاقتصادية في السعودية في أوقات ارتفاع أسعار النفط.
وبعد هبوط الأسعار وتبني الأمير محمد بن سلمان خطة لإصلاح الاقتصاد وتنويعه، تطلب ضخ دماء جديدة ذات خبرات واسعة يناسبون الرؤية الجديدة والزمن الجديد الذي تراهن عليه السعودية، زمن ما بعد النفط.
فأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم عانت من تراجع حاد في إيراداتها المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط، وبسبب هذا اتخذت السعودية في الأشهر الماضية سلسلة إجراءات لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، شملت رفع أسعار مواد أساسية وإجراءات تقشف وخفض رواتب وسحب من الاحتياطيات الأجنبية التي تراجعت من 732 مليار دولار نهاية 2014 إلى 562 مليارًا نهاية أغسطس/ آب الماضي واقتراض 17.5 مليارات دولار عبر سندات طرحت للمرة الأولى في الأسواق الدولية.
من هو محمد الجدعان؟
تم تعيين رئيس هيئة السوق المالية محمد الجدعان ليحل محل العساف ويتولى حقيبة المالية بأمر ملكي، وأول ما ذكره الوزير الجديد أن لديه ثقة كبيرة في الرؤية الاقتصادية للمملكة رغم كل التحديات التي تواجهها البلاد.
ومتابعة لنفس الإطار السابق فإن تطوير الاقتصاد السعودي والدخول في الزمن الجديد يتطلب الاعتماد على دماء جديدة وأشخاص ذوي نجاحات مميزة، فالجدعان يعد من أبرز المطورين لعمل هيئة السوق المالية خلال فترة عمله منذ يناير/ كانون الثاني 2015 وحتى تاريخ تعيينه في المالية، حيث عمل على تطبيق رزمة من الإجراءات لتقوية تداولات السوق وتعزيز دورها الإقليمي وسمحت الهيئة للمؤسسات الأجنبية بدخول السوق السعودية للتداول للمرة الأولى في تاريخ السوق.
علمًا أنه راكم خبرته في السنوات الماضية داخل السوق السعودية وشغل منصب عضو الهيئة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى عام 2009 إضافة لمنصب رئيس مجلس الإدارة للمركز السعودي للتحكيم التجاري عام 2014، وشغل أيضًا منصب عضو لجنة المحامين بالغرفة التجارية والصناعية منذ 2013 وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار منذ 2014.
هبطت الاحتياطيات الأجنبية للسعودية من 732 مليار دولار نهاية 2014 إلى 562 مليارًا نهاية أغسطس/آب الماضي
وتعد أبرز التحديات المالية والاقتصادية التي يواجهها الجدعان في وزارة المالية ما يلقيه هبوط سعر النفط بظلال ثقيلة على الاقتصاد ومن ثم النزيف المتواصل لاحتياطي النقد الأجنبي، وبعدها الموازنة بين إجراءات التقشف وتحقيق معدلات نمو مجزية في الاقتصاد، بالإضافة إلى إدارة خدمة الدين العام.
كما أن أول ملف ينتظر الجدعان في الوزارة هو الإعداد لموازنة العام المالي المقبل 2017 التي من المفترض المصادقة عليها وإقرارها الشهر المقبل، ومن المتوقع أن تشهد فرض إجراءات تقشفية أكثر من موازنة العام المالي 2016، خصوصًا أن صندوق النقد الدولي يشير على السعودية بالاستمرار في خفض النفقات، فضلًا عن التحدي الأكبر للبلاد وهو خطوات التحول الاقتصادي 2020 ورؤية 2030 الهادفة لخفض اعتماد إيرادات البلاد على النفط وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل.