بعد أقل من شهر على ذلك التاريخ وقف الرئيس اليوغندي يوري موسيفني في جوبا يقول للصحافيين معلقاً على تمرد في جنوب السودان يقوده مشار: ” أمهلنا رياك مشار أربعة ايام للرد (على عرض وقف اطلاق النار) واذا لم يرد فسنلاحقه.. كلنا.. لننزل به الهزيمة.. هذا هو ما اتفقنا عليه في نيروبي.”
لم تكن تهديدات يوري موسيفني بالتدخل العسكري في جنوب السودان لصالح الرئيس سلفا كير بدعاً من الأمر فقد تواترت التدخلات من ذلك النوع في مناطق عديدة من القارة الأفريقية كانت فرنسا ضالعة بالفعل في اثنين منها إذ سبق تدخلها في أفريقيا الوسطى إجتياحها لمالي في عملية عسكرية قال وزير الدفاع الفرنسي “أنها تهدف إلى ردع أي محاولة لإعادة تشكيل وتنظيم صفوف الجماعات الجهادية في تلك المنطقة ..”
بعد يوم من تصريحات موسيفني في جوبا وجهت مجلة (إيست آفريكا) انتقادات لنائب وزير الخارجية الأوغندي (أوكيلو أوريام) ووصفت تصريحات أدلى، بها بشأن تطورات الأحداث في جنوب السودان، بأنها تصريحات تفتقر لأي معلومات يمكن تصديقها ونستبين منها أن حملة العلاقات العامة التي يطلقها قد لا توفر الغطاء الدبلوماسي الكافي للعمليات التي يقوم بها الجيش اليوغندي في دولة جنوب السودان. وقطعت مجلة إيست آفريكا “إن الجيش اليوغندي موجود في جنوب السودان ومن المحتمل أن يُشارك في عمليات قتالية، بموافقة واشنطن ولندن..”
فور الإعلان عن المهلة التي حددتها قمة دول (إيقاد) في نيروبي ودعوتها الطرفين المصطرعين للتوقف خلالها عن العنف والإقتتال في جنوب السودان، أعلن رياك مشار موافقته على وقف اطلاق النار واستعداده للدخول في مفاوضات مع حكومة جوبا، لكنه حذّر في ذات الوقت وبلهجة حاسمة من أنّ التورط الأوغندي المباشر في الصراع من شأنه أن يقوض المساعي الأفريقية لكبح العنف في جنوب السودان وقال مشار في بيان أصدره يوم الاثنين: “اننا ندعو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (ايقاد) والاتحاد الإفريقي الى السعي لكبح جماح الحكومة الأوغندية من تأجيج الصراع بارسال قوات وطائرات حربية لدعم حكومة سلفا كير”
رغم ذلك أقرت أوغندا “أنها أرسلت قواتها من أجل العمل على ما اسمته “المساعدة في استعادة الأمل في جنوب السودان” وأكّد الرئيس موسيفني مشاركته العسكرية في الصراع. ذاكراً أن لا تفاصيل عن الكيفية التي تنوي من خلالها دول المنطقة هزيمة التمرد الذي انتشر بسرعة إلى المدن الرئيسية في البلاد.” لكن تصريحات نقلت عن العقيد بادي آنكوندا، الناطق الرسمي باسم الجيش اليوغندي، قال فيها إن الجيش يقوم فقط بعملية إجلاء للرعايا اليوغنديين الذين احتجزوا بسبب الصراع الدائر في جوبا.
تقرير إيست آفريكا عن أدوار قتالية تقوم بها أوغندا في جنوب السودان، بموافقة واشنطن ولندن، من شانه أن يسلط الأضواء من جديد التعاون العسكري بين أمريكا وأوغندا التي انخرطت مع دول أفريقية عديدة ضمن برامج قيادة (أفريكوم) التي قامت بناء على تلك العلاقة بتقديم خدمات واسعة للجيش اليوغندي وأسهمت بصورة فاعلة مع النظام الأوغندي في العمل من أجل الحصار والقضاء على جيش الرب الذي ينشط شمال أوغندا، لقد قامت قيادة أفريكوم بعمليات تدريب وتأهيل لجيش اليوغندي. ومهما يكن الهدف المفترض لإنشاء قيادة الأفريكوم هو “جلب السلام والأمن لشعوب إفريقيا ودفع الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في مجالات التنمية، الصحة، التعليم، الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في إفريقيا. كانت الحجة التي أنشأت على أساسها القيادة المركزية لإفريقيا، (الأفريكوم) هي أن “الدول الضعيفة يمكن أن تشكل خطراً داهماً على الولايات المتحدة.
وهكذا لم تلتفت الإدارة الأمريكية للأصوات التي أنطلقت تصوب انتقادات صارخة بأن نشاط (أفريكوم) سيعمل على تمكين الزعماء الديكتاتوريين في أفريقيا إذ سرعان ما تنشأ علاقات ثنائية مع دول المنطقة ولن يضيرها أن كان ذلك مع دول تقوم بقمع شعوبها ما دام قادتها يوافقون على التنسيق والتعاون مع سياسة الأفريكوم رداً على هذه المخاوف صرحت الحكومة الأمريكية أنها تشترط معايير متعددة قبل البدء في أية شراكة مع أي دولة إفريقية، لكن أمريكا مضت بالفعل في تعاون وثيق مع نظام الرئيس موسيفيني في أوغندا لأجل إنشاء قواعد انتشار متقدمة على الأراضي اليوغندية، إلى ذلك أبقت الولايات المتحدة الأمريكية على علاقات جيدة مع النظام في إثيوبيا تطورت لمستوى شراكة، بل وتزويده بالمعدات والتدريب من أجل قتال حركة الشباب الصومالية كل ذلك رغم سجل النظام الإثيوبي السيئ في مجال حقوق الإنسان ومحاولاته قمع المحتجين والمعارضين إضافة لذلك، تغاضت الولايات المتحدة الأمريكية عن الانتهاكات التي يقوم بها النظام الحاكم في غينيا الاستوائية كما صمتت عن انتقاد التزوير الذي اعترى العملية الانتخابية في كل من أنغولا ونيجيريا والسبب الرئيس لذلك يعود للدور الذي تلعبه أنظمة هذه الدول في تأمين المصالح النفطية للولايات المتحدة.
وذكر مركز الجزيرة لدراسات في تقرير أعده حول (أفريكوم) “أن قواعد الانتشار التي ستستضيف أوغندا بعضها يختلف عن القواعد العادية لكونها مكاناً لتخزين الأسلحة والذخيرة ومؤن تجهيزات أخرى
لكن المعلومة الأخطر في تقرير الجزيرة هو: “أنه في بعض الأحيان يتم الترخيص للدول المستضيفة لاستخدام هذه القواعد في ظروف معينة.. فمثلا ستكون قاعدة الانتشار المتقدمة في أوغندا على سبيل المثال قاعدة للجيش الأوغندي تقوم الولايات المتحدة بتشغيلها تحت غطاء تقوية الجيش الأوغندي لكن في الحقيقة أن الأسلحة التي يتم تخزينها في هذه القواعد ستبقى جاهزة للاستخدام في ما تراه الولايات المتحدة مناسبا لمصالحها..”
في وقت مبكر من سنة 2001 تم النظر في الولايات المتحدة إلى أن النفط في القارة الإفريقية على أنه يصلح حلاً ممكنا لمشكال الطاقة في أمريكا وهو ما دفع الرئيس جورج بوش في ذلك الوقت لإعلان “أن النفط في إفريقيا يشكل مصلحة قومية أمريكية”
في حديث صحفي في الأول من يناير الجاري قال رياك مشار لصحيفة الشرق الأوسط “إن موسيفيني تدخل بالفعل وجنوده يجولون في جوبا وطائراته تقلع من هناك..” فهل تلقى الرئيس اليوغندي موافقة أمريكية على التدخل في جنوب السودان؟ إن الموقف المعلن للإدارة الأمريكية هو ذلك الذي أعلن عنه جون كيري: “أن بلاده تأيد محادثات سلام مباشرة بين الطرفين، لكنه حذّر من التحايل في تلك المحادثات واستخدام أي جانب القوة لمحاولة أن تكون له الغلبة..”
لكن مشار مايزال يقطع أن: “التدخل الأجنبي جرى بالفعل وليس هناك أي اتفاق بهذا الخصوص من قبل دول الإيقاد” وهو إلى ذلك يبدو شديد الريب تجاه الخرطوم التي يعدها حليفاً للرئيس سلفاكير وهو إذ يرسم خطوط التحالف الذي يمكن أن يدعم سلفاكير يجد: “أن الخرطوم هي الآن أقرب إلى سلفا كير. حكومة الخرطوم بأي حال ليست قريبة منا ولعل من المعلوم أن مقررات الإيقاد الأخيرة أشادت بتعاون الخرطوم وجوبا، وعلاقة (شهر العسل) هذه بينهما…”
من جانب آخر نفت حكومة سلفا كير في جوبا أن تكون قد تلقت أي دعم أو مساعدات عسكرية من الخرطوم، ورغم اتهامات تصاعدات بهذا الشأن من قبل مجموعة رياك مشار، فإن تصريحات وزير خارجية سلفا كير جاءت تضحد تلك الإتهامات قائلاً: “أن السودان قدّم مساعدات إنسانية إغاثية للمتضررين ولم يقم بإرسال مساعدات عسكرية ..”
هكذا يبدو المشهد في جنوب السودان خصوم متصارعون ومصالح متضاربة وأطماع خارجية متشابكة وأياد خفية تحرك الخيوط من وراء الستاء في ليل الغبش، بينما تتعثر المفاوضات بين أطراف النزاع على مائدة الحوار وتتربص القوات بعضها ببعض في ساحة المعركة، وليس ثمة أفق للحلول.