ما محددات احتدام النزاع بين تركيا وإيران؟

ثمة من يحاول أن يجعل الحرب في الموصل معركة طائفية، بالمعنى الذي يؤدي إلى الصدام التركي – الإيراني، والأطراف الخارجية التي تشجع هذا الصدام بالفعل تريد ذلك! ومن يرفع الأعلام المذهبية والشعارات الطائفية حتمًا هو يشجع هذه الأطراف، ولكن بالنسبة لتركيا فهي واضحة في توجهاتها، إنّها فقط تريد الحفاظ على المكون الخاص بكل منطقة على ما هو عليه، فالأمر مختلف بالنسبة إلى تركيا.
ولكن الخطر يكمن فيمن يقوم بعملية تغيير مظاهر أي منطقة موجودة على أرض المعركة، وتركيا لا مشكلة لديها في وجود التركمان الشيعة في تلعفر، إنما المشكلة فيمن يريد أن يحاول ربط هذه المعركة بالطائفية، وهي الأطراف الموجودة في الساحة العراقية، كتنظيم داعش من جهة، والمليشيات التي ترفع شعارات الطائفة الشيعية التابعة لإيران، لذلك فالتركمان هم أصحاب الحق الأكبر في مدينة تلعفر على تنوعهم، كما هو الحال في الموصل التي تقطنها الغالبية السنيّة، وهذا ما يفهم تمامًا من تصريح أردوغان حين قال “مدينة تلعفر يسكنها التركمان الشيعة والسنة جنبًا إلى جنب، ونحن لا نقّيم الأمور استنادًا إلى هذا التقسيم”.
نازحون من الموصل في مخيمات اللجوء
فتركيا لن يكون لديها أية مشاكل إزاء هذا المكوّن، إنما تقسيم الموصل إلى أحزاب وطوائف، لا يخدم الدولة التركية بتاتًا، أي بما أن أهل كل منطقة محافظ على وجوده، فيعني ذلك أن الأمن القومي التركي في حالة جيدة – بعدم وجود عمليات تغيير سكاني لأي منطقة – وهذه الأجندات إنما تخدم تنظيم داعش من جهة كما رأينا من طرده للمسيحيين من المناطق الواسعة التي احتلها.
وبالمقابل افتعال مليشيات الحشد الشعبي للمجازر المختلفة في مدن عراقية عدة، فالأجندة الطائفية لا تنسب إلى تركيا، فتركيا الواسعة التي تحوي أكبر تجمع عرقي – إثني في جنباتها، على الصعيد الثقافي والسياسي، لا يمكن أن تؤدي دورًا إجراميًا خارج نطاق حدودها، كما هو الحال مع تعامل الحكومة العراقية مع هذه القضية، فهنا يمكننا أن نرى ثلاثة أطراف: طرفان طائفيان وهما جماعات الحشد الشعبي التابع لإيران، وتنظيم داعش، والطرف الثالث هو تركيا التي تقف موقفًا محايدًا من جميع الطوائف والتي لا تقدّم أحدها على غيرها في التعامل، إنما تأخذ بالحسبان البعد الإنساني، فلم نجد في أي من عملياتها الناجعة في درع الفرات أي عملية تطهير عرقي، إنما منعت منظمات حزب العمال الكردستاني المختلفة من هذه الممارسات، ووقفت حائلًا أمام تقسيم الشمال السوري.
وهنا نفهم أنه على صعيد العراق الداخلي، تكون سياسة تركيا “امتصاصية”، فهي تتوجس من ازدياد عدد المهجرين واللاجئين وتشتتهم، ولكنها في المقابل لا تتخاذل عن استقبالهم والاهتمام بهم، فالأسس العلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية لن تجعل ثمة صراع يحتدم بسبب أن تركيا لا تتعامل مع المسألتين السورية والعراقية بالمبدأ الذي تتعامل به معهما إيران.
فغالبًا يعتقد بوجود صدام إن كان الطرف الآخر يحمل أيدولوجية مضادة للطرف الأول، وهذا ما لا يتوافر عند تركيا، وإنما تركيا تدافع عن أصحاب الأراضي في المنطقة وفقًا لمفهوم الصداقة التاريخية، والأخوة الرابطة بينهما، فصحيح أنّ الأطراف الأخرى قد تتوجه للتحالف مع تركيا – نتحدث عن الحشد الوطني/ حرس نينوى، والجيش الحر السوري – من منظور أنها “تركيا السنّيّة”، ولكن تركيا تنظر إلى هذا على أنه العلاقة التاريخية، والحفاظ على التركبية الأصيلة في المنطقة، والوقوف في وجه التغييرات السكانية التي قد ينتج عنها تهجير قد يودي بتركيا إلى مزيد من الضغوط، وكذلك التغيير الذي قد يحدث مجموعة من المجازر وصناعة كيانات تهدد الأمن القومي، وخلق بيئات زاحفة إلى العمق التركي.
من المؤكد أن الطرق الدبلوماسية، وسياسة الأمر الواقع، ستكون العون الأكبر لتركيا في هذه القضية لا المواجهة الطائفية، فإن تركيا آخر ما تفكر به هو هذه المواجهة، وعمليًا هل تركيا ستقوم بإحضار مليشيات طائفية بشكل شعوبي، كما تفعل إيران بمرتزقة زينبيون، وفاطميون؟ إنّ تركيا ستعتمد على أهل كل منطقة في تحرير منطقتهم من الإرهاب وأذرعه العالمية، وهذه السياسة ستؤدي إلى دحر كل اعتبار يدّعي أن تركيا تعتبر هذه الحروب مقدّسة، وأنها أمر واقع لا بد منه.