ترجمة وتحرير نون بوست
جميعنا يعلم أن عددا كبيرا من الدول العربية كانت قد مرت بما يسمى بالربيع العربي أو بالثورات العربية التي اندلعت شرارتها الأولى في تونس في أواخر سنة 2010. لكن هذه التحولات التي قامت بها هذه الدول لم تشمل المغرب الذي ظل الهدوء يميزه، ولكن هل يمكن أن يلتحق هذا البلد بقائمة الأوطان التي قامت بالثورات ونجحت فيها؟
تظاهر المغربيون، على خلفية القتل الشنيع الذي طال بائع السمك، لمدة ساعات في الشوارع والساحات الكبرى احتجاجا على هذا الفعل الفظيع، وذلك تزامنا مع مراسم جنازته. وقد كانت أغلبية المحتجين من الشباب خاصة وأن حادثة كهذه من شأنها أن تحبط آمالهم وطموحاتهم. وأثناء جنازة محسن فكري، تكفل الملك محمد السادس بزيارة عائلة الضحية، في لفتة تذكر بالزيارة التي أداها الدكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي لمحمد البوعزيزي وهو على حافة الموت.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة مرة أخرى إلى الأنظمة العربية التي عاشت الربيع العربي منذ خمس سنوات، وأصبحت بعد ذلك تسير في اتجاه الديمقراطية الحقيقية، وذلك بدءا من تونس، التي أعادت كرامة الإنسان بعد حادثة محمد البوعزيزي الشهيرة وجعلت شرارة المطالبة بالحرية، والعدالة والكرامة تتأجج ليس لدى شعبها فقط وإنما أيضا في مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن والبحرين.
ومن المهم الآن الأخذ بعين الاعتبار غضب المغربيين الذي من الممكن أن يؤدي إما إلى القيام بإصلاحات أو إلى حرب حقيقية. كما أن محسن فكري لم يرد قتل نفسه ولكنه كان يحاول صيد السمك أين ألقت به الشرطة في شاحنة لجمع القمامة.
سنرى ما سيحدث في الأيام المقبلة وسنرى خاصة ما إذا كانت الحكومة قادرة على كبح غضبها من أجل القيام بتنازلات وإصلاحات في مختلف القطاعات. ولكن لا بد من الانتباه حتى لا يتم تكرار نفس سيناريو البوعزيزي.
من جهة أخرى، نذكر أن الملك محمد السادس قام بإصلاحات اجتماعية خلال سنة 2004 وذلك نتيجة للضغط الشعبي الذي واجهه خلال تلك الفترة. لكن السؤال الذي يطرح في الوقت الراهن هو ما الذي أثار سخط الشعب في المغرب؟. إن آخر التطورات هناك تدل على أن الأجيال الشابة المغربية وجدت أن الهجرة من المغرب هي الحل الأمثل مقارنة بانتظار قيام النظام الملكي بالإصلاحات، التي تسعى فقط إلى تعزيز نفوذ البرلمان والسيطرة على الاقتصاد والمؤسسات الرئيسية في البلاد عوض السعي إلى نيل رضا الشعب وتحقيق أهدافه وتوفير حاجياته.
وانطلاقا من وجهة النظر هذه، يمكن القول إن حرية الصحافة في المغرب تكاد تكون منعدمة وأنها لم تتغير كثيرا بعد الاتهامات القاسية ضدها في سنة 2005 من قبل منظمة مراسلون بلا حدود. ومنذ بضعة أشهر، أي في يناير/كانون الثاني الماضي، تعرض سبعة صحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان إلى المحاكمة بتهمة تعريض أمن الدولة للخطر فقط لأنهم شاركوا في مشروع ممول بأموال أجنبية يقوم على تدريب الشباب على استخدام الهواتف الذكية والتكنولوجيات الجديدة.
أما عن أبطال الثورات العربية، فأغلبهم من الشباب، والمؤسسات الغير الحكومية، والمثقفين والمدونين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
فعلى الرغم من الاحتجاجات التي تقوم بها هذه الفئة والنخبة المثقفة سواء في تونس أو في مصر، فإنها غالبا ما تفشل عندما يقمعها النظام تماما كما حدث في المغرب سنة 2011 حيث أن الإصلاحات القليلة التي قام بها الملك محمد السادس على أمل تجنب إراقة الدماء كانت كفيلة بوقف هذه المظاهرات.
وبالتالي من الممكن أن نخرج باستنتاج مفاده أن محسن فكري وغيره من “التعساء” الذين لا يملكون شيئا ليخسروه كمحمد البوعزيزي، لا يمكنهم مواجهة نظام برمته على عكس الناشطين والمثقفين الذين يجادلون في كل شيء ويناضلون اعتمادا على الفكر والعقل عوض إضرام النار في أجسادهم.
وفي الأشهر القليلة الماضية أضرم العديد من الباعة المتجولين في تونس النار في أنفسهم، ولاسيما في الجنوب، وذلك نتيجة البطالة والركود الاقتصادي في البلاد مما أدى إلى المطالبة بالتدخل السريع لحل هذه المشكلة. وبسبب الوضع المتدهور الذي تعيشه البلاد، اتبع الآلاف من الشباب في السنوات الخمس الماضية طريق التطرف والإرهاب وانضموا إلى صفوف تنظيم الدولة. أهذا ما كنا ننتظره من مرحلة ما بعد الثورة؟ كيف يمكن أن نقول أن الثورة نجحت ونحن بصدد مواجهة مثل هذا النوع من المشاكل؟
كما أن منع الحقوقيين والناشطين من أداء واجباتهم أصبح أمرا عاديا في مصر، حيث أن الرئيس السيسي لطالما كمم أفواه المعارضة في كنف السرية وذلك من خلال قتلهم ومنع حقهم في إيصال أصواتهم (فالاحتجاجات الوحيدة التي لم يقمعها السيسي كانت تلك المتعلقة بقضية الايطالي جوليو ريجيني، نظرا لأن المشاركين فيها كانوا ينتمون إلى الطبقة الغنية وكان من بينهم سفراء). وفي أبريل/ نيسان الماضي، عادت الاحتجاجات ضد النظام إلى الظهور من جديد بعد أن قتل شرطي بائع الشاي حيث لم يرغب الشرطي في دفع ثمن الكوب الذي احتساه، لكن ذلك لم يدم طويلا وسرعان ما تم التصدي لها من قبل النظام.
ومازالت وتيرة الاحتجاجات مستمرة في مصر، فقبل مدة قصيرة من الزمن، نشرت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو، يندد فيه سائق التوك توك مصطفى بالانهيار الاقتصادي والسياسي للبلاد (وفي غضون ساعات قليلة، تم تحميل الفيديو حوالي 6 مليون مرة). والأمثلة على ذلك كثيرة في كل البلدان العربية. كما أنه علينا أن ننتبه جيداً لكل المستجدات التي تعيشها في المغرب حتى لا نكرر الأخطاء التي خلفتها الثورات العربية الأخرى.
المصدر: صحيفة لا ستامبا