تحول منصب الرئاسة الأمريكية إلى ساحة لحملات الضغط واللوبيات من ممولي الحملات الانتخابية الذين فرضوا أنفسهم كرقم صعب في الحياة السياسية الأمريكية لا سيما في الانتخابات، إذ بات الرئيس الأمريكي تتحدد هويته من خلال لوبيات المال ومجموعات الضغط والتي تفعل ذلك لإنجاح الشخص الذي سيخدم مصالحها المختلفة في الولايات المتحدة وفي العالم.
فيما يلي سنمضي في رحلة المال مع حملتي ترامب وكلينتون وكيف أثرت على حملتيهما؟! فقد أصبحت لغة المال والمصالح هي المحرك الرئيس للانتخابات الأمريكية وقدرة أي مرشح على الإنفاق على حملته الانتخابية هي التي ستقرر مدى قدرته على إنهاء السباق الانتخابي لصالحه أم لا! فضلًا عن قدرة المرشح على جذب تبرعات المانحين سواء من الأفراد أو الشركات الكبيرة (سوبر باك).
والمعلوم أن قواعد تمويل الحملات الانتخابية في سبعينات القرن الماضي كانت تضع قيودًا على حجم تبرعات ومساهمات الأثرياء خوفًا من سيطرة المال على السياسة، إلا أن تلك القواعد اعتبارًا من العام 2010 تغيرت بسبب ضغوط من الشركات الكبرى والسوبر باك والنقابات وجهات الضغط الأخرى.
إذ باتت القواعد تسمح لأي مرشح الحصول على مبالغ غير محدودة من المال من قبل أفراد ومؤسسات وشركات كبرى وأصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها بفتح الباب لتدفق الأموال إلى الانتخابات الوطنية، فقد حصدت حملات الانتخابات الرئاسية الحالية من عشرات المنظمات أكثر من 200 مليون دولار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول فقط.
حملة ترامب.. لا لجماعات الضغط
تتباهي حملة ترامب أنها تخلو من مظاهر لوبيات الضغط وممولي الحملات الانتخابية وكبار رجال الأعمال والمستثمرين في المصارف والأسواق المالية الأمريكية، وأنها أعادت بعض الاعتبار لمنصب الرئيس الأمريكي بمعزل عن تلك الجماعات الذين حولوا السياسي الأمريكي إلى “دمية” لخدمة مصالحهم.
ومن جهة أخرى تعمل حملة ترامب على تصوير حملة هيلاري الانتخابية على أنها مثال للسياسي المرتبط بتلك الجماعات والشخصيات وسترضي مصالحهم حال فوز كلينتون بالرئاسة، ومن ثم استغلال الثغرات الضعيفة في حملتها بغرض إضعافها، كما في قضية استخدام هيلاري كلينتون للبريد الإلكتروني الخاص بها في نقل رسائل رسمية في فترة توليها حقيبة الخارجية فترة حكم أوباما الأولى، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التبرعات التي يتم دفعها إلى مؤسسة كلينتون الخيرية وطريقة توظيفها.
حصدت حملات الانتخابات الرئاسية الحالية من عشرات المنظمات أكثر من 200 مليون دولار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول فقط.
لم يلجأ ترامب إلى جذب الشركات الكبرى (سوبر باك) لجمع التبرعات منها إلا في وقت متأخر، بينما كانت هيلاري تغازل تلك الجماعات والنقابات منذ ربيع العام 2015، حيث اعتمدت في جمع التبرعات على شيكات كبار المستثمرين ورجال الأعمال وكبرى الشركات والأثرياء المساندين لها ولزوجها، بل وقبلت تبرعات من قبل جماعات ضغط تمثل حكومات أجنبية.
وتشير الواشنطن بوست أن خُمس المليار دولار تلقته حملة كلينتون جاء من مئة رجل أعمال ثري أمريكي ونقابات عمالية، وكثير منهم يرتبط بعلاقات قديمة مع آل كلينتون الذين دعموا ومولوا كثيرًا من لجان جمع التبرعات واللقاءات الحزبية واللجان المستضيفة للسوبر باك والشركات الكبرى.
وتعتمد حملة ترامب في جمع التبرعات بشكل أساسي على التبرعات الفردية من أنصاره ومؤيديه من خلال حملات على وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لكنه في نهاية شهر مايو/ أيار بدأ بجمع التبرعات لحملته واستطاع جمع ما يقرب من 712 مليون دولار منهم 56 مليون دولار من ماله الخاص.
وقد واجهت حملة ترامب ضغوطًا كبيرة في الأيام الماضية، ناجمة عن فضائح التحرش الجنسي ضده، وكذلك تغلُّب هيلاري عليه في المناظرات الثلاث التي جمعت بينهما، وخلافاته مع اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري التي تقوم بجمع التبرعات للحملة الانتخابية للحزب، أدت جميع تلك الأزمات لعدم دفع الأموال للحملة الرئاسية وتخصيص التبرعات التي تجمعها لحملات المرشحين الجمهوريين لانتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وكذلك فعل أصدقاء الحزب الجمهوري النافذين والممولين إذ توقفوا عن تمويل حملة ترامب.
ما دفعه ترامب للحملة من أمواله الخاصة الشهر الماضي بلغ نحو 35 ألف دولار فقط.
سوى أن التحقيق الجديد في قضية الرسائل الإلكترونية لكلينتون والذي أثاره مكتب التحقيقات الفيدرالية أعاد الأمل لحملة ترامب بتعويض الخسارات السابقة التي مني بها، إذ أعلن ترامب عن صرف 10 ملايين دولار إضافية في الأيام المقبلة لسد العجز المالي الذي تواجهه الحملة.
الجدير بالذكر أن ترامب طالته انتقادات كبيرة بسبب عدم تخصيص مبالغ من ثروته الخاصة للحملة الانتخابية، إذ كشفت مصادر أن ما دفعه ترامب للحملة من أمواله الخاصة الشهر الماضي بلغ نحو 35 ألف دولار فقط.
حيث فضل الاعتماد على ميزانية تقشفية جدًا خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ويتباهي ترامب أنه بميزانية انتخابية محدودة استطاع الفوز على 16 مرشحًا جمهوريًا.
يُذكر أن أبرز الداعمين لترامب كان الملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون ووهو واحد من أكبر أصحاب الملاهي وصالات القمار في أمريكا والعالم، حيث تبرع لحملة ترامب بنحو 10 مليارات دولار، وتبرع برنارد ماركوس صاحب سلسلة “هوم دبيو” بـ 7 ملايين دولار وكذلك تبرع روبرت ميركير أحد مديري صناديق التحوط في وول ستريت بنيويورك بملبغ مليوني دولار.
وحصل ترامب أيضًا على 20 مليون دولار من الجمعية الوطنية للبنادق وهي إحدى جماعات الضغط التي تروج لامتلاك الأسلحة طبقًا للمادة الثانية من الدستور الأمريكي، كما قدمت جماعة أخرى 13 مليون دولار للإنفاق في إعلانات تنتقد حملة كلينتون.
كلينتون مدينة بأربعة مليارات دولار للمانحين
سجلت هيلاري كلينتون رقمًا قياسيًا جديدًا في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتجاوز قيمة التبرعات التي حصلت عليها حملتها نحو 1.3 مليارات دولار في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حسب الحسابات الواردة في صحيفة الواشنطن بوست، وفي المقابل سجلت حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب تبرعات بلغت قيمتها نحو 795 مليون دولار.
بلغت التبرعات لحملة هيلاري ما يناهز 1.30 مليار دولار حتى 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي
وبينت الإحصاءات الواردة أن حجم التبرعات المالية لحملتي هيلاري وترامب تجاوز ملياري دولار، حيث بلغت التبرعات لحملة هيلاري ما يناهز 1.30 مليار دولار حتى 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي جُمعت من خلال الحزب الديمقراطي وشبكة من المؤيدين والداعمين لها ولحملتها بالإضافة لجماعات الضغط والشركات الكبرى ورجال الأعمال، علمًا أن هذا الرقم يتقارب مع حجم المال الذي استطاعت حملة باراك أوباما تجميعها عبر التبرعات في العام 2012.
وقد تمكنت حملة كلينتون من جمع تبرعات بقيمة 101 مليون دولار خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحسب البيانات المالية للحملة، فقد تم صرف مبلغ 30 مليون دولار على وسائل الإعلام و3 مليون دولار على إعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي و1.7 ملايين دولار رواتب لـ 814 شخصًا يعملون في الحملة و3.8 ملايين دولار كمصاريف سفر و3.4 ملايين دولار كلفة تنظيم مهرجانات انتخابية.
وقد تمكنت الحملة من توفير نحو 70 مليون دولار نقدًا في ميزانيتها من المتوقع أن يتم صرفها في الأيام المتبقية قبل بداية الانتخابات المزمع عقدها في 8 الشهر الجاري.
ويعد دونالد سوسمان مدير أحد صناديق التحوط في نيويورك أكبر المتبرعين لحملة كلينتون حيث قدم 21 مليون دولار، يليه صاحب سلسلة فنادق ريجنسي الذي تبرع بمبلغ 16.7 مليون دولار وجورج سوروس تبرع بملبلغ 9.9 مليون دولار وتبرع صاحب شركة سليم فاست بمبلغ قدره 9.7 مليون دولار.
ولم تقتصر التبرعات على الأغنياء ورجال الأعمال بل إن جزءًا كبيرًا من التبرعات يعتمد على مساهمات الناخبين الأفراد بمبالغ بسيطة، فبحسب المسؤول المالي في حملة كلينتون فإن أكثر من 2.6 ملايين مواطن أمريكي تبرعوا لحملة كلينتون لأنهم يؤمنون أنها المرشح الأفضل الذي يحقق مجتمعًا أكثر شمولية مع اقتصاد يعمل لصالح الجميع، وللإشارة فإن كلينتون ستكون مدينة هي وزوجها للجهات المانحة في جمع 4 مليارات دولار على مدى السنوات الماضية.
وبحسب صحيفة الوول ستريت جورنال فإن 12 مليارديرًا أمريكيًا تبرع بنحو 88 مليون دولار في الحملات الانتخابية الأمريكية لعام 2016 وكانت حملة هيلاري أبرز المستفيدين من تلك التبرعات، حيث ذكرت سجلات لجنة الانتخابات الاتحادية أن 4 مليارديرات تبرعوا بمبلغ 18 مليون دولار لدعم ترامب وإن نحو 56 شخصًا من المانحين من الأثرياء وأصحاب المليارات قدم كل منهم شيكًا بمبلغ مليون دولار، وقدمت عدة شركات مجتمعة مبلغ 200 مليون دولار لكلا المرشحين، ذهبت 83% من تلك الأموال لصالح حملة كلينتون والباقي كان لصالح حملة ترامب.