تنص المادة 102 من الدستور الكويتي الصادر عام 1962على أن “لمجلس الأمة في حال عدم تمكنه من التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أن يرفع الأمر إلى الأمير الذي له أن يعفي مجلس الوزراء أو يحل المجلس، فإذا ما حل المجلس وصوت المجلس الجديد بالأغلبية على عدم التعاون مع نفس رئيس مجلس الوزراء، اعتبر معزولًا وتشكل وزارة جديدة.”
وبموجب هذه المادة يجوز لأمير البلاد أن يحل البرلمان في حالة عدم التعاون مع الحكومة أو العكس، لكن لا يجب أن نغفل أن حق الحل هو سمة أساسية من سمات الأنظمة البرلمانية، ويقابل هذا الحق المخول أساسًا للسلطة التنفيذية حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة.
ويعني حل البرلمان إنهاء حياة المجلس النيابي قبل موعدها الطبيعي، فهو بمثابة إقالة جماعية لكافة أعضاء البرلمان.
ومنذ بداية الحياة البرلمانية في الكويت 1962، تم حل مجلس الأمة 8 مرات في أعوام: 1976، 1986، 1999، 2006، 2008، 2009، 2011، 2012، واستمرت 6 برلمانات منتخبة في مدتها كاملة.
قرار الحل الأخير!
جاء هذا القرار بعد لقاء مع رئيس الوزراء الذي رفع إلى الأمير مشروع المرسوم بحل مجلس الأمة، حيث اعتمده وفقًا للمادة 107 من الدستور الكويتي.
وجاء في المرسوم طبقًا لما نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) “… ونظرًا للظروف الإقليمية الدقيقة وما استجد منها من تطورات وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير الأمر الذي يفرض العودة إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار ممثليه.”
وطبقًا للمادة 107 من الدستور فإن “للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، وإذا حل المجلس وجب إجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل”، ومع آخر قرار حل للبرلمان فإن الكويت تستعد للانتخابات في 26 نوفمبر بدلًا من يوليو 2017.
مرسوم الصوت الواحد والمقاطعة
في صيف عام 2011 تجمع عدة مئات من المواطنين بساحة الإرادة يطالبون برحيل حكومة الشيخ ناصر المحمد، كان العدد محدودًا في البداية وفي نفس العام في شهر نوفمبر دعت “نهج” وهي قوى سياسية وشبابية للتجمع بنفس المكان، شارك به 90 ألف مواطن ومواطنة يطالبون برحيل حكومة الشيخ ناصر المحمد، وتم لهم ما طالبوا به وتم حل الحكومة والمجلس وأجريت انتخابات فبراير 2012 وفازت الأغلبية البرلمانية المعارضة وبدأت بخطة عمل وبرنامج رقابي للحكومة، ولكن لم يستمر المجلس إلا لعدة أشهر وتم حل مجلس فبراير 2012 بحكم المحكمة الدستورية ثم صدر مرسوم بحل مجلس 2009 الذي أعاد حكم المحكمة الدستورية وتم استبدال النظام الانتخابي من أربعة أصوات إلى صوت واحد، ما جعل المعارضة تقاطع الانتخابات وتنجح فيها، وبدأت بتحرك ما أطلق عليه مسيرات كرامة وطن والتي طالبت بحل مجلس الصوت الواحد وإعادة النظام الانتخابي السابق وشارك في هذه التجمعات أعداد قدرت بمئتي ألف مواطن ومواطنة.
النهج الحكومي في التعامل مع المعارضة
زاد النهج الحكومي في التعامل مع المعارضة من شعبية المعارضة بشكل كبير في ظل عدم رغبة الحكومة أو عدم قدرتها على فتح قنوات حوار مع المعارضة بسبب رفض الحكومة التنازل عن بعض المطالبات السياسية مما رفع عدد المشاركين بمسيرات كرامة إلى مئتي ألف مشارك – وفقا لبعض تقديرات المراقبين لها – والتي تعتبر أعلى نسبة مشاركة عالمية بالنسبة لعدد مواطني دولة الكويت.
وزادت كثرة الاعتقالات والمحاكمات وضرب المواطنين واعتقالهم في المسيرات من وتيرة الأزمة والاحتقان السياسي، لا سيما بعد إحالة عدد كبير من الشباب والمغردين إلى المحاكم وسجنهم بتهم الإساءة إلى الذات الأميرية، حتى بوادر الحوار التي كانت تسعي أطراف محايدة لرأب الصدع بين الحكومة والمعارضة باءت بالفشل بعد رفع الحكومة قضايا ضد نواب المعارضة منهم الداهوم والصواغ والطاحوس، وصدور أحكام بالسجن ضد بعض المغردين.
وراهنت الحكومة على شق الصف في تجمع نهج وهذا بالفعل ما حدث، حيث أصبح هناك تيارين: تيار يسعى للمصالحة السياسية ولديه استعداد لقبول الوضع القائم وإمكانية العودة مجددًا إلى المشاركة في أقرب انتخابات برلمانية قادمة، وتيار آخر مستمر في المعارضة ومتشبث برأيه وهو إسقاط مرسوم الصوت الواحد وإعادة انتخابات مجلس الأمة وفق النظام السابق.
المقاطعون والمشاركون
بعد مقاطعة المعارضة الانتخابات البرلمانية على مدار مجلسين متتابعين، بدأ خط من المراجعة والتمايز التدريجي بين التيارين الرافض لاستمرار المقاطعة والرافض للمشاركة، التيار الأول يرى ضرورة المشاركة خوفًا من تزايد الفساد وانفراد السلطة والمجلس الموالي لها والخالي من أي معارضة بالمزيد من إصدار القرارات وسن قوانين التي قد تضر بالمواطنين وسحب كل المكتسبات التي حققتها المعارضة في المجالس السابقة، مما دفع رموز من الحركة الدستورية الإسلامية منذ فترة غير قصيرة توجيه رسائل “جس نبض” للقوى السياسية الأخرى والشارع تجاه المشاركة في الانتخابات والتراجع عن قرار المقاطعة التي مضت فيه بمشاركة بعض التيارات السياسية الأخرى.
حيث غرد عضو الحركة النائب السابق الدكتور جمعان الحربش عبر حسابه على “تويتر” في مارس الماضي بأن على المعارضة أن تكون على قدر المسؤولية وتقدم موقفًا ومبادرة بعد ما وصفه بمشروع التدمير الاجتماعي الذي تقدمت به الحكومة أخيرًا، في إشارة إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما اعتبره مراقبون في حينه إشارة واضحة لتوجه “حدس” لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وانضم إلى قرار إنهاء المقاطعة عدد من نواب المعارضة رأوا أن المقاطعة وسيلة تهدف إلى الإصلاح، فإن استنفدت غرضها استبدلت بما يحقق المصلحة وهو المشاركة في أقرب انتخابات قادمة، ودعم الذين اتخذوا قرار المشاركة وجهة نظرهم بعدم قبول أن يستمر تراجع الوطن، فدولة المؤسسات إن انتكست مرة، فعليهم إعادتها لمسارها مجددًا وأنهم لن ييأسوا، ولن يتراجعوا أو يتنازلوا، فللوطن حق عليهم.
أما التيار الثاني والرافض للمشاركة وفق مرسوم الصوت الواحد، اعتبر المشاركة خيانة للمسار الديمقراطي وانقلاب واضح عليه، ومشاركة في القضاء على المكتسبات الدستورية التي حقتتها المجالس السابقة، ومشاركة عبثية مع حكومة فاسدة لا تعترف بالديمقراطية، ومرسوم الصوت الواحد من وجهة نظرهم مخالف للدستور ولأصول العمل البرلماني ويجب تغييره أولاً بدلاً من الاعتراف به وتكريس العمل به.
سيناريوهات ومؤشرات ما بعد المشاركة
يرى الكثير من المراقبين للمشهد السياسي أن الحل المفاجئ والمباغت لمجلس الأمة والإعلان السريع والقريب عن موعد الانتخابات المقبلة هو في حقيقته لعبة حكومية مدروسة للعمل على تشتيت وخلط الأوراق الانتخابية للجميع، وأغلب الظن أن هذه اللعبة الحكومية لتحافظ على أكبر عدد من أعضاء هذا المجلس الذهبي من وجهة نظر الحكومة والذي تم حله مؤخرًا.
وهناك بعض المؤشرات السياسية والسيناريوهات التي تحمل تخوفات قد لا تدعو إلى الكثير من التفاؤل، وفي مقدمتها قرار حل مجلس 2013 المفاجئ ، فقد يلجأ إلى المحكمة الدستورية باعتبار ما جرى عبثًا سياسيًا وتعسفًا حكوميًا لإلغاء السلطة التشريعية دون مبررات واضحة، الأمر الذي قد يربك المشهد السياسي برمته ويعيده إلى المربع الأول، وهو احتمال كبير إذا أفرزت الانتخابات المرتقبة أغلبية كبيرة لا تستطيع الحكومة التعامل معها.
المؤشر والسيناريو الثاني هو احتمال وصول عدد كبير من مرشحي الشارع الغاضب بهدف مواجهة الحكومة ومحاسبتها على أخطائها السابقة واللاحقة، وخصوصًا الاستهداف المباشر لرئيس الوزراء بالعديد من الاستجوابات، سواء مع استمرار الشيخ جابر المبارك على رأس الحكومة، أو عودة الشيخ ناصر المحمد بحسب بعض التسريبات والتخمينات، ويرى البعض أن من السهل وصول 5 أعضاء من كل تيار إلى قبة البرلمان، فممثل التيار الرسمي هو من سيحظى بأصوات مؤيدي التيار، كما أن هبوط أرقام الفوز في الانتخابات سهّل على التيارات الوصول إلى البرلمان، لكنها صعّبت من إيصال أكثر من نائب يمثل التيار وفي الدائرة نفسها، وذلك لتشكيل كتلة ليعملوا ضمن برنامج عمل موحد، ليحقق تقدمًا وإنجازًا في المجلس، وبمجرد نجاح 25 مرشحًا من خارج رحم المجلس السابق يمكن القول أن البرلمان الجديد سيكون في مهب الريح إما ببطلان الانتخابات أو حل المجلس الجديد فى أقرب وقت ممكن.
المؤشر الثالث يتمثل في مشاركة الكثير من المقاطعين السابقين لخوض الانتخابات ليواجهوا تهمة نكث الوعود والعهود والمبادئ التي نادوا بها، خصوصًا من أصروا على مقاطعة الانتخابات بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، كما أن التصريحات الأولية لبعض المقاطعين المشاركين هي ذاتها الشعارات الاستفزازية للحكومة والتي تسببت في تهييج الشارع واللعب بعواطفه سابقًا وهو ما أغضب السلطة وجعلها تحل العديد من المجالس السابقة، وهذا ما يرجح سيناريو الحل المبكر عند أول صدام مع الحكومة تحت أي ذريعة.
كما لا يستبعد أن يشهد البرلمان القادم تلك السجالات والاستعراضات المسرحية بين نواب المعارضة والموالاة تحت قبة عبد الله السالم، فتهمل القرارات والتشريعات الفاسدة التي أقرها المجلس المنحل، وتبقى سارية المفعول لتستنزف جيب المواطن وتقيد حريته ويستمر الهدر الحكومي والتراجع الاقتصادي والتسعف في القرارات بحق المواطنين.
لكن في حال اختيار تركيبة مشابهة أو قريبة من مجلس 2013 ليكون عديم الأثر سياسيًا أو يتحول إلى مجلس استعراضات وسجالات ومعارضة ديكورية لا تمتلك أدوات التغيير، فبالتأكيد تكون الحكومة هي المستفيد الوحيد والأكبر، فمن جهة ينشغل النواب بالقضايا الشخصية والمعارك الجانبية، وتبقى قرارات الجرائم الإلكترونية والحرمان السياسي والحبس الاحتياطي والقيود الأمنية ورفع أسعار البنزين وبعدها أسعار الكهرباء، بل تستكمل حزمة “الإصلاح الاقتصادي” المرعبة شعبيًا بما فيها من رفع الرسوم وخفض الرواتب وبيع أصول الدولة من بوابة الخصخصة الجارفة والقادمة، كما تكسب الحكومة من دخول بعض المقاطعين في الحياة السياسية، فتضم بعضهم تحت عباءة الوزير والمناصب القيادية وبقية المغريات، وتشرك البعض الآخر في نتائج المشهد السياسي العقيم والمستمر في السوء لتنهي ما قد تبقى لهم من رصيد شعبي في المستقبل.
صفوة القول أن فرصة المناورة والسعى للإصلاح والتغيير المتاحة أمام المعارضة في المجلس القادم محدودة، وعمر المجلس يتوقف على طبيعة وتركيبة المجلس القادم وحجم المعارضة وأدائها، فإذا كانت قوية وذات أغلبية برلمانية وهو احتمال ضعيف فسيكون المجلس معرضًا للحل فى أقرب وقت ممكن، وإذا كانت معارضة ديكورية فستجمل وجه المجلس فحسب وستمارس بعض الاستعراضات والسجالات وستكون الحكومة هي المستفيد الوحيد وستمنح فرصة ذهبية لأربع سنوات قادمة تصدر وتقرر فيها من يحلو لها من سياسات، وتسن ما تريد من قوانين وتمرر ما تشاء من اتفاقيات.