على مدى التاريخ وعلاقات الأردن بإيران لم تكن أبدًا بالدفء الذي يسمح لها بالتطور، على خلفية الأزمات العديدة التي مرت بها بدءًا من سقوط الشاه، وظهور نظام الخميني والملالي، ثم وقوف الأردن إلى جانب العراق في الحرب العراقية – الإيرانية، خلال السنوات الثماني، بدءًا من أوائل الثمانينات من القرن الماضي، ثم أزمة ضبط خلية مسلحة لحزب الله اللبناني تسللت للأردن عام 2001، وهي الأزمة التي زادت من توتر علاقات البلدين، حتى إن الملك عبد الله الثاني امتنع وقتها عن حضور القمة العربية في بيروت 2002م، بسبب مخاوف أمنية من نية حزب الله تجاهه، مرورًا بأزمات المنطقة المتتالية، وأهما الأزمة السورية التي شهدت انخراط حزب الله اللبناني، ومن ثم إيران في محاربة الثورة الشعبية، وأصبح هناك احتكاكًا مزعجًا بين الطرفين، حيث شهدت الحدود الأردنية السورية تجمعًا لحشود شيعية لبنانية وعراقية وإيرانية، أقلقت الأردن بشدة، قبل أن تتطور الأزمة بقرار عمان سحب سفيرها بطهران بعد الأزمة الأخيرة مع السعودية، ولم يعد لطهران إلى الآن بداعي التشاور.
وزير الخارجية الأردني ناصر جودة
شعرة معاوية
ورغم الأزمات المتتالية ظلت الدولتان الكبيرتان بالمنطقة تحافظان على شعرة معاوية، باعتبار أن كل منهما تدرك أهمية الأخرى ومدى حاجتها لها في ظل الصراعات المتنامية بالمنطقة، وظلت عمان العاصمة تستقبل مسؤولين إيرانيين على مدى السنوات الماضية، بل زار الملك عبد الله طهران في عام 2003 خلال حكم الرئيس محمد خاتمي المعتدل، وأعلنت طهران في عام 2012 استعدادها تزويد الأردن بنفط مجانيّ لمدة 30 عامًا، مقابل فتح الحدود أمام الحجاج الإيرانيين، وهو الطلب الذي اعتذرت عنه عمان وقتها، مدركة السعي الإيراني لاستغلال الأردن في إطار رغبتها لإكمال الهلال الشيعي، ومحاصرة دول الخليج من الشمال، وفك ارتباط الأردن بمحور الاعتدال، وزيادة التلاعب بملف القضية الفلسطينية.
مزارات شيعية بالأردن
مغامرة أردنية
مؤخرًا أدركت طهران أهمية الدور الأردني كوسيط مقبول في تحسين علاقاتها مع دول الخليج، وأيقنت عمان أن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة تتغير لصالح طهران، ما يعني أن هناك تحركات قريبة متوقعة من المملكة الهاشمية لاتخاذ خطوة حذرة باتجاه تحسين العلاقات مع طهران، قد تبدأ بعودة سفيرها لطهران بالإضافة لخطوات أخرى قد تظل حينًا في طي الكتمان، خوفًا من غضب الجيران الخليجيين.
حصار إيراني
قد يتساءل البعض عن السبب الذي يدفع بعمان لتلك المغامرة التي قد تثير غضب الجيران الخليجيين، لكن هذا التساؤل بالنسبة للقارئين الجيدين لمسار الأحداث، وخارطة الأزمة الإقليمية، ليس له محلاً من الإعراب، قياسًا بواقع التخاذل والتقارب الأمريكي الحالي مع إيران، وتصاعد التحالف الإيراني – الروسي، ناهيك عن عدم الرضا الأردني عن قلة الدعم والإسناد الخليجي لعمان، خاصة في المجال المالي، مقارنة مع الدعم الذي قدم لنظام السيسي في مصر.
وهو الأمر الذي تستغله إيران عبر حلفائها وشركائها كما في حالة الحكومة العراقية الشيعية التي تثير الكثير من المخاوف والمتاعب للأردن، عبر التضييق على الصادرات والواردات الأردنية، كما أن إيران نافذة في قطاع غزة، وحاضرة شمالي العراق، وحلفاؤها في حزب الله متواجدون في قلب درعا، والميليشيات العراقية التي تدعمها تطل برأسها بين الحين والآخر في الأنبار شرقي الأردن، وتحاول البحث عن اختراق في القدس والضفة الغربية بعمليات مرصودة أردنيًا، وهو ما يرد بقوة على عدم جدوى هذا التساؤل.
مقاتلو حزب الله اللبناني
تحركات سعودية متوقعة
ما سبق يعني أن عمان ستسعى بقوة خلال الفترة المقبلة لتغيير سياستها من طهران، وتجنب أي صدام مباشر معها أو مع وكلائها بالمنطقة، عبر ترك اللوبي اليساري الإيراني يعمل دون معوقات، طالما أنها نشاطات محدودة وغير شعبية، وتبني أي نشاطات تحارب الطائفية، وتدعو للتعاون بين السنة والشيعة، مع الحرص على بقاء وتقوية عشائر السنة بالعراق وسوريا على حدود الأردن وفي النظام السياسي فيهما.
إذن، ماذا يمكن للسعودية أن تفعل لوأد تلك المحاولات الأردنية في مهدها ومحاصرة النفوذ الإيراني؟
الرد سريعًا هو الدعم المالي للاقتصاد الأردني الذي يعاني الأمرين منذ الحرب السورية، لكن ما ضمانة هذا الدعم، والرياض أثبتت على مر التاريخ أنها متقلبة إلى حد ما في تحقيق تعهداتها المالية إلى الدول العربية، حيث قدمت في عام 2011، دعمًا نقديًا بالغ الأهمية للأردن بقيمة 1.5 مليارات دولار، عندما كانت المملكة الهاشمية تواجه عجزًا في الميزانية بلغ 3 مليارات دولار، قبل أن تتراجع عنه بعد تردد الأخيرة في تقديم الدعم العسكري للثوار السوريين، الذين يحاولون إسقاط نظام الأسد، على الرغم من الضغوط السعودية، قبل أن يعود الأردن من جديد للوقوف إلى جانب المملكة في حربها ضد الحوثيين باليمن، وسحب سفيره من إيران في أبريل من العام الجاري، وهي تحركات أردنية طامعة في كسب ود المملكة، لكنّها تبدو متواضعة جدًا من أن تضمن عودة الرياض عن بخلها السابق.
تيران وصنافير أثارتا أزمة كبيرة بمصر بعد تنازلها عنهما للسعودية
تيران وصنافير الأردنية
هنا يبقى السؤال: ما الالتزامات الجوهرية الأخرى التي تعهدت بها عمّان لكي تحصل على مثل هذا الدعم المالي؟
هذا السؤال ليس له إجابة من الواقع الأردني، لكن له ما يقابله في مصر، حينما ردت القاهرة على منحة الرياض المالية التي أنقذت اقتصادها من الانهيار بتخليها عن سيادتها على جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر لصالح السعودية، وهو ما قد يعني أن عمان مقبلة على تنازل مشابه ليس جليًا الآن.
الخلاصة
الأردن يدرك أن إيران لديها نفس طويل لتحقيق غايتها بالنفوذ والهيمنة عليها، في مقابل افتقاد عمان لأية مقومات ذاتية رسمية وشعبية قوية للصمود طويل المدى في وجه المخططات الإيرانية، كما أنها تدرك أنه لو لم يتم دعمها خليجيًا، وخاصة من المملكة العربية السعودية في تجاوز العقبات المالية من جهة، وتأسيس وعي راسخ بالخطر الإيراني لدى السلطة والشارع من جهة ثانية، فسيكون عليها الاختيار بين واقعين أحلاهما مر.
الأول هو انتظار اليد السعودية القصيرة لدعمها، مقابل تنازلات هاشمية عدة قد تكون بدور فاعل للطيران والجيش الأردني في اليمن، أو سوريا وربما العراق، والثاني هو الاستجابة للضغوط الإيرانية، خاصة بعد جلوس الرئيس ميشال عون على كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية، الجارة القريبة للأردن، بفتح مزاراتها الشيعية أمام السائحين الإيرانيين البالغين نصف مليون سائح سنويًا، وهو توجه يدعمه بقوة سفير المملكة الهاشمية بطهران عبد الله أبو رمان.