كيف ضيّق الأمن المصري الخناق على محمد كمال وكيف قام باغتياله؟

أثناء أوائل جلسات محاكمة محمد طه وهدان -عضو مكتب الإرشاد- قال بصوت مسموع: “قولوا لأحمد (ابنه) يبعد عن الناس دي المفروض إنه عارف هم بيعملوا إيه”. كان وهدان يقصد المجموعة الأخرى التي عُرفت بعد ظهور الخلاف الداخلي للجماعة باسم “مجموعة كمال”، ويبدو أن كلماته لاقت صدى عند أجهزة الأمن التي تتابع كل ما يدور.
تحدثنا إلى مصدريْن كل على حدة لمحاولة معرفة كيف توصلت قوات الأمن لـ د. محمد كمال، الذي شغل عضوية مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين منذ 2011، وأصبح مسؤلا عن اللجنة الإدارية العليا للجماعة منذ فبراير/شباط 2014 حتى استقالته في مايو/أيار 2016 وتنسب الجهات الأمنية إلى اللجنة أعمال عنف وقعت في عدة محافظات مصرية، وقد تطابقت معلومات المصدريْن اللذين تحدثنا إليهما.
تردد اسم أحمد وهدان كثيرا عند الأجهزة الأمنية في تلك الفترة، مع أسماء أخرى لها علاقة بقيادة لجنة الأزمة أو اللجنة الإدارية العليا، وتكثفت جهود الأمن لمحاولة القبض على الأشخاص الذين انتُزعت أسماؤهم تحت التعذيب، وفي مارس/آذار 2016 تم اعتقال أحمد وهدان من أحد المطاعم بمدينة السادس من أكتوبر، ووُجهت له تهمة المشاركة في اغتيال النائب العام المصري في 29 يونيو/حزيران 2015.
يقول أكرم (اسم مستعار) وهو أحد الكوادر الإخوانية الشابة: تزامن مع اعتقال أحمد في تلك الفترة اعتقالات لقيادات في مجموعة د. محمد كمال، وما يتعرض له المعتقلون من تعذيب يجبرهم على ذكر بعض التفاصيل ليتخففوا مما يلحقهم من العنف الأمني، وعقب تلك الاعتقالات ترددت أسماء كثيرة ضيقت دائرة البحث عن الرجل الذي ظل بعيدا عن أيدي الأمن لقرابة ثلاث سنوات ونصف، وحتى الآن لا يُعلم بشكل مؤكد كيف تم التوصل لمحمد كمال، لكن الاعتقالات السابقة لعملية الاغتيال شملت أفرادا كثيرين، وكان أكثرها إثارة للانتباه اعتقال أحد الكوادر الإخوانية ويدعى محمد السعيد.
كان السعيد قد أنشأ عملا خاصا به منذ عدة أشهر سابقة على اعتقاله، ومع تعدد اعتقالات الدوائر القريبة منه في الفترة الأخيرة قرر تصفية عمله، وفي عصر يوم الأحد 25 سبتمبر/أيلول انقطع الاتصال مع محمد السعيد وهو خارج منزله، وكان الاقتراب منه في ذلك اليوم يشبه الاقتراب من كرة نار فتم اعتقال كل من ذهب إليه، شريكه الذي ارتبط معه بموعد عمل بجوار منزله ولا يعرف شيئا عن انتماء محمد السياسي فتم اعتقاله، وآخران ذهبا لمنزله بعد اتصال أسرة محمد بهما للبحث عنه، وتم تتبعهما عقب نزولهما من منزله ومعهما ابنه وابنته، ثم قطعت الشرطة الطريق عليهما وفقا لرواية ابنته وتم اعتقال الجميع وضربهم بوحشية، ثم ألقت الشرطة بأبناء محمد السعيد في الطريق بعد أخذ ما كان معهما حتى حُليّ ابنته الذهبية، يقول أكرم: “أخشى بشدة على حياة محمد ومن ذهَبَا لمنزله عقب استخلاص الأمن لما لديهم من معلومات” إلا أن زوجته كتبت على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) في 2 نوفمبر/تشرين الثاني أن زوجها ظهر في النيابة بعد إخفائه قسريا لأكثر من شهر وتم إيداعه بسجن 2 شديد الحراسة لخمسة عشر يوما، ولا يزال الآخران في عداد المختفين قسريا حتى كتابة هذه السطور.
بعد أسبوع من اعتقال السعيد وتحديدا في يوم الاثنين 3 أكتوبر/تشرين الأول أعلنت صحف مقربة من النظام -منها موقع اليوم السابع- اعتقال محمد كمال نقلا عمن أسمتهم مصادر مطلعة، وبعد أكثر من ساعتين أعلن نفس الموقع مقتله مع مرافقه ياسر شحاتة “في تبادل لإطلاق النار” نقلا عن مصدر أمني.
يقول أكرم: “ياسر لم يكن حارسا شخصيا بمعنى أنه كان يحمل سلاحا لحماية محمد كمال، بل هو مجرد مرافق يعاونه في طلباته ويرتب التواصل معه، والتواصل ليس تنظيميا إذ إن استقالة كمال من مناصبه في اللجنة الإدارية كانت فعلية، وكان دوره استشاريا فقط” وما ذكرته زوجة ياسر “فاطمة الزهراء محمد” عنه يؤكد أنه مجرد مرافق، فهو يحمل درجة الدكتوراة في العلوم الزراعية، وكان مديرا لأحد مكاتب التموين في أسيوط قبل فصله من عمله، فلا تُتصوَّر إمكانية قدرته على التعامل مع السلاح، فضلا عن عدم وجود دلائل على إطلاق النار من قِبَله على قوات الأمن، وذلك وفقا لمعاينة الجثث وبيان إطلاق النار من مسافة قريبة وعدم وجود إصابات بين قوات الأمن التي قالت أنه تم إطلاق النار عليها أثناء مداهمة المكان، وأيضا وفقا لرواية زوجته القاطنة بالقرب من مسكن محمد كمال، فإنها لاحظت وجود سيارة تحوم حول المكان فحاولت تنبيه زوجها لذلك، ولما خرج من الشرفة أشارت له على السيارة فحاصرت قوات الأمن المكان ورفع ياسر شحاتة يده مسلِّما نفسه وموضحا أنه لا يحمل السلاح، ولكن قوات الأمن اقتحمت المنزل وسمعت بعدها إطلاق النار إلا أنها ظنت أن الطلقات لإرهابهم، ثم صعدت قوات الأمن لمسكنها وقامت بتفتيشه دون إبلاغها بما جرى لزوجها، ثم فوجئت بسيارات الإسعاف تحمل كل واحد منهما على نقالة، فعلمت أن زوجها قتلته قوات الأمن.
“تم إطلاق رصاصة على كل واحد منهما في رأسه من الخلف بالقرب من أذنه” يقول أكرم، وفي تقديره أن اغتيال د. محمد كمال مرتبط بمؤشرات لعملية تسوية سياسية ربما تقوم بها جبهة د. محمود عزت ولكنه يؤكد أن ما حدث مع كمال ليس نتاج وشاية من مجموعة عزت، بل هو نتيجة لتتبع الأمن لخيوط تجمعت لديه أشارت لمكان كمال. وينفي طلعت فهمي المتحدث الرسمي للجماعة والمحسوب على جبهة عزت أي وجود لعملية تفاوض تؤدي لتسوية ففي مداخلة متلفزة له على قناة “مكملين” في اليوم التالي لعملية الاغتيال، علق قائلا: “نحن أصحاب حق لا نُفاوض عليه، ولا نُساوم عليه بحال من الأحوال، ولن تهدأ ثائرتنا ولن تلين قناتنا حتى نراكم (يقصد من أسماهم عصابة العسكر) مُعلقين إن شاء الله على أعواد المشانق، وقد استرد كل ذي حق حقه، ولن يضيع دم شهيد، ولن تضيع حياة معتقل، ولن يفلت من العقاب مجرم”.
يرى أكرم أن عدم اعتقال كمال لاستخلاص ما لديه من معلومات بسبب أن الاعتقالات التي تجري تبحث في جزء منها على مكانه؛ إذ الهياكل التنظيمية شبه معلومة للأمن لذا تمت تصفيته مباشرة عقب الوصول لشخصه الذي يمثل هدفا بحد ذاته لقوات الأمن، فضلا عن أنه -كما يقال- أحد العقبات التي لا ترى إمكانية المصالحة مع النظام الحالي، وهذا الكلام ربما لمّح له العميد خالد عكاشة في تقرير إخباري لقناة “العربية” في اليوم التالي لعملية الاغتيال قال فيه: “إزاحة محمد كمال من أمامهم ربما تعيد لهم القدرة على السيطرة على الكوادر الإخوانية”، وعكاشة القريب من النظام المصري، لم ينقل التقرير عنه سبب الرغبة في “الإزاحة” ولا أهمية سيطرة مجموعة عزت على الكوادر الإخوانية بالنسبة للدولة.
ما يبدو لكثير من المتابعين أنه بشكل عام تفكك ما يسمى بجهاز العمليات النوعية، وهرب معظم من تورطوا فيه لخارج البلاد أو تفرغوا لحياتهم الشخصية بخلاف من اعتُقل أو تمت تصفيته، لكن الأجهزة الأمنية تدفع بعمليات القتل خارج القانون هؤلاء وغيرهم إلى عدم الإيمان بمسارات غير عنيفة، وسلوك الثأر إذا تبنته أجهزة الدولة فسيصعب إقناع المتضررين منه بعدم جدوى العمليات الانتقامية، وسيظل الصراع المسلح موجودا حتى يُوجَد في الطرف الأقوى من لديه الرشد لإيقاف ذلك.