ترجمة وتحرير نون بوست
يعيش محمد دحلان في الإمارات العربية المتحدة، على بعدقرابة 1300 ميلا عن أشقائه الفلسطينيين، المتمركزين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، في منزل واسع وفاخر من أعلى طراز.
وقد مرت خمس سنوات منذ أن وطأ محمد دحلان، البالغ من العمر 55 سنة، آخر مرة الأراضي الفلسطينية، التي من المرجح أن يصبح رئيسا لها في المستقبل. لقد تحول هذا الرجل بين عشية وضحاها إلى مليونير في هذا البلد المنفى فيه، الذي يحاول فيه قادته فرض هيمنتهم في جميع أنحاء المنطقة وتحقيق تغييرات تصب لصالحهم، على الرغم من معارضة رئيس السلطة الفلسطينية، محمد عباس لذلك.
مع كل يوم يمر، يشعر أهالي الضفة الغربية المحتلة على نحو متزايد أنهم يعيشون في حالة حرب مع أنفسهم؛ خاصة بعد إصابة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس بأزمة قلبية، الذي لا يعرف حتى الآن من سيخلفه. لكن عباس لم يتوان عن مهاجمة أي شخص يقد أي دعم لدحلان.
وتشير الاعتقالات وحملات التطهير والاحتجاجات إلى أن حربا بالوكالة تحاول مناهضة هذا النظام القديم وتكافح من أجل الحصول على الشرعية ضد هذا الجيل الجديد من القيادة.
في هذا السياق، قال دحلان في إحدى تصريحاته، إنه “يعلم أن الكثيرين من بينهم أبو مازن خائفون، من عودة دحلان”. وأضاف، “أعلم لماذا يخاف، لأنه يعرف ما فعله في العشر السنوات الماضية ولأنه يعلم أنني أعرف”.
وقد اتهم السيد دحلان بإتباع العديد من الممارسات القمعية؛ عندما كان يدير الأمن في قطاع غزة، كما اتهمه بعض الفلسطينيين بعدم قدرته على إحكام السيطرة على القطاع، عندما حاولت حماس فرض هيمنتها عليه في سنة 2007. في المقابل، اعتبره البعض مجرد أداه يحركها الكيان الصهيوني.
لكنه أصبح الشخص المفضل من قبل ما يسمى بالرباعية العربية التي تشمل كلا من مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث تحاول هذه البلدان الضغط على عباس حتى يسمح لدحلان بالعودة إلى وطنه.
نفى دحلان، في مقابلة أجريت معه مؤخرا في دولة الإمارات العربية المتحدة، تلك السمعة التي اشتهر بها، والتي تصنفه علىأنه رئيس جهاز الأمن السابق المتسلط.
وأضاف دحلان أن أصداء شكاوى الشارع الفلسطيني المتذمرة من البطالة المتفشية في البلاد ومن حالة المدارس والمستشفيات ومن الفساد المنتشر في أجهزة الدولة، لطالما وصلته. وأشار دحلان إلى أن، عباس لم يفشل فقط في وضع حد للاحتلال الإسرائيلي؛ بل كان يعمل على نحو متزايد على إسكات المعارضة.
وأوضح أن ما يفعله أبو مازن هو شبيه بما يفعله نظام الأسد أو نظام صدام حسين، وكل ما فعله خلال الفترة الماضية، أنه قام بتشغيل كل أجهزة السلطة المتبقية لديه إلى جهاز أمن.
ونظرا لأن القادة العرب كانوا يدركون أن سمعة دحلانوجذوره في غزة، قد تجعل من الصعب عليه الظفر بتأييد شعبي في الضفة الغربية، حيث أنهم يعملون في الوقت الراهن علىتقاسم السلطة، التي من المحتمل أن تكون حلا بالنسبة لهم في هذا المأزق.
وقد يتقاسم ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، ناصر القدوة، مع دحلان حكم الدولة الفلسطينية، كما يمكن أن يكون مروان البرغوثي، مكانه خاصة وأنه يحظى بشعبية كبيرة ويقبع في الوقت الراهن في أحد السجون الإسرائيلية بتهمة القتل.
وأفاد دحلان خلال الحوار الطويل الذي أجراه والذي دام قرابة ساعتين أنه “لا يريد خوض انتخابات رئاسية”. ولكنه أضاف أنه “على استعداد ليكون جزءا من أي فريق، وأن يكون جنديا وأن يشغل أي وظيفة تمكنه من تطبيق رؤية وخطط حقيقية”.
ولا يعني قبول دحلان مثل هذا الاتفاق أن القدوة أو أي شخصية مماثلة ستقبل بمثل هذه الصفقة. فقد قال القدوة، الذي شغل العديد من المناصب الدبلوماسية، بما في ذلك وزيرا الخارجية، ومؤخرا نائبا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص في سوريا، إنه يرفض مقترح دحلان؛ مضيفا أنه يعتقد أن إمكانية الموافقة علىعودته ضئيلة، على الأقل في المرحلة الحالية؛ مشيرا إلى أنه عندما يتم “حرق الجسور”، سيكون ربما من الصعب أن إعادة بنائها”.
في الوقت الراهن، لا توجد أية انتخابات رئاسية وقد تم حتى تأجيل الانتخابات البلدية. وفي هذا الإطار، زار عباس في الأيام الأخيرة القوى الإقليمية في المنطقة؛ مثل تركيا وقطر، على أمل تخفيف الضغط الذي تمارسه الرباعية العربية على السلطة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، قال زميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات واشنطن، والذي شارك في تأليف كتاب سيرة الذاتية القادمة لعباس، جرانت روملي، أن عباس يملك في الوقت الراهن قبضة من حديد، لا تسمح لأي من منافسيه بالوقوف ضده. وأضاف أنه يعيش سنوات الانحطاط الأخيرة له، ويمكن القول أنه أكثر السياسيين مكرا في المنطقة، الذي لا يتوانى عن تقديم تنازلات من أجل الفوز على منافسيه”.
وقام عباس، في الأسابيع الأخيرة، بطرد منافسيه من حركة فتح واعتقال آخرين. وقد أعلن، يوم الثلاثاء، عن عقده لمؤتمر للحزب في وقت لاحق هذا الشهر، في خطوة فسرها البعض؛ على أنها محاولة لطرد حلفاء دحلان.
وفي الشهر الماضي أطلق مسلحون مجهولون النار على منزل الناقد السياسي الفلسطيني، فادي السلامين. وقال السلامين، الذي يمتلك صفحة الفيسبوك نشر فيها انتقادات شديدة حول ملفات فساد تطال الرئيس محمود عباس وسلبه أموال الشعب من أجل جمع الثروة، والذي كان يعمل مع السيد دحلان، إن “عباس يعتبر كل معارضيه مثل دحلان”.
وفي نفس هذا السياق، قال المدير التنفيذي للحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين، يوسف منير، إن “دحلان يحظى بقدر قليل من المصداقية في الشارع الفلسطيني، كما أنه كان الشخصية التي سمحت للحكومات الأجنبية بالقيام بالأعمال “القذرة” بهدوء”.
ولد السيد دحلان في مخيم غزة للاجئين، وانضم إلى نزاع عنيف دار مع إسرائيل عندما كان مراهقا. كما اعتقل 11 مرة، وتعلم العبرية خلال الخمس سنوات التي قضاها في السجون الإسرائيلية، وأصبح في وقت لاحق قائد الأمن الفلسطيني في غزة. وقد كان قابعا في مخيم ديفيد في سنة 2000، عندما حاول الرئيس بيل كلينتون التوسط لإحلال السلام. وقد ذكره السيد كلينتون في مذكراته قائلا إن “دحلان يعد من أفضل المفاوضين الفلسطينيين”.
في المقابل، قال نائب رئيس مؤسسة بروكينغز، مارتن إنديك، إن “دحلان هو الشخصية الذي سعى دائما عباس إلى تهميشها”. وأضاف أنه “شخصية جذابة، وذكية، ومتلاعبة وتشكل تهديدا واضحا لحركة فتح في رام الله”.
ترأس دحلان، المتهم بتعذيب المعتقلين وإقامة ما يسمى بجمهورية دحلان ستان الآلاف في قطاع غزة، ولكن عندما سيطرت حماس على القطاع، قيل أنه تخلى عن القتال وانتقل إلى الضفة الغربية، وشغل منصب وزير الداخلية في حكومة عباس حتى سنة 2011، قبل أن يتبادلا التهم المتعلقة بالفساد؛ مما أدى إلى هربه إلى أبو ظبي.
وأصبح دحلان، فيما بعد، من المقربين للرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، وساعده على محاربة الإخوان المسلمين وعلى إجراء بعثات دبلوماسية بهدف التفاوض على مشروع سد نهر النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان. ويقال أنه تربطه علاقة مع العديد من المسؤولين الإسرائيليين؛ بما فيهم وزير الدفاع المتشدد، افيغادور ليبرمان.
وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يرفضون الدخول في نقاش مع دحلان، مع العلم أنهم يعلمون أن أي تعليقات ايجابية يمكن أن يدلي بها دحلان من شأنها أن تساعد على تشويه سمعته بين الفلسطينيين. وقال مدير معهد دراسات الأمن القومي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، إن “الحكومة تراقب مناورات السيد دحلان”. وأضاف أنه “إذا تمت المقارنة بينه وبين أبو مازن فإنه يبدو خيارا مثيرا للاهتمام، ليس لشخصه، وإنما بسبب العلاقات الجيدة التي تربطه مع دول العالم العربي”.
ونفى السيد دحلان، الذي قال إنه كان يقرأ كتاب هنري كيسنجر، لقاءه بالسيد ليبرمان واتهامات الفساد المنسوبة إليه، ولكنه لم ينكر استخدام أساليب وحشية في غزة، حيث أفاد أنه “لم يكن رئيسا للصليب الأحمر، وأنه بالطبع قد ارتكب العديد من الأخطاء والهفوات”.
واعترف أيضا، أنه لا يمكنه أن ينكر حقيقتين جليتين، تتمثلان في كونه غنيا، حيث يملك الكثير من المال، وفي كونه قويا ويعمل بجد دائما لتحسين مستواه في الحياة”.
وقد كرس دحلان بعض من أمواله، وبعض التمويلات العربية الأخرى لتمويل أنشطة خيرية في غزة والضفة الغربية. وقد تحدث في أبو ظبي، برفقة زوجته، جليلة، أنه كان يقوم بالإشراف على العديد من المشاريع الإنسانية والأعراس الجماعية في غزة. وقد استخدم بعض سكان غزة هاشتاغ، “#دحلان” خلال تغريداتهم على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يطلبون فيها مساعدته لمداواة بعض المرضى.
ويقول السيد دحلان، وهو أب لأربعة أولاد ، إنه رجل مخلص في عملة لا يتمتع بعطلات أبدا، مشيرا إلى أنه يحب العمل ويدمن تحقيق النجاحات.
المصدر: نيويورك تايمز