تظهر الأبواب الروسية مواربة فيما يتعلق باليمن وإمكانية التدخل بشكل أعمق في البلاد, التي تشهد خطى متسارعة نحو تدويل أكبر في الصراع الدائر منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في البلاد واجتياح العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م.
يتزايد قلق مراكز الدراسات والبحوث الغربية حول تدخل عسكري روسي في اليمن، وفق عدة محددات تترأسها دعوة الرئيس اليمني السابق إلى تدخل روسي, وفق معاهدة سابقة مع الاتحاد السوفيتي، والتكاليف الباهظة التي تدفعها في روسيا وحاجتها لتخفيف الضغط لإنهاء الحرب الروسية بالمزيد من التنازلات السعودية- الأمريكية – التركية.
يحاول فريق “مُسند للأنباء” إعطاء سياق المواقف الروسية في اليمن وتقدير إمكانية التدخل المتوقع ونوعه، إذا ما أخذنا بالاعتبار العلاقات الروسية- الإيرانية وارتباطها بالملف السوري على وجه التحديد.
الدب الروسي في صنعاء
بشكل عام لا يمكننا التنبؤ بما ستقوم به روسيا فذلك لغز ملفوف في الغموض داخل أحجية، لكن ربما هناك مفتاح هو مصالح روسيا القومية, ولم تتغير روسيا منذ أن قال تشرشل ذلك 1939 والعالم يخطو نحو الحرب العالمية الثانية.
لعل علاقة روسيا باليمن بدأت عبر المملكة العربية السعودية عام 1927 من السعودية حين سلم محافظ الحديدة في جدة للمندوب الروسي عرض علاقات تجارية من الملك يحيى، يمكن أن يعطينا مفتاحاً للغز الذي يمر عبر السعودية أولاً.
في خضم 20 شهراً للحرب، اتجهت الدول الأجنبية إلى إغلاق سفاراتها في اليمن، إلا أن السفارة الروسية ظلت صامدة في صنعاء، تستضيف لقاءات بين السفير الروسي وكل من علي عبدالله صالح والحوثيين.
في أعقاب الإعلان عن تشكيل التحالف العربي وشن أولى غاراته في اليمن في مارس/آذار العام الماضي، انتقدت روسيا الحملة السعودية لإبعاد الحوثيين المدعومين من إيران من الموقف اليمني، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، كما أشار المتحدث باسم وزير الخارجية الروسي إلى أن عمليات التحالف تمثل «تهديدا خطيرا على الأمن القومي».
وعلى الرغم من دعم روسيا الواضح للحوثيين وصالح، إلا أنها لم تفصح يوما عن هذا الدعم، أو حتى الانتقاد للحكومة الشرعية، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أنها التزمت الحياد حتى لا تتورط في عمليات عسكرية أخرى في منطقة الشرق الأوسط، بعد تورطها في سوريا.
استعداد صالح
يرغب علي عبدالله صالح بتدويل الأزمة اليمنية وتحويلها إلى قضية إنسانية كما في سوريا، وبذلك سيكون جزءاًً من الحل المقترح لا أصل المشكلة وعمودها، ولعل أبرز ما أظهر تلك الرغبة المحمومة – عدا اللقاءات المستمرة مع القائمين بأعمال السفارة الروسية في صنعاء- قوله إن: “المجلس السياسي”، الذي شكل مؤخراً بالمناصفة بين صالح والحوثيين باستطاعته العمل مع روسيا لمحاربة الإرهاب وذلك عبر السماح لموسكو باستخدام القواعد العسكرية في البلاد.
تعتقد الإدارة الأمريكية أن علي صالح الذي أطاحت به ثورة 2011 كان من أكبر الحلفاء للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وقد تحدث إلى قناة “روسيا 24″ التابعة للحكومة الروسية في أغسطس/آب2016 ” واطلع عليه “مُسند للأنباء” (في معركتنا ضد الإرهاب سنقدم كافة التسهيلات ونحن على استعداد لتقديم مطاراتنا وموانئنا للاتحاد الروسي.
في حين أن هذا الرجل القوي سابقاً ربما يفتقر إلى النفوذ لتنفيذ مثل هذا العرض، تذكر “رويترز” بأن مسؤولين من الحزب الذي يرأسه الآن يقودون المجلس السياسي الذي يسيطر على معظم المحافظات الشمالية جنباً إلى جنب مع المتمردين الحوثيين الموالين لإيران”-حليفة روسيا في سوريا.
وهو العرض الذي جاء بعد 48 ساعة من حديث مسؤولين أمريكيين لـ”رويترز” بأن وزارة الدفاع الأمريكية قد سحبت موظفيها من المملكة العربية السعودية, الذين كانوا ينسقون مع الحملة الجوية بقيادة السعودية في اليمن, وأيضاً خفضت وبشكل حاد عدد موظفيها في أماكن أخرى حيث كانوا يساعدون في ذلك التخطيط، وتم تعيين أقل من خمسة أشخاص من الولايات المتحدة وبدوام كامل لخدمة “خلية التخطيط المشتركة والموحدة” والتي تأسست في العام الماضي لتنسيق دعم الولايات المتحدة والذي تضمن إعادة تزويد الطائرات الحربية بالوقود جواً وتبادل المعلومات الاستخبارية المحدودة وذلك نقلاً عن المتحدث في البحرية الأمريكية في البحرين لرويترز، الملازم “إيان ماك كنافي”.
رداً على دعوة صالح نقلت وكالة أنباء روسية عن مصدر عسكري رفيع, لم تكشف عن هويته قوله إن بلاده ليس لديها أي خطط لاستخدام قواعد جوية في اليمن؛ مؤكدةً أنها لن تتدخل في اليمن من أجل إعادة علي عبدالله صالح إلى السلطة.
وقالت الوكالة الرسمية ( RBTH ) في تصريح المسؤول والذي تابعه “مُسند للأنباء” إن “نقل الطائرات إلى اليمن ليس فقط صعباً, ولكن أيضاً سنحتاج إلى القوة العسكرية لحماية جنودنا، ومثل هذا القرار سيكون متهوراً ومن شأنه أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل السياسية والعسكرية”.
تحالفات عالمية
تتزايد حجم زيادة العلاقات الروسية الإيرانية في الملفات الإقليمية إضافة إلى الصين، يساهم فعلاً في تحدي أي علاقات مماثلة بعد التقارب مع تركيا, وهو ما يحاول “مُسند للأنباء” تفكيك هذه العلاقة وربطها بالأزمة اليمنية, التي تحضر فيه إيران بقوة.
ففي فبراير/شباط 2016م كان الحديث الإيراني عن علاقة جيدة مع روسيا قد تنتقل إلى اليمن كما جاء في تصريحات علي ولايتي مستشار المرشد الأعلى في إيران الذي قال أن مصالح إيران وروسيا تلتقي في ثلاث عواصم عربية وقد تنتقل إلى اليمن مستقبلاً، وهو ما أشيع على نحو واسع عن احتمال تدخل عسكري إيراني بغطاء روسي في البلاد، خصوصاً أن هذه التصريحات جاءت مع زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى موسكو والتقاءه بالرئيس الروسي.
لكن تدخلاً عسكرياً كما ترغب إيران بالوصول إليه لن يكون ذا دافع روسي كبير في للتأثير في مسار اللعبة الدولية في الشرق الأوسط، فموسكو بدرجة يقينية من العمل الدبلوماسي تعيّ جيداً أن تدخلها العسكري في اليمن لن ينتج عنه إلا عواقب كبيرة، وستتأثر علاقتها مع المملكة العربية السعودية وتبعاً لذلك ستتأثر علاقتها بالدولة التركية بعد تحسن العلاقات عقب أزمة اسقاط الطائرة الروسية في تركيا.
وكل ذلك يبدو جزءاً من الحرب الكلامية فيما يتعلق في سوريا، فروسيا وإيران تتشكل العلاقات المتسارعة بينهما بسبب التحالفات المقابلة لهما، وهي التركي السعودي بشكل أساسي، ومع ذلك يقبع الشيطان عادة في التفاصيل فطهران وموسكو لا تملكان لاعب في اليمن يمكن الاستناد عليه في عمليات عسكرية قادمة.
ويظهر من التعليق الإيراني أنه تحذير من مشاركة سعودية في سوريا، بمعنى آخر أن هذا التدخل سيكون ثمنه إزعاجاً أكبر للسعودية في اليمن، لكن مع مسارات أحدث يمكن أن تشي بمسارات أخرى. وهذه المسارات ستكون ذات متغير جوهري أكبر لتنزلق موسكو في اليمن.
من ناحية أخرى يظهر من تصريح ولايتي أو التصريحات المشابهة للسياسيين الإيرانيين له علاقة بالداخل الإيراني، ما يتحدث به المسؤولون الإيرانيون له علاقة بالخطاب في الداخل، بمعنى أنهم يريدون إبلاغ الشعب الإيراني أنهم ما يزالون يواجهون الخارج وأن أعداها ما يزالون كُثر خارج البلاد، وبأن دورها الإقليمي والعالمي كبير ولذلك يجب على المواطنين أن يتحملوا المزيد من سياسات النظام، هذا ما يظهر عادة في تصريحات قد تبدو متعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد، لكن لها أصدائها في الداخل.
لعبة بوكر في اليمن
بشكل أو بآخر تدخلت روسيا في اليمن بشكل يثير الكثير من الريبة نتحدث بشكل أوسع عن دورها في مجلس الأمن الدولي والوقوف إلى جانب الحوثيين وصالح، ليس من أجل تمكينهم سياسياً بل من أجل مقايضة ملف بملف آخر، والحصول على تنازلات في الملفين السوري والأوكراني، فموسكو ما تنفك تؤكد اعترافها بالشرعية اليمنية وسبق أن سمحت بمرور القرار الأممي 2216، كما وافقت على تمديد العقوبات على عبدالملك الحوثي وشقيقه وأبو علي الحاكم وعلي عبدالله صالح ونجله.
ظهر ذلك جلياً في النصف الثاني للعام الجاري، وتحديداً في يوليو/ تموز، عندما أوقف المندوب الروسي بياناً كان من المقرر أن يصدره مجلس الأمن لمطالبة الحوثيين وحزب الرئيس السابق بالاستجابة لمقترح الأمم المتحدة للسلام، والذي ينص على انسحابهم من المدن وتسليم السلاح في غضون 45 يوماً، ومن ثم الحديث عن المسارات السياسية.
في ذلك الوقت كانت العلاقات بين دول الخليج وروسيا سيئة مع التقدم الذي يجري في سوريا لصالح المعارضة، الذي تتشارك مع طهران وميليشيات حزب الله دعم نظام بشار الأسد الذي قتل قرابة نصف مليون من مواطنيه إلى جانب مليون ونصف المليون جريح بالإضافة إلى 7 ملايين مشرد ولاجئ.
عقب نهاية جلسة مجلس الأمن الدولي ودون أن يجزم بذلك، رجح مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلمي أن يكون التعنت الروسي في عرقلة إدانة مجلس الأمن للحوثيين وصالح ناجما عن رغبتها في مقايضة موقفها تجاه اليمن بما تواجهه من صعوبات في الملفين السوري والأوكراني.
في رصد مخابراتي أمريكي للتحرك الروسي في اليمن يشير موقع “ليما تشارلي”، المتخصص بالحرب والأمور العسكرية ويديره قدامى المحاربين, وتسنى لفريق “مُسند للأنباء” قراءته, إلى أنه إضافة للعمليات التي تقوم بها روسيا والولايات المتحدة الدبلوماسية والتكتيكية على حد سواء والتي تسعى إلى موقف مع الولاءات السعودية والإيرانية، فإن ماهو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى أن المجتمع الدولي يلعب لعبة بوكر في المنطقة، عالية المخاطر “ورقة بورقة أخرى” أشبه بالمساومة.
وقال الموقع في تحليله إن المشاركة الروسية في الملف اليمني بدأت تتوسع وتنخرط بشكل أكبر في تحالف (الحوثي-صالح) وتشكيل حكومة جديدة لهذا التحالف من أجل التوسع في نفوذها في شبه الجزيرة العربية وإنشاء قاعدة أكثر حزماً في دول الخليج بشكل عام. على سبيل المثال، كانت روسيا قد رفضت التصريح لمجلس الامن الدولي بإلقاء بيان “دعما للعملية السياسية” في 3 أغسطس/آب، وهي لغة حاسمة بشكل علني داعمة للحركة الحوثي.
واعتمد التحليل على رؤية الخارجية الروسية التي حثت الأطراف في 11 أغسطس/ آب لإيجاد أرضية مشتركة في اليمن وإيقاف إطلاق النار، وفي 15 أغسطس/آب حضر “أوليغ درموف”، القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء لمجلس (الحوثي-صالح)، وأشار إلى أن هذا المجلس يعتبر “سلطة واقعية” يوسع القاعدة الشرعية الشعبية له.
وعزا ماجد التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية تأييد روسيا الواضح لما يسمي المجلس السياسي في اليمن إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ هي تخلي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن حسم ملفات المنطقة، والذراع الإيرانية القوية داخل روسيا، خاصة أن طهران هي الخصم الحقيقي لدول مجلس التعاون والتحالف العربي في اليمن.
وأوضح أن السبب الرئيسي الثالث هو “الضعف الحقيقي وغير المفهوم لدور مجلس التعاون الخليجي وأمينه العام الذي لا نرى له أي دور في سياق هذه الملفات المتداخلة، فعلى الأقل نسمع من الأمين العام للأمم المتحدة قلقا، لكن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لم نسمع منه حتى القلق” حسب تعبيره.
وتبدو الخطوة الروسية بدعم ما يسمي المجلس السياسي خطوة شكلية تتعلق بمسارات أخرى في العراق وسوريا، فيما قال التركي إن هناك “نقطة فراغ فاصلة بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا جعلت المجلس لا يوظف روسيا كثيرا، وتتمثل في العقلية التي تدير الملفات في مجلس التعاون الخليجي سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأمانة العامة، وهي عقليات ذات ثقافة وانتماءات غربية ولا تستطيع التفكير خارج الفضاء الغربي”.
المصدر: مُسند للأنباء