ربما قرأت منذ فترة عن تلك المعادلة الرياضية التي كادت أن تلقى برجلا إلى ما وراء الشمس، حيث اشتبهت سيدة بأن ذلك الشخص الصامت السارح المنهمك في أوراقه يخطط لعملية إرهابية على متن طائرة متجهة من “فيلاديلفيا” إلى “سراكيوز”، الأمر الذي دفع السيدة إلى إبلاغ طاقم الطائرة وعطلت الرحلة لمدة ساعتين لمعرفة حقيقة الأمر، وأتضح نهاية أن ذلك الشخص أستاذ اقتصاد يحاول حل معادلة.
تخيل معي أن ذلك الرجل شعر بداية برهبة تلك السيدة، وبدافع استمرار طرافة الموقف تصرف بطريقة تؤكد مخاوفها، مثلا كتب على أوراقه داعش، أو همس “الله أكبر، لا إله إلا الله”، ماذا كان سيحدث؟ أقل ما في الأمر ستخلى الطائرة.
القصة السابقة لا تختلف عن وضع جماعة الإخوان المسلمين عقب وصول الرئيس “عبد الفتاح السيسي” إلى سدة الحكم، وإذا ما أردت الإسقاط فلنقل أن السيدة “مصر والنظام القائم” واستاذ الاقتصاد-شخصا لا عقلا-“جماعة الإخوان المسلمين”.
الرئيس محمد مرسي
منذ عزل الرئيس المصري الإخواني “محمد مرسي” عن السلطة، وتنتشر فوبيا “عنف الإخوان” ولا شيء يذكر عن ذلك سوى مجموعة من البيانات تصدر من وقت لأخر من قيادات مختلفة، بعضها ربما تسمع اسمه للمرة الأولى والبعض الأخر أصبح ذا ثقل ووزن داخل الجماعة دون امتلاكه مؤهلات لذلك نظرا لغياب القيادات.
قد يتعلل البعض بوجود أحداث متفرقة ولكنها في واقع الأمر لا تعبر مطلقا عن العنف المشهود في تاريخ الجماعة والمسجل تاريخيا، وإن كانت تنتمي في بعضها للجماعة إلا أنها حوادث فردية غير منظمة ولا بمعرفة قيادة أو بالأدق ليس بأمر القيادة، ربما أيضا تكون جراء انقسام بعض الشباب عن جماعة الإخوان المسلمين وتشكيلهم مجموعات صغيرة.
فالجماعة التي اعتاد كافة أعضاءه على الأوامر العليا والقرارات من مكتب الإرشاد ولا يتصرف فرد دون وفقا لأهوائه وأراءه الشخصية حتى وإن كان على صواب، أصبحت اليوم متهمة بصورة أساسية في كافة أعمال العنف والفوضى داخل البلاد وتفسير كثرة هذه الاتهامات عدة، جزء منها متعلق بالنظام وضرورة وجود “بعبع” الإرهاب، وجزء أخر مرتبط بالمخيلة السياسية للشعب المصري، وهذا ليس موضع حديثنا الآن.
أما موضع حديثنا اليوم هو الإجابة على سؤال: لماذا اقتصر عنف الجماعة على البيانات؟
“ويخبرنا (ش.ي) أنه، في إحدى المرات، حصلت مجموعته على صندوقين للسلاح، «غنيمة» من إحدى سيارات الأمن المركزي، فقام «الإخوة» بمصادرة هذه القطع، ومنعوها عن الشباب؛ الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من أعضاء هذه المجموعة إلى ترك «العمل» نتيجة التدخل المُقيد لتحركاتهم.“
كانت هذه الكلمات من تقرير أعده الزميلان “أسامة الصياد، محمود العناني” بعنوان “في الطريق من رابعة إلى سوريا: كيف يذهب شباب الإخوان إلى «الجهاد»” نشر على الموقع المصري “إضاءات”، وما تحمله تلك الكلمات يوضح مدى رفض القيادات في الجماعة التوسع في العنف.
مجموعة من العوامل المتداخلة شكلت في النهاية جماعة عنيفة خطابا وليس فعلا، ونفي وجود أفعال عنف من قبل الجماعة هنا ليس دليلا على نبذها للعنف ولكن يعود لضعف القدرة، والعوامل الدافعة لذلك عدة، أبرزها الرأي العام، الموقف الدولي، تفشي السلفية الجهادية، انخراط شباب الإخوان في الحياة العامة، تزايد المعارضة اليومية للنظام القائم، محاولة بعض القوى وراثة قاعدة الإخوان الشعبية.
من ناحية الرأي العام، فتعاني جماعة الإخوان المسلمين –وغيرها من القوى الإسلامية بدرجات متفاوتة-من تبلور صورة ذهنية سلبية حولها لدى الرأي العام المصري عقب فشل الرئيس الإخواني “محمد مرسي” عن تحقيق مطالب الشعب المصري إلى جانب انتشار سياسة “الأخونة” في المؤسسات المصرية، إلى جانب ظهور بعض المواضع لخيانة الجماعة لقطاع عريض من الشباب المصري المشارك في ثورة يناير، الأمر الذي وضع الإخوان المسلمين في موضع الطامع في السلطة والديكتاتور الذي لا يرى سوى ذاته، ومن تصاعدت موجة الانتقادات للجماعة وتبلورت الصورة الذهنية عنهم لدى الشعب المصري، وما إن اتجهت الجماعة نحو العنف المنظم والواضح فأنها تساعد في خسارة ما تبقي لها في الشارع المصري بصورة كاملة الأمر الذي قلل من توجهها نحو العنف.
من ناحية أخرى يأتي الموقف الدولي من الجماعة وطرحها كجماعة إرهابية دوليا خصوصا مع تأخر بعد التقارير والمواقف الدولية كالتقرير البريطاني كعامل هام محجم لانسياق الجماعة نحو العنف السياسي تحسبا لخسارة حلفاء لها بالخارج.
بين هذا وذاك تأتي موجة تفشي وانتشار السلفية الجهادية والزخم الدولي حول محاربة تلك التنظيمات معوقا آخر لدى الجماعة للانسياق نحو العنف، وذلك لسببيين أولهما الخلاف التاريخي ما بين جماعة الإخوان المسلمين وتيار السلفية الجهادية، والسبب الثاني ما قد يفرضه الواقع من خسارة الجماعة لجزء كبير من الشباب في صفوفها حال تبنيها العنف بتوجه نحو جماعات أكثر تطرف وتحمل أفكار أكبر وخارج إطار أهداف الجماعة الأمر الذي لا يصب نهاية في مصلحة الجماعة، ولعل ما يدلل على ذلك ذهاب بعض أعضاء الجماعة إلى سوريا.
العامل الرابع يتمثل في الاختلاف في البنيان الثقافي لأعضاء الجماعة في العقود الماضية عن فترة تبني الإخوان للعنف “فترة بداية ظهور الجماعة والفترة القطبية”، وفعليا تعود بداية نشأة هذا الاختلاف إلى ظهور جيل السبعينات داخل الجماعة والتغيير في الأفكار، حيث ظهر جيل شبابي أكثر تفتحا وقراءة للواقع عما كان عليه من قبل وأقل تطرفا، إلى جانب هذا يأتي تحميل قطاع عريض من الشباب الفشل الذي آلت إليه الجماعة للقيادات وسوى تقديرها للأمور كمعوق من معوقات توجه الجماعة نحو العنف.
العامل الخامس يتمثل في سير الأوضاع في الداخل المصري والموقف من النظام القائم، والذي يظهر في الفترات الأخيرة ومنذ بدايته فشل النظام القائم شيئا فشيء في إدارة الدولة وحل الأزمات الفعلية بالداخل المصري، إلى جانب تزايد المعاناة الاقتصادية وتخفيض الدعم تدريجيا واختفاء بعض السلع وارتفاع الأسعار، تزايد تلك المعارضة تحمل في طياتها احتمال سقوط النظام القائم، وكي تضمن الجماعة دورا في مرحلة ما بعد السقوط-إن حدث-لابد وأن تبتعد عن العنف.
العامل السادس، يتمثل في سعي بعض القوى السياسية الإسلامية لوراثة جماعة الإخوان في مصر مثل الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي “حزب البناء والتنمية” وحزب الوسط بقيادة “أبو العلا ماضي” الإخواني المنشأ، وما يساعده في ذلك كثرة نعت أعضاء الجماعة بالإرهاب الأمر الذي يدقع الجماعة الأم إلى محاولة تجديد الثقة لدى قطاع الشباب ولدي المجتمع المصري خشية من خسارة القاعدة الشعبية العريضة لها.
العامل السابع، ضعف مصادر التمويل للجماعة سواء ماديا أو المنابر المغذية للقاعدة الشعبية للجماعة، وذلك بإغلاق الجمعيات الأهيلة للجماعة والتي بلغ عددها نحو 1200 جمعية، إلى جانب مصادرة الأموال.
ختاما إن كانت قيادات الجماعة فعليا تبتعد عن العنف إجباريا، فأن الأحداث والتفاعلات في الداخل ربما تدفعها إجباريا أيضا نحو العنف، ولعل أبرز تلك الأسباب استمرار الاعتقالات والتصفية لبعض رموز الجماعة-وإن كانت تصفية بالخطأ-مع غياب خطة واضحة نحو مصالحة من الممكن أن تنفذ مع تحجيم للجماعة باستخدام بعض القوى الإسلامية الأخرى، كما أن استمرار هذا النهج خطرا على الدولة المصرية على المدى البعيد حال ما يزيد عدد هؤلاء الشباب “القلة” الذين ذهبوا إلى سوريا بعدما ضاقت بهم السبل في مصر وعانوا من الاعتقال فتبانوا أفكار السلفية الجهادية، فإن فكروا في العودة إلى مصرحال ما يستقر الأمر في سوريا سيكون أمام النظام المصري القائم تحديا آنذاك حول إعادة تأهيل هؤلاء الشباب من عدمه وكيفية التعامل معهم.